العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

اتصلت بالسفير الألمانى بالقاهرة، لأطلعه على خطتي، فأفادنى بأن افتتاح المدارس الألمانية، المعتمدة، فى مصر، يأتى ضمن خطة شاملة للحكومة الألمانية لدعم تلك المدارس.

المدرسة الألمانية ... فى الأقصر
 

لواء د. سمير فرج

 9 نوفمبر 2017

ذكرت فى مقالى فى الأسبوع الماضى قصة حفيدتى الكبرى منذ التحاقها بالمدرسة الألمانية بالقاهرة، حتى تخرجها فيها، وحصولها، بتفوق، على شهادة الثانوية العامة الألمانية «الأبيتورس» مما أهلها للحصول على منحة تفوق لاستكمال دراستها الجامعية بجامعة ميونيخ فى ألمانيا، وبعد استكمال عامها الجامعى الأول، حصلت على منحة جديدة من الجامعة لنيل درجة الماجستير. كان التحاق حفيدتى الكبرى بالتعليم الألماني، بداية لالتحاق باقى أحفادى به... ولشديد إعجابى بذلك النظام وبمخرجاته، مما لمسته من تطور، واستقلالية فى شخصيات أحفادي، فقد رأيت فى أثناء وجودى فى الأقصر، محافظاً لها، ضرورة إتاحة الفرصة لأبناء المحافظة، للتمتع بنظام التعليم الألماني، لمن يرغب فيه. فصممت على افتتاح مدرسة ألمانية، ضمن خطتى لتطوير منظومة التعليم بالمحافظة، والتى كنت قد بدأتها بتطوير 150 مدرسة فى مدن الأقصر، وإسنا، وأرمنت، تحت رعاية، ودعم مباشر من، السيدة سوزان مبارك. ما إن اقتربت من الموضوع، حتى وجدته يربو لأن يكون أحد دروب الخيال... فالأمر لم يكن ببساطة التمني، وإنما استلزم الأمر أن أخوض معركة، أعتبرها من أشرس المعارك التى خضتها، فى الأقصر، لتنفيذ 85 مشروعا لتطوير وتنمية المحافظة، خلال فترة وجودى بها... ومع ذلك صممت. اتصلت بالسفير الألمانى بالقاهرة، لأطلعه على خطتي، فأفادنى بأن افتتاح المدارس الألمانية، المعتمدة، فى مصر، يأتى ضمن خطة شاملة للحكومة الألمانية لدعم تلك المدارس، ويصّدق البرلمان الألماني، «البوندستاج» على الموازنة اللازمة لتنفيذ تلك الخطة، مضيفاً أن الحكومة الألمانية تدعم ثلاث مدارس، فقط، فى مصر؛ اثنتان منهما فى القاهرة، والثالثة فى الاسكندرية، مؤكدا صعوبة إضافة مدرسة جديدة، لما يستلزمه ذلك من موازنة خاصة، إذ تعتمد تلك المدارس على ما توفره الحكومة الألمانية من دعم لها، بدءا من توفير تجهيزات الفصول من المقاعد والمكاتب، وتجهيزات معامل التجارب العلمية المصاحبة للعملية التعليمية، وحتى الكتب الدراسية والأدوات الكتابية، فإنها تأتى من ألمانيا مباشرة، فضلاً، بالطبع، عن المدرسين والمدرسات المؤهلين على أعلى مستوى للتدريس فى الدول التى لا تتحدث الألمانية، وما يستلزمه ذلك من رواتب، وبدلات الإقامة خارج ألمانيا، حتى الامتحانات يتم وضعها، وتصحيحها فى ألمانيا، بواسطة خبراء تعليميين، وبمنتهى الشفافية والنزاهة... الخلاصة أن المدرسة يتم تجهيزها لتماثل نظيراتها فى ألمانيا، ولكنها تحت سماء مختلفة!

كنت أعلم معظم تلك التفاصيل مسبقاً، ولكنني، كذلك، لا أعرف المستحيل، ولم أهزم فى معاركى العملية من قبل. وعزمت على تحقيق هدفي، فاتصلت بالبوندستاج، وخاطبت رئيسه، ورئيس لجنة التعليم هناك.... ولأنسب الفضل إلى أصحابه، فقد هدانى الله، سبحانه وتعالى، إلى سيدة ألمانية، ممن أتوا يوماً للسياحة فى الأقصر، فوقعوا فى غرامها، ولم يغادروها أبداً... فقد أعانتنى هذه السيدة كثيراً فى مخاطبة العقل الألماني.

