العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبدأت في مرحلة التخطيط، والتي تستلزم، وفقاً لعلوم الإدارة، إعداد خطة عمل مستقبلية، أو Master Plan، والمعروفة في مصر باسم خطة التنمية الشاملة، والتي يتم بناؤها، علمياً.

الأقصر بلدنا.. بلد سواح
 

لواء د. سمير فرج

 23 أغسطس 2018


عندما عُينت رئيساً للمجلس الأعلى للأقصر، لم أسعد بهذا التعيين، لعدة أسباب، لا أرى سبباً لذكرها اليوم، إلا أن عدم سعادتي لا تتعارض، أبداً، مع أدائي لعملي بأمانة وإخلاص. ووصلت إلى تلك المدينة، التي تحوي ثلث آثار العالم، فلم يصبني إحباط في حياتي، مثلما أصابني في أسبوعي الأول بها .. فالبرغم من الأهمية العالمية لتلك المدينة، فإن الإهمال كان سيد الموقف بها!

القمامة والمخلفات في كل بقعة، سواء الناتجة عن عربات الحنطور أو بفعل البشر .. اختلط الحابل بالنابل، وزاحمت العشوائيات جميع المناطق الأثرية بالمدينة، وطغت على تاريخها.. البحيرة المقدسة، التي يقع عليها معبد الكرنك، أكبر آثار العالم، مياهها راكدة، تنبعث منها روائح كريهة ومنفرة.

أما البنية الأساسية للمدينة، فحدث ولا حرج ... جميع طرقاتها ضيقة، بما فيها طريق المطار المكون من حارتي مرور، فضلاً عن أن المطار نفسه، عبارة عن مدرج طائرات واحد، على جانبه خيمة، لاستقبال الزوار، طاقتها الاستيعابية لا تزيد على عدد ركاب طائرة واحدة ... فكان ذلك هو الانطباع الأول لزوار أهم مدينة على خريطة السياحة العالمية!

وكانت خدمات المدينة لا تسر عدوا ولا حبيبا، مدارسها في حالة مذرية، معظمها من العشش الصفيح... ومستشفياتها لا تصلح، في رأيي، للاستخدام الآدمي؛ فأنا أفضل الموت دون دخول مستشفى البر الغربي، على سبيل المثال، والذي من المفترض أن يستقبل السياح بالمدينة ... ناهيك عن الحالة المتردية لمرفق الإسعاف، وهنا أذكر مروري بجوار أحد فنادق المدينة، ورأيت زحاماً أمامه، ينم عن وجود مشكلة، فنزلت من سيارتي لاستطلاع الأمر، وعلمت أن أحد السياح كاد يغرق في حمام السباحة، ولما طُلب له الإسعاف، جاءته سيارة تشبه سيارات تكريم الإنسان بالقرى الصغيرة، سواء في الشكل أو المضمون، فضلاً عن مظهر المسعف ونظافته الشخصية، اللذين يؤكدان أنه غير مؤهل لذلك العمل الإنساني، وبالطبع رفض السائح ركوب العربة، ودبرت بنفسي انتقاله للمستشفى الدولي بالأقصر. وينسحب هذا على جميع مرافق وخدمات المدينة، سواء السكك الحديدية، ومياه الشرب، والصرف الصحي، وغيرها.

استغرق مروري على المدينة أسبوعاً كاملاً، وبالرغم من الحزن والإحباط مما رأيت، فيما يفترض أن تكون أجمل مدن العالم، ولكنني عزمت على التغيير، بالاستعانة بما تعلمته فى أثناء دراستي لدبلومة إدارة الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً من تحديد الوظائف المطلوبة، وإعداد بطاقات الوصف الوظيفي لها، Job Description، والتي قلما تهتم جهات كثيرة بإعدادها مسبقاً، تاركين تحديد المسئوليات وفقاً للظروف. ثم شرعت في مراجعة الهيكل التنظيمي للمدينة، ووجدته على أعلى درجات الإتقان، ويرجع الفضل فيه للواء/ يحيي البهنساوي، رحمه الله، الذي كان أول رئيس للمجلس الأعلى للأقصر، قادماً من هيئة التنظيم والإدارة، فأبدع في إعداد الهيكل التنظيمي للأقصر، والذي لم يتغير خلال وجودي، إلا من بعض الإضافات الناتجة عن الممارسة العملية.

وبدأت في مرحلة التخطيط، والتي تستلزم، وفقاً لعلوم الإدارة، إعداد خطة عمل مستقبلية، أو Master Plan، والمعروفة في مصر باسم خطة التنمية الشاملة، والتي يتم بناؤها، علمياً، على فترة مستقبلية لا تقل عن 20 سنة ولا تزيد على 30. أذكر أنني تناقشت مع أحد أساتذة المادة في الولايات المتحدة، عما كنا نطبقه في مصر من خطط خمسية، في عهد الرئيس عبدالناصر، وكان رده أن الخطط الخمسية تخدم أهدافاً محددة، في إطار الخطة الرئيسية ... فكانت الخطة الرئيسية للرئيس عبد الناصر هي تحويل مصر لبلد صناعي، وبذلك انقسمت خطته إلى مراحل خمسية، تم خلالها بناء قلعة الغزل والنسيج في المحلة، والحديد والصلب في حلوان، والسماد في أسوان.

وهكذا بدأت في التخطيط لتطوير الأقصر من خلال خطة التنمية 2030، على أساس 25 عاماً، وطلبت المعلومات اللازمة لبناء خطة التطوير، ففوجئت بمن يقدم لي خطة كان قد أعدها البرنامج الإنماني للأمم المتحدة (UNDP)، بالتعاون مع الدكتور أيمن عاشور، العميد الحالي لكلية الهندسة بجامعة عين شمس، منذ خمس سنوات سابقة، ولكنها دفنت في الأدراج الحكومية. وعلمت فيما بعد، أن تلك الخطة كانت واحدة من ضمن عشرين خطة قدمها ذلك البرنامج لمختلف محافظات مصر، وظلت جميعها حبيسة الأدراج.

والحقيقة أنني استعنت كثيراً بهذه الخطة، واعتبرتها نقطة البداية، وتواصلت مع الدكتور أيمن عاشور، الذي لم يدخر جهداً، متطوعاً، في تحديث بياناتها. ثم أضفت إليها من فكري وخبراتي، مستعيناً بالكثيرين من أصحاب الفكر والرأي، في الأقصر وجميع أنحاء الجمهورية، حتى انتهيت من إعداد هذه الخطة الجديدة، بعد 4 أشهر كان خلالها أهالي الأقصر يرددون: الراجل الجديد معملش حاجة بقاله 3 أشهر.

وباكتمال الخطة، حضر إلى الأقصر رئيس مجلس الوزراء، يصاحبه 13 وزيراً، في سابقة تعد الأولى من نوعها أن يزور أي محافظة وفد وزاري بهذا العدد، يرأسه رئيس مجلس الوزراء، وتم عرض خطة التنمية الشاملة للأقصر 2030، والتي صدق عليها رئيس مجلس الوزراء بالموافقة فوراً، لتبدأ مرحلة التنفيذ والانطلاق نحو تطوير الأقصر.

كان ذلك درساً تعلمته نظرياً، وطبقته عملياً.. أن التخطيط أساس النجاح، بينما العشوائية بداية الفشل ... ولهذا أتوقع التقدم لمصر، في إطار خطة التنمية الشاملة لمصر 2030، التي قدمها الرئيس السيسي منذ نحو عامين.



Email: sfarag.media@outlook.com