العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فبينما يساهم ساحل أنطاليا بما يقرب من 20 مليار دولار سنوياً فى دخل تركيا القومي، تجد ساحلنا الشمالى يستنزف موارد المصريين، محدثاً فقاعة فى أسعار الوحدات السكنية ومواد البناء.

إمبراطورية الساحل الشمالى خسرتنا المليارات
 

لواء د. سمير فرج

 7 سبتمبر 2017


قضيت فى العاصمة التركية، أنقرة، ثلاث سنوات متواصلة ... كنت خلالها ملحقاً عسكرياً لمصر هناك. فكنت استغل عطلات نهاية الأسبوع، آنذاك، لأنطلق بسيارتى على طريق رائع، يشبه الطريق الصحراوى بين القاهرة والأسكندرية، فى صورته الحالية، بطول 350 كيلو مترا من أنقرة إلى الساحل التركى أو ما يطلق عليه أنطاليا... وهناك يمتد الشريط الساحلى لنحو 300 كيلو متر بداية من أنطاليا فى غرب تركيا حتى الساحل الشمالى فى اسطنبول... تتوسطه بعض المدن السياحية مثل بدروم، التى استلهمت ألوانها وطبقتها فى الأقصر عندما كنت محافظاً لها، ومثل مارماريز، التى هى النسخة، طبق الأصل، من شرم الشيخ.

ومثلما نطلق على سواحلنا المصرية على البحر المتوسط اسم «الساحل الشمالي»، فإن الأتراك يطلقون على سواحلهم، المقابلة لنا على البحر الأبيض المتوسط، اسم «ساحل أنطاليا»، نسبة إلى مدينة أنطاليا التى تبدأ عندها المنطقة الساحلية... إلا أنه سمة فرق جوهرى بين ساحلنا الشمالي