العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لا يختلف أحد على نهضة دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا يختلف أحد على أن تقدمها قد بُنى على رؤية واضحة وتنفيذ مستنير ولمن اعتاد زيارة دولة الإمارات، فإنه يلاحظ بوضوح مظاهر التطور الذى تشهده البلاد بين الزيارتين، مهما قصُر أمد الابتعاد، من حيث المطارات، والمباني، والأسواق، والطرق، حتى أصبحت ملتقى للأسر والأفراد للاستمتاع بالاجازات، فضلاً عما وصلت إليه من كونها مركزاً للتجارة العالمية بين الشرق والغرب، من خلال جبل علي

الإمارات.. وتكريم الأقصر
 

لواء د. سمير فرج

 4 مايو 2017


وأنا، كغيري، من المبهورين بتلك النهضة، كما أننى من الفخورين بها، كونها تحدث فى بلد عربى شقيق، له مكانة خاصة فى قلب كل مصري، لذا لم أتردد فى قبول الدعوة بالمشاركة فى المؤتمر الدولى للتخطيط العمراني، الذى أقيم على أراضيها فى الأسبوع الماضي، بمشاركة ممثلى أكثر من عشرين دولة من أنحاء العالم، أقيم المؤتمر فى إمارة عجمان، وهو ما يعكس امتداد النهضة إلى جميع أركان الإمارات، عكس ما يظن البعض من استحواذ مدينة دبى على جميع الأنشطة العالمية.

تميز المؤتمر، الذى عُقد على مدى ثلاثة أيام، ببنائه وتخطيطه العلمى المتزن، كأنه يعكس سمة من سمات المسئولين فى الإمارات، فجاء الجزء الأول منه ليعرض خلاله، الخبراء الدوليون المشاركون، أحدث الأفكار فى علم التخطيط العمراني، وما لتلك الأفكار من أثر فى تحويل أحياء، ومدن، بل دول إلى مناطق تتسم بالسعادة والتسامح، وما لذلك من مردود علمى على رفع كفاءة، ومستوى مواطنيها.

أما الجزء الثانى من المؤتمر، فقد كان استعراضاً لقصص النجاح فى تطبيق هذا الفكر المتميز من التخطيط العمراني، ومن هنا كانت دعوتى للمشاركة، لعرض تجربة تطوير محافظة الأقصر، ومحاور ذلك التطوير. جنباً إلى جنب مع نجاحات أخرى، حيث عرض أمير مكة المكرمة، خطة تطوير الحرم المكى الشريف، والمحاور الجديدة لنقل حجاج بيت الله الحرام إلى المشاعر المقدسة، وما صاحب ذلك من خطة لتطوير العشوائيات حول مكة المكرمة، واستخدام أحدث أساليب السيطرة الالكترونية على كل محاور المدينة. كما تم استعراض تجربة تطوير العاصمة النمساوية، فيينا، لتصبح للعام الرابع على التوالي، أفضل مدينة للعيش فى العالم، وفقاً لتصنيفات دولية، بفضل خطة التطوير العمرانى حتى عام 2025، التى وضعها ويشرف على تنفيذها مهندس نمساوي، من أصل عراقي. كما استعرض الحاكم السابق لمدينة ناجاواكا اليابانية، تجربته فى تحويلها إلى أحدث مدن العالم تطوراً، إذ تدار المدينة، بكاملها، بأحدث تقنيات التكنولوجيا الحديثة.

فضلاً عن هذا التنوع المحمود فى اختيار المشاركين، لعرض نماذج من مختلف بقاع الأرض، فقد استعانت الإمارات بكل ما هو جديد، وحديث لإنجاح المؤتمر، بداية من الإعداد والتنظيم له، واختيار مقر انعقاده، وحتى تقنيات الصوت والإضاءة، لتضيف للمؤتمر عنصراً من عناصر الإبهار، فتشعر وكأنك فى أحد استوديوهات هوليوود. ونظرت حولي، فوجدت عدداً من الشباب الإماراتي، من بينهم ابنة حاكم عجمان، ذات الأربعة والعشرين، يمثلون فريق الإعداد للمؤتمر، ويتعلمون من الخبراء الذين تمت الاستعانة بهم للتنظيم، ليكونوا نواة لجيل قادم، قادر على تحمل المسئولية، وفقاً لما حظى به من علم وخبرة. وهو ما يمثل عقيدة المسئولين فى الإمارات، بضرورة بناء جيل قادر على تحمل مسئولية النهضة والتقدم.