وتطوعت السيدة الألمانية، لمصاحبة ممثلى المحافظة فى حمل الملف إلى المسئولين الألمان، وتم تحديد اجتماع مع رئيس وأعضاء لجنة التعليم فى البوندستاج، شاركت فيه من مقر المحافظة، باستخدام وسائل الاتصال التليفزيونى المتطورة. وبدا الأمر صعباً، إذ أفاد أعضاء اللجنة بأن ميزانية التعليم قد تم إقرارها، بالفعل، بما فيها بند التعليم الخارجي، ولا يمكن تعديلها فى الوقت الراهن. وبالرغم من يقينى بأن الشعب الألمانى لا تحكم العاطفة قراراته، إلا أننى خاطبت الجوانب الحضارية فيهم، لأحثهم على أهمية المشاركة فى النهضة التعليمية فى الصعيد المصري. استغرق الأمر عدة شهور، قبل أن يزور الأقصر وفد من المسئولين الألمان، يتكون من عدد من أعضاء لجنة التعليم بالبرلمان الألماني، وممثل عن وزارة التعليم، وآخر ممثل عن وزارة الخارجية، مسئولاً عن ملفات التعاون الدولى مع الدول النامية. كانت تلك أول زيارة لهم إلى الأقصر، فانبهروا بها، وبوجودهم بين آثار حضارة ترجع إلى آلاف السنين.. وكانت المفاجأة، وفى سابقة تعد الأولى من نوعها، وافق البوندستاج على اعتماد إضافى لموازنة التعليم الخارجى الألماني، بما يسمح بتمويل، ودعم، مدرسة ألمانية جديدة فى مصر، يكون مقرها الأقصر، متخطيا بذلك كل العقبات المالية والسياسية المرتبطة باتخاذ القرار. كان ذلك فى صيف عام 2010، وطلبت أن يتم افتتاح المدرسة رسميا فى العام الدراسى 2010/2011، أى بعد نحو ثلاثة أشهر من الموافقة! راهن البعض، سواء فى مصر أو فى ألمانيا، على استحالة تحقيق هذا الطلب... فقاتلت، مرة أخرى، ولن أحكى فيها عن الصعوبات التى واجهها المسئولون الألمان فى التعاقد مع المدرسين، وإعداد التجهيزات المدرسية والدراسية المطلوبة، وشحنها إلى مصر فى الوقت المناسب، ولن أحكى عن خلية العمل التى أوصلت الليل بالنهار للانتهاء من الأعمال الإنشائية لمقر المدرسة، وفقاً للمقاييس الألمانية المتفق عليها... يكفى أن أحكى أن المحافظة باتت فى عرس ليلة وصول الشحنات المدرسية إلى مطار الأقصر، إيذاناً ببدء الدراسة فى العام الدراسى الجديد، وفاء لوعدى لأبناء المحافظة.

وتم افتتاح المدرسة، فى موعدها المقرر، بحضور السفير الألمانى فى القاهرة، واحتفلت لجنة التعليم فى البوندستاج بافتتاح المدرسة، بنشر صور تلاميذ المدرسة ذوى البشرة السمراء، مع المدرسين الألمان أصحاب البشرة البيضاء، فى الصحف الألمانية، تحت عنوان «امتزاج الحضارة المصرية بالتطور الألمانى»... فكان ذلك واحداً من أسعد أيام المحافظة، التى كانت تعج، حينئذ، بالسائحين، ولا تجد فى أسواقها موقعاً لقدم. وجاءت أحداث 25 يناير 2011، فتغير الحال إلى النقيض، وحل الظلام على فنادق الأقصر، وخوت أسواقها، وتوقفت السياحة، المصدر الأساسى لأبناء المحافظة... ورغم حداثتها، إلا أن المدرسة الألمانية فى الأقصر لم تنج من هذا الطوفان... فغلّقت أبوابها، بعدما عاد مدرسوها إلى بلادهم، وضاع حلم، آخر، جميل، كنت أتمنى استمراره... لك الله يا مصر!.



Email: sfarag.media@outlook.com