العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ويبدو أن الصراع بين ترامب، ومحطة CNN، قد بدأ منذ حملة ترامب الانتخابية، حينما اتخذت هذه المحطة موقفاً غير حيادياً، بل ومعادياً لترامب، وبلغ ذروته عندما طرد ترامب مندوب المحطة من البيت الأبيض.

تغريدات ترامب
 

لواء د. سمير فرج

 1 فبراير 2019


يتغير العالم من حولنا، بوتيرة متسارعة، في كافة المجالات، ويطولنا التغيير في الكثير من الأمور الحياتية، ومنها الإعلام، عبر وسائل ومنصات مختلفة، لم نعتدها في الماضي. فأتذكر، في مقتبل عمري، كيف كنا ننتظر نشرة أخبار الساعة الخامسة، على موجات الإذاعة، لنتعرف من خلالها على أحوال العالم، وكانت الصحف، المطبوعة، وسيلتنا الرئيسية لمعرفة الأخبار، والاستمتاع بالمقالات، والتحقيقات، والتحليلات، لمختلف أصحاب الرأي.

وأذكر جيداً، وأنا ذلك الضابط الشاب، في الستينات، على سفوح جبال اليمن، أنتظر، بين زملائي، مساء كل يوم جمعة، لنستمع، على إذاعة صوت العرب، لمقالة الأستاذ محمد حسنين هيكل، “بصراحة”، التي صدرت في صباح ذات اليوم، في جريدة الأهرام، الغراء. وأذكر في ذلك الوقت، ظهور إذاعة الشرق الأوسط، بأسلوبها الرشيق، والخفيف؛ لتكون، مع مقالة الأستاذ، الرابط بيننا وبين الوطن الأم، ونحن بعيدين عن أرضها.

وظهر التلفاز، ليحدث ثورة في دنيا الإعلام، بنقله للصورة الحقيقية، بأبعادها، وألوانها، وينقلنا إلى عالم الإعلام المرئي، الذي تطور بسرعة فائقة، وصار جزءاً أصيلاً من الحياة اليومية. ومع تطور وسائل الاتصالات، ظهرت العديد من المحطات التليفزيونية، والإخبارية، وكان في طليعتها محطة CNN الأمريكية، لتبث لنا الأحدث على الهواء مباشرة، لحظة وقوعها، فمن منا لا يتذكر حرب الخليج، التي انفردت هذه المحطة، بنقل وقائع معاركها، لحظة بلحظة، ليتغير معها شكل الإعلام، منذ ذلك التوقيت.

فأذكر أثناء وجودي في تركيا، وأنا ملحق عسكري لمصر بها، أن كنت في لقاء مع مدير الاستخبارات التركية، في مكتبه، وكان التلفاز، أمامه، موجه على محطة CNN، ونظر إليه قائلاً، “هذا هو ملحقي العسكري إلى بلاد العالم … فالخبر يصلني من خلاله، قبل أن يرسله الملاحق العسكريين الأتراك، من البلاد التي يعملون بها”.

كان ذلك في التسعينات، عندما انطلقت ثورة الأقمار الصناعية، لنقل المعلومات والصور، في الحال، وتطورت هذه الأقمار لتنقل صورة الحدث، حتى بعد وقوعه، فلقد كانت صور هذه الأقمار الصناعية تنقل لك مكان محدد، وتخبرك، على سبيل المثال، أن ذلك المكان كان يتواجد به حوالي 80 دبابة، وقد غادرت المكان منذ ساعة تقريباً. وبدأت هذه الأقمار الصناعية تنقل صور القواعد الجوية، والمطارات، والموانئ البحرية، والمصانع، ومقار مراكز القيادة، ومراكز الاتصالات المختلفة، وفي كل يوم تتطور هذه التكنولوجيا؛ فبعدما كان الاعتماد على قمر صناعي واحد، أصبح لكل دولة، ولكل جيش، قمر صناعي خاص به، يحقق له اتصالات دولية، ونقل معلومات حول العالم، طبقا للمدار المحدد.

وحدثت صورة إعلامية جديدة، باستفادة وسائل الإعلام، من أحدث تكنولوجيا الاتصالات ونظم المعلومات، فأصبح الخبر، أو المعلومة، أو الصورة، يصل إلى تليفونك النقال، بينما أنت تتحرك في أي مكان، وهو ما كان يتم، من قبل، بالاعتماد على أنظمة المعلومات التقليدية، مثل وكالات الأنباء، أو محطات الإذاعة والتليفزيون. وأصبحت لدى دوائر المخابرات، في العالم كله، أقسام الاستماع، لمتابعة ما يتم في كل دولة، وفقاً لأهميتها السياسية، ونوعية الأحداث.

