العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

شرفتني مصر، بأن أمثلها لمدة عامين، كعضو بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، فقدمت خلالها ثلاث ورقات بحثية، ونشرها المعهد ضمن دورياته.

 مجموعات الفكر والرأي ... Think Tanks

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

ظهرت فكرة مراكز ومعاهد البحوث والدراسات الاستراتيجية، منذ فترة طويلة، فظهر أول مركز بحثي للدراسات الإستراتيجية في لندن عام 1831 باسم "معهد دراسات الدفاع والأمن"، تلاه "جمعيةفابيان" البريطانيةعام 1884، أماأول ظهور لمركز دراسات إستراتيجية أمريكي فكان في عام 1911، باسم "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"(Carnegie Endowment for International Peace) .

ثم انتشرت الفكرة في العديد من دول العالم، من خلال الحكومات، والوزارات، وحتى القطاع الخاص، وتطورت لتصل إلى مراكز دراسات استراتيجية لكبار الكتاب، والمفكرين، والساسة، وأيضاً لرجال الأعمال. ومن أكبر وأشهر تلك المراكز في العالم الآن، هو "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، في لندن(International Institute for Strategic Studies –IISS)، والذي أصبح القدوة والمثل لكل مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم، وله العديد من الإصدارات السنوية، والربع سنوية، والشهرية، إضافة إلى إصدارات خاصة، وفقاً للمتغيرات الدولية. من ضمن إصداراته (The Adelphi Series)، المعنية بموضوعات الأمن العالمي، وكذلك كتابه السنوي عن العلاقات الدولية المعروف باسم(The Annual Review of World Affairs).

ولكن يظل أشهر إصداراته، الكتاب السنوي (The Military Balance)، أو "التوازن العسكري"، والذي كان لعدة سنوات المرجع الأساسي لكل دول العالم، نظراً لمقارنته للقوى العسكرية لكل دولة، وفقاً لقواتها، وأسلحتها، ومعداتها العسكرية، مدعوماًبالصور، في وقت كانت المعلومات عملة نادرة، في مجال الاستخبارات المعلوماتية. فكانت بحوث المعهد الدورية، نافذة للعسكريين، والباحثين في مجالات الأمن القومي، والدولي، والعالمي، للتعرف والإطلاع على كل ما هو جديد في الفكر العسكري، والأمن.

ولقد شرفتني مصر، بأن أمثلها لمدة عامين، كعضو بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)،  فقدمت خلالها ثلاث ورقات بحثية، ونشرها المعهد ضمن دورياته.  فكانت الأولى عبارةعن "رؤية لمستقبل الدفاع المضاد للدبابات" ... والثانية عن "فشل الدفاع المتحرك الإسرائيلي، وتطوير فكرة الدفاع المتحرك(Mobile Defense) إلى الشكل الجديد المعروف بالدفاع النشط (Active Defense) أم االورقة البحثية الثالثة فكانت عن "مدى تأثير فكرة إلغاء قيادة الألوية في الجيش البريطاني، على الكفاءة القتالية".

وقد كان لمصر نصيب من هذه المراكز، وهو "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، الذي أسسه الراحل الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، عام 1968، واستفادت منه القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر 73.

ومع بدء خمسينيات القرن الماضي ظهر، لأول مرة، مصطلح (Think Tank)، والذي يطلق على مايُعرف بمجموعات الفكر والرأي، والتي انتشرت حالياً في أمريكا، ودول أوروبا، خاصة دول حلف الناتو، ودول شرق وجنوب شرق آسيا؛ فأصبح لكل دولة مجموعة(Think Tanks)، وأصبح لكل رئيس دولة، مجموعة خاصة به، تساعده في اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمصيرية، خاصة في مجالات الأمن القومي، بما فيها السياسة الخارجية، والداخلية، والأمن، والدفاع، والاقتصاد، وذلك عن طريق تقديم تحليلات شاملة للموقف من مختلف زواياه، وتقديم الرأي، مدعوما ًبالسيناريوهات المحتملة لكل رأي، مع عرض وافٍ لنقاط القوة والضعف لكل سيناريو، وفي النهاية تقدم توصية بأفضل القرارات الممكن اتخاذها.

ولعل أبرز مجموعات الفكر والرأي حالياً، هي المجموعة المحيطة بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي ترأسها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، وتضم 17 استشارياً، من مختلف التخصصات، والاتجاهات السياسية، بل إن أحد أعضاءها طبيبا ًنفسياً.  ولقد التقيت مع هذه المجموعة منذ عامين، لمدة 45 دقيقة، علمت خلالهم أنه منوطين بدراسة موضوعين هامين، وفقاً لتعليمات وأولويات الرئيس الأمريكي أوباما، كان الأول بشأن التدخل الروسي في أوكرانيا، أما الثاني فكان بشأن متابعة الموقف في مصر؛ وعلى سبيل المثال توصيف ماحدث في يونيو 2013، وما إذا كان انقلاباً عسكرياً، أم ثورة شعبية ساندها الجيش.

وخلصت تلك المجموعة، برئاسة مادلين أولبرايت، بوصف ماحدث بمصر بأنه  "تغيير"، والذي يعد أمراَ ضرورياً في الوقت الراهن. ولم تكتف مجموعة المفكرين بذلك، بل أيدت إغلاق مكاتب دعم الديمقراطية بمصر وإعادة تخصيص مساعدتها لمكافحة الإرهاب والبنية التحتية والتعليم والصحةبمصر. وقدمت المجموعة مبرراتها، وشواهدها، والحقائق الت يت دعم هذا التوجه. فكان من ضمن الأدلة التي استندت عليها هذه المجموعة، هي آراء ومعتقدات الرئيس عبدالفتاح السيسي المؤيدة للديمقراطية، والتي أبرزها في ورقة بحثية أعدها أثناء دراسته بالخارج، بعنوان "الديمقراطية في دول العالم الثالث".  وكان دليلهم الثاني، هو أولى قرارات الرئيس السيسي، بعدتوليه الحكم، برفع جزء من الدعم عن المحروقات، وهو ماأثبت أنه يهدف إلى إصلاحات “Reforms” حقيقية، حتى وإن كانت قد تؤثر سلباً على شعبيته، فلو كان إنقلابي، لحاول التودد إلى الشعب على حساب مصلحة ذلك الشعب. ثم جاء تقبل الشعب المصري لتلك الإجراءات التي لم يقدم عليها النظام المصري طيلة 40 عاماً، برغم صعوبتها، ليؤكد دعم وتأييد المصريين للرئيس السيسي.

وكما أشرت من قبل، فإن تلك المجموعات موجودة، وبقوة وفاعلية، في العديد من الدول، للبحث في مختلف المجالات، وتظل المجالات السياسية، ومجالات الدفاع والأمن القومي، هي الأكثر شيوعا بينهم، ويمكن التعرف على آرائهم وأبحاثهم، من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كلماتسنى الأمر. ولقد شاركت في شهر سبتمبر الماضي، في مؤتمر في تايوان، نظمته أحد فرق المفكرين الاستراتيجيين (Taiwan Think Tank)،الذي يعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي التايواني، حيث ركز المؤتمر على مستقبلا لأمن القومي في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، في ظل الحركات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. وترأس هذا المؤتمر اللواء سيد غنيم، مشاركاً أيضاً في تنظيمه بفريقه الدولي للمفكرين الاستراتيجيين "معهد شئون الأمن العالمي والدفاع".

والآن أتسأل ... أما آن لمصر أن تحظى بمثل تلك المراكز والمجموعات، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة بأكملها؟ علماً بأن شرط تأسيس تلك المراكز والمجموعات، هو الاستقلالية التامة عن أي تيار فكري، أوديني، أوعقائدي، لأن الأصل فيها هو دراسة أبعاد الموضوعات السياسية، وموضوعات الأمن القومي، من جميع جوانبها، بحيادية تامة، والوصول إلى آراء موضوعية، دون التقيد بفكر خاص.

Email: sfarag.media@outlook.com