العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فقد التقيت 60 شاباً مصرياً، تم اختيارهم، وفقا لمعايير محددة، للسفر خارج مصر للحصول على شهادات عليا فى مجالات تخصصهم. شعرت برجفة فخر، وأنا أستمع إلى كلمات واحد منهم، وهو شاب مكفوف، يروى لنا عن استعداداته للحصول على درجة الدكتوراه فى القانون الدولي، من جامعة هارفارد الأمريكية.

هل يفعلها باقى رجال الأعمال؟
 

لواء د. سمير فرج

 31 أغسطس 2017


خلال السنوات الخمس الأخيرة، عاصرت أحداثا كثيرة علق بذهنى الكثير منها، واعتبرتها نقاطا مضيئة، لما تركته تلك الأحداث من بصمة فى وجداني.

كان من هذه الأحداث، الكثير ذو الصبغة الوطنية، وبصفتى واحدا من أبناء القوات المسلحة المصرية، فقد كان لاثنين منها وقع مهم عليّ. لن أسترسل كثيرا فى التفاصيل، حتى لا يساء فهمى من ناحية... ومن ناحية أخرى، لأترك للتاريخ مهمته فى إبراز هذين الحدثين وإنصافهما وإعطائهما ما يستحقان من الثناء والتقدير. أما الحدث الأول فتمثل فى تخليص مصر من أنياب جماعة الإخوان الإرهابية. ذلك القرار الذى اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسي، حاملاً كفنه على يديه، غير عابئ بسلامته الشخصية عندما تعلق الأمر بسلامة مصر، اتخذ قراره، وسانده الشعب، حتى تمكن من إزاحتهم عن حكم مصر، حاميا البلاد من كوارث كانت ستحدث إذا ما استمرت تلك الجماعة الإرهابية فى الحكم.

أما الحدث الثاني، فكان قراره الحكيم بعدم إرسال قوات برية مصرية للاشتراك مع قوات التحالف فى اليمن. أقول هذا لأننى ممن شاركوا فى حرب اليمن من قبل لمدة ثلاث سنوات، كنت فيها ضابطا صغيرا، حديث التخرج، أبلغ من العمر سبعة عشر عاما. شهدت خلال تلك الأعوام خسارة مصر الفادحة من خيرة شبابها على جبال وسفوح اليمن، فضلاً عما تكبدته من خسائر مالية طائلة. قد لا يدرك الكثير من المصريين حكمة ذلك القرار، إلا أننى على يقين أن التاريخ سينصف هذا القرار ولو بعد حين، ومثلما يذكر التاريخ لمحمد على أنه باعث نهضة مصر الحديثة، سيذكر، كذلك، للرئيس السيسى أنه من خلص مصر من جماعة الإخوان، وأنه من حمى مصر من الانزلاق إلى حرب جديدة فى اليمن، لا يعلم مداها إلا الله. أما على صعيد شخصي، فلقد شهدت فى الأسبوع الماضى حدثا جديدا، وترك فى نفسى انطباعا طيبا، عبارة عن دعوة من رجل الأعمال معتز الألفي، لحضور احتفال بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيس «مؤسسة الألفى للتنمية البشرية» وهى مؤسسة غير هادفة للربح، تعمل على خدمة المجتمع من خلال تعزيز البيئة التى تؤدى إلى اقتصاد قائم على المعرفة، إيمانا من القائمين عليها بأن النهضة الحقيقية لن تتحقق إلا بعقول أبناء الوطن.

وعلى الرغم من البساطة التى أحاطت مظاهر الاحتفال، فإن جوهره أهلّه ليكون واحداً من أهم الأحداث تأثيرا فى حياتى ... فقد التقيت 60 شاباً مصرياً، تم اختيارهم، وفقا لمعايير محددة، للسفر خارج مصر للحصول على شهادات عليا فى مجالات تخصصهم. شعرت برجفة فخر، وأنا أستمع إلى كلمات واحد منهم، وهو شاب مكفوف، يروى لنا عن استعداداته للحصول على درجة الدكتوراه فى القانون الدولي، من جامعة هارفارد الأمريكية، أكبر وأعرق الجامعات على مستوى العالم. وآخر يستعد للسفر إلى إنجلترا للحصول على درجة الماجستير، وغيره إلى ألمانيا، وآخرين إلى اليابان وإيطاليا، ما لفت انتباهى بشدة هو مجالات الدراسة والتخصص، التى دار معظمها، إن لم يكن جميعها، حول تكنولوجيا المعلومات، ومجالات الذرة، والنانو تكنولوجي، والمياه واستنباط زراعات حديثة، فوجدتها موضوعات غير تقليدية، وإنما تم اختيارها، واختيار الراغبين فى دراستها، لتواكب العصر الحديث، وتعمل على تطوير مستقبل العلوم فى مصر.