شرُف هذا المؤتمر بمشاركة عدد من العباقرة المصريين، للتحدث عن أحدث نظريات وتطبيقات علم التخطيط العمراني، وهم الدكتور ماهر استينو، أحد الخبراء الدوليين فى مجاله، الذى صمم «حديقة الأزهر» بالقاهرة، والدكتور جلال عبادة، ابن جامعة عين شمس، وواحد ممن ساهموا فى تأسيس جهاز التنسيق الحضارى فى مصر، وهو الآن ضمن أعضاء المجموعة الاستشارية المعنية بتطوير المدينة المنورة. وقد قدما أفكارهما ومفاهيمهما العلمية، التى أبهرت جموع الحاضرين.

وقد تلقيت الدعوة لاستعراض التجربة المصرية فى تطوير محافظة الأقصر، وتحويلها إلى أكبر متحف مفتوح فى العالم، إذ طلبت منى رئاسة المؤتمر، عرض المشروعات المتعلقة بتطوير ساحة معبد الكرنك، ذلك المشروع الذى نال ثلاث جوائز دولية وعربية، ومشروع إعادة فتح طريق الكباش، إضافة إلى نقل سكان مدينة القرنة فى البر الغربى إلى مدينة القرنة الجديدة، وهو ما اعتبرته منظمة اليونسكو، أكبر عملية نقل للسكان فى العالم، لمصلحة الآثار. وأخيرا إنشاء طرق ومحاور جديدة فى الأقصر، كجزء من ضمن 84 مشروعاً تم تنفيذها، خلال سبع سنوات لتطوير وتنمية المحافظة.

وقد كان من دواعى فخرى أن تنال خطة تطوير الأقصر كل هذا الإعجاب والاستحسان، أمام ما تم عرضه من خطط تطوير مكة المكرمة، وتطوير العاصمة النمساوية، وتسليح مدينة ناجاواكا اليابانية بأحدث تقنيات العصر الحديث فى العلوم التكنولوجية، فكان تكريم محافظة الأقصر، ترجمةً فعليةً لتخطيط وإدارة عملية التطوير التى تمت وفقاً لرؤية واضحة، ومن خلال Master Plan وضعت فى 2005، وتمتد لخمسة وعشرين عاماً حتى 2030. وهذا ما أكدته توصيات المؤتمر، بالاستفادة من نجاح خطة تطوير الأقصر، واستلهام محاورها. وبصفة شخصية، سعدت كثيراً بثناء أمير مكة على تلك التجربة، وازدادت سعادتى بطلب جميع الحاضرين بموافاتهم بنسخة من العرض المقدم عن تطوير الأقصر.

إن عقد مثل تلك المؤتمرات الدولية، يعد منصة مهمة لعرض التجارب والنماذج الدولية، وتبادل الخبرات المبنية على رؤى واضحة، وخطط علمية، وإدارة جادة فى التنفيذ ... وقد شرُفت باختيار الأقصر كأحد تلك النماذج الملهمة، التى لاقت ذلك التقدير.

وعدت من المؤتمر، لأشهد نجاح مصر فى إدارة زيارة بابا الفاتيكان إلى القاهرة، لتخرج الزيارة، إدارياً وأمنياً، على أعلى مستوى، محققة نتائجها على الصعيد الدولي،. فتكون مثالاً آخر للنجاح المبنى على التخطيط والإدارة والمتابعة. وهو ما تحتاجه بلدنا مصر لرسم مستقبلها الواعد، واستعادة مكانتها العظيمة بين الدول.



Email: sfarag.media@outlook.com