ثم اعتلى الرئيس دونالد ترامب، كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، ليفاجئ الجميع بإصدار تغريدة، أو تويتة، يومياً، من على صفحته، بمنصة التواصل الاجتماعي، “تويتر”، في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً، بتوقيت بلاده، أي الثانية والنصف ظهراً بتوقيت القاهرة، ليعلن من خلالها خبراً، أو قراراً، أو رأياً، مهماً، يقلب الأوضاع رأساً على عقب، لما له من مردود داخلي أو خارجي. ولعل آخرها، كانت تغريدته، منذ أيام، بقراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، والذي علم عنه وزير الدفاع الأمريكي، “جيمس ماتيس”، من خلال تلك التغريدة!

وأصبحت محطة CNN العالمية، اليوم، تستقي معلوماتها من تويتات ترامب، وصرت أنا، العبد الفقير إلى الله، حريص في تمام الساعة الثانية والنصف ظهراً، على الدخول على صفحة ترامب، لأعرف الجديد في العالم. ويبدو أن الصراع بين ترامب، ومحطة CNN، قد بدأ منذ حملة ترامب الانتخابية، حينما اتخذت هذه المحطة موقفاً غير حيادياً، بل ومعادياً لترامب، وبلغ ذروته عندما طرد ترامب مندوب المحطة من البيت الأبيض، بعد توليه الحكم، ومنعه من الدخول لحضور المؤتمرات الصحفية، إلا أنه عاد بحكم المحكمة، لعدم دستورية القرار. وعلى أية حال، لا يمكن إنكار أن تويتات الرئيس الأمريكي ترامب، أصبحت ظاهرة، ومصدر للحصول على المعلومات في الفترة الحالية، وأصبح الجميع؛ سواء محطات الإذاعة أو التليفزيون، أو مراكز المعلومات والدراسات، أو حتى المواطن العادي، يترقبونها، يومياً، للتعقيب عليها، وتحليل أبعادها.

وهكذا نري كل يوم الجديد في شكل وأسلوب تناول المعلومات، على مستوى العالم، حتى أن مراكز الدراسات الأمريكية، والمراكز البحثية، قررت في العام السابق، أن تحليلها للمعلومات والأحداث، يقتصر على نشر المعلومة، وتفاصيلها، والحقائق، والأبعاد الرقمية للحدث، دون أن تعطي للمتلقي الرأي في التحليل أو التقدير، تاركة له التوصل لاستنتاجه وتقديراته، من عرض هذه المعلومات. ولا زلنا في انتظار الأحدث في جعبة التكنولوجيا، لسرعة تناول المعلومات مصحوبة بأدق التفاصيل والبيانات.

وعلى صعيد متصل، فقد تطورت وسائل وأساليب التجسس، وبعدما كانت تعتمد على زرع كاميرات وميكرفونات، داخل المكان المطلوب التجسس عليه، أصبح من الممكن وضع طبق صغير أمام المبنى المجاور لك، لديه القدرة على التقاط كل ما يدور داخل المبنى المراد التنصت عليه، وأصبح الصراع، الآن، هو كيفية التغلب على هذه التكنولوجيا الجديدة، بتكنولوجيا أحدث منها. فحتى بناء ما يسمى Fire Wall، لم يعد قادراً على منع هذه الأساليب. ولقد كان أشهر الأعمال العسكرية، التي تم بثها مباشرة، للرئيس الأمريكي أوباما في مكتبه في البيت الأبيض، هي عملية اقتحام منزل أسامة بن لادن، في باكستان، بواسطة فرق الكوماندوز الأمريكية، على بعد آلاف الأميال من واشنطن العاصمة، ليتابعها الرئيس أوباما، خطوة بخطوة، حتى إتمامها، بقتله، وسحب جثته على الطائرات الأمريكية إلى خارج باكستان، والتخلص منها. والأهم من ذلك، أن باكستان لم تعلم بهذه العملية، إلا بعد الإعلان عنها رسمياً. يا أيتها التكنولوجيا … رحمة بنا.



Email: sfarag.media@outlook.com