ثم قدمت الأستاذة نيرمين أبو جازية عرضا عن نشاط المؤسسة وأدائها، خلال السنوات الخمس الأخيرة، إذ تم إرسال أكثر من 270 دارسا إلى الخارج، بالإضافة إلى منح أخرى لنحو 155 دارسا فى الجامعة الأمريكية فى مصر. أعقبها مداخلة عبر «الفيديو كونفرانس» أبهرنى مع ذلك الطالب الإسكندراني، من أمام جامعة كولومبيا الأمريكية، المصنفة خامس جامعة على مستوى العالم، وهو يشكر السيد معتز الألفى على ما أتاحته له المؤسسة من فرصة للدراسة فى تلك الجامعة حتى حصل على درجة الماجستير، وتمكن من الحصول على وظيفة فى «بنك تشيس مانهاتن» فى نيويورك، بجانب دراسته، وأنه على وشك الحصول على درجة الدكتوراه. مضيفا أن البنك قد وقع معه عقدا للعمل به خمس سنوات، براتب يفوق الخيال، وهو ما سيصقل خبراته قبل العودة مرة أخرى إلى مصر لتوظيف تلك الخبرات، والاستفادة منها.

لفت انتباهى أن السيد معتز الألفى قد اصطحب أحفاده معه إلى تلك الاحتفالية، ليغرز فيهم حب العمل العام، وليؤكد استمرار المسيرة العائلية، التى بدأها أجداده من قبله، عندما أسسوا أول مدرسة فى قريتهم، إيمانا من أفراد هذه العائلة بأن مصر لن تتقدم إلا بنهضة تعليمية حقيقية، قائمة على عقول أبنائها وشبابها الواعد المتشوق إلى فرصة للتفوق.

والسؤال الآن ... أين باقى رجال الأعمال؟ أعلم أن للبعض منهم مبادرات فى إطار «المسئولية الاجتماعية للشركات» ليست بالضرورة فى مجال المنح الدراسية. ولكن سؤالى هنا عمن لم يبادر برد الجميل للمجتمع، من خلال النهضة بأبنائه. فالمسئولية الاجتماعية للشركات لا تقتصر على تشجير حديقة أو بناء نافورة، وإنما تشمل مجالات أهم وأفيد. وأتساءل، لماذا لا يتبنى رجال الأعمال مبادرة مشتركة لإرسال المتفوقين من أبناء مصر، لاستكمال دراستهم بالخارج، بشرط اختيار المجالات التى تخدم التقدم العلمى فى مصر، وبشرط العودة، مرة أخرى، لمصر للاستفادة منهم، كل فى مجاله؟

لقد تبنت حكومة المملكة العربية السعودية هذا النهج، فى السنوات الأخيرة، إذ ترسل ألف طالب سعودى سنويا للحصول على الدرجات العليا من أعرق الجامعات حول العالم، لتستفيد المملكة من خبراتهم عند العودة. وإن موارد الدولة فى مصر لا تقدر على تبنى تلك المبادرة، فى الوقت الحالي، فيجب على مجتمع رجال الأعمال أن يمدوا يد العون إلى الشباب المصرى للحصول على تلك الفرصة، فليس خافيا عليهم أن استمرار نجاحهم يرتبط ارتباطا أصيلاً بتقدم المجتمع.

وهنا أهيب بالإعلام المصري، والبرامج الحوارية اليومية، أن تتبنى الفكرة وتسلط الضوء على المبادرات الاجتماعية الناجحة، وتنادى بالمزيد منها، على ألا تقتصر نداءاتهم على عدة أيام، وإنما عليهم أن يتخذوا منه منهجا ومشروعا قوميا، يتابعونه لضمان استمراريته، وتحقيق أهدافه.



Email: sfarag.media@outlook.com