العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

تتلخص العملية فى تدريب نحو 44 ألف شاب وفتاة على استخدام ألواح الحاسب الآلى «التابلت» حول الجمهورية، لتسجيل بيانات الأسر وتعدادها، وإرسال تلك المعلومات على الفور إلى غرفة العمليات بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لتجميعها، واستخلاص التصنيفات المختلفة عن تعداد سكان جمهورية مصر العربية.

نقطة مضيئة فى مصر
 

لواء د. سمير فرج

 27 يوليو 2017

دعانى صديقى العزيز اللواء أبو بكر الجندى إلى مكتبه فى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لأشهد اللحظات الأخيرة فى ملحمته، التى يديرها باقتدار وهى تعداد مصر ذهبت وأنا أعلم مسبقاً ما يفعله، وما يقدمه لمصر. فأنا أعرف هذا الرجل جيداً وأعرف قدراته وإمكاناته ومع ذلك فقد فوجئت بشدة فلقد قدم، الرجل، أكثر مما توقعت أن أرى! لم يكتف بالتخطيط المسبق لكل حدث فى التعداد بل زاد عليه من فكره المتطور بأن أسس وأعد الكثير من الكوادر، فاق عددهم الخمسين ألف شاب وفتاة من جميع أنحاء الجمهورية مسلحين بأحدث وسائل التدريب والعلم والتكنولوجيا للمشاركة فى مشروع التعداد. لقد استحدث منظومة علمية فريدة من نوعها قامت بتنفيذها إحدى الشركات العالمية المتخصصة فى تكنولوجيا المعلومات التى أتوقع منها القيام ببيع وتطبيق ذات المنظومة فى دول أخرى بعدما أثبتت نجاحها فى مصر. لم يكتف اللواء أبو بكر الجندى بالجانب العلمى والتقنى وإنما أضاف إليه ولأول مرة،خطة إعلامية واسعة الانتشار حتى لا يفاجأ المواطن بمن يطرق بابه دون علم مسبق، ليسأله عن معلومات عنه وعن أسرته وله يعود الفضل، فى تأهيل المواطنين استعدادهم للتعاون مع مندوبى التعداد قبيل البدء فيه.

تتلخص العملية فى تدريب نحو 44 ألف شاب وفتاة على استخدام ألواح الحاسب الآلى «التابلت» حول الجمهورية، لتسجيل بيانات الأسر وتعدادها، وإرسال تلك المعلومات على الفور إلى غرفة العمليات بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لتجميعها، واستخلاص التصنيفات المختلفة عن تعداد سكان جمهورية مصر العربية. ومن خلال تلك البيانات من نتائج الإعداد تم إصدار خريطة طبوغرافية لمصر لأول مرة تفوق فى دقتها خريطة مصر بواسطة «جوجل» وهو ما يعد إنجازاً تاريخياً لمصر. وأتوقع أن يتم خلال الأيام القليلة المقبلة نشر هذه الخريطة التفاعلية على الصفحة الرسمية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء على شبكة الإنترنت لتصبح متاحة لجميع المصريين والمنظمات المصرية والأجنبية المعنية بالبحث عن بيانات حديثة ودقيقة وموثقة عن مصر.

إن إتاحة قاعدة بيانات بهذا الحجم عن مصر بما تحتويه من تصنيفات مختلفة مثل التعداد من حيث النوع والسن والحالة التعليمية والاجتماعية والموقع السكنى وغير ذلك من البيانات الدقيقة، تعد قاعدة ينطلق منها أى مستثمر محلى أو أجنبى خاصة عند إعداده لدراسة الجدوى الخاصة بمشروعه. فإذا ما اقترنت تلك البيانات، بإصدار قانون الاستثمار الجديد فتكون مصر بذلك قد خطت أولى خطواتها للنجاح، من خلال توفير حزمة من الحوافز والضمانات للمستثمرين بالإضافة إلى إتاحتها بيانات مهمة بكل شفافية ليس للمستثمر فقط، وإنما لمختلف الجهات المحلية والدولية وبمجرد انتهاء الجهاز من عملية التعداد، فستكون أولى الجهات أو الوزارات استفادة منه، هى «وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري» عند إعدادها للخطط الخمسية وعند تحديثها البيانات الخاصة برؤية «مصر 2030». فعلى سبيل المثال يتحدد عدد المدارس المطلوبة فى الاستثمارات الحكومية، وتوزيعها الجغرافى والمراحل الدراسية لتلك المدارس وفقاً لنتائج التعداد السكاني، فلا أتوقع أن نجد مرة أخرى مدرسة ثانوية للبنات فى أحد القرى أو المراكز لا يزيد المقيدين بها على 25 طالبة بينما المراكز المجاورة قد خلت من تلك النوعية من المدارس، بالرغم من الكثافة السكانية للبنات فيها. ولن نرى الأهالى يمتنعون عن تعليم بناتهم كلياً أو جزئياً نتيجة بٌعد المدارس. لقد دأبنا الحديث عن تسرب الفتيات من التعليم، بينما نحن فى الحقيقة المسئولين عنه بسوء التخطيط المبنى على معلومات غير دقيقة. ينطبق نفس المثال على المؤسسات العلاجية، ومشروعات البنية التحتية كمحطات المياه والصرف الصحي، وشبكة الطرق المواصلات وغير ذلك من الخدمات التى تستلزم استثمارا حكوميا. والآن يتبادر إلى ذهنى سؤال مهم ما هو مستقبل الـ44ألف شاب وفتاة بعد الانتهاء من المشروع الحالى للتعداد خاصة أنهم ليسوا موظفين بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ومن غير المعقول أن يتم إرهاق الجهاز الإدارى للدولة بهذا العدد الضخم؟ كيف تستفيد الدولة من تدريبهم العلمى الذى تم على أعلى مستوى؟ وكيف ستستفيد من خبرتهم العملية حول الجمهورية؟ هل ستستثمر الدولة فى متدربين جدد عندما يحل موعد التعداد القادم أم ستحافظ على مواردها التى تم استثمارها فى هؤلاء الشباب؟ لا أعرف لتلك الأسئلة إجابات ولكن أتمنى أن يكون قد تم الوصول لإجاباتها قبل اختيارهم للعمل بمشروع التعداد.

أتذكر هنا حوار دار بينى وبين صديقى السيد محمد العبار أحد أكبر المستثمرين الإماراتيين على مستوى الخليج العربى والشرق الأوسط، عندما تم تكليفه من رئيس دولة الإمارات ببناء وتشييد المنشآت الخاصة باستضافة المعرض العالمى المقرر إقامته فى دبى عام 2020، Dubai Expo 2020 والذى يقام على مدى 6 أشهر فقط، يستقبل خلالهم نحو 60 مليون زائر من مختلف بقاع الأرض. كان السؤال الذى يلح عليه قبل البدء فى البناء «ماذا سنفعل بكل تلك الإنشاءات بعد انتهاء فترة المعرض هل ستصبح منطقة للأشباح؟» لم يكن الأمر بالنسبة له مجموعة من الإنشاءات والمبانى، فهو قادر على تنفيذها وفقاً للمواصفات المطلوبة، وفى المدة المتاحة، ولكن ما يعنيه فى المقام الأول هو ضرورة الاستفادة منها فيما بعد. وهو ما تم العمل عليه منذ اليوم الأول ذلك ما يطلق عليه يا سادة الرؤية والتخطيط المستقبلي. وأتمنى أن يكون اللواء أبو بكر الجندى قد وضع خطته بالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة للاستفادة من هذه الكفاءات. فى النهاية أؤكد أن ما تم إنجازه فى الجهاز المركزى للمحاسبات هو نقطة مضيئة فى صفحات تاريخ مصر والتى يوجد منها الكثير فى الحياة اليومية. وبتجميع مثل هذه النقاط المضيئة سنرى الصورة الكاملة المشعة بالنور لمصرنا الحديثة والتى أرجو من وسائل الإعلام أن تقترب منها، لتستلهم الأمل بدلاً من بث اليأس والإحباط فى نفوس المصريين فكل يوم نجد رمزا وعملا عظيماً يسهم فى تطوير بلدنا العظيمة مصر.



Email: sfarag.media@outlook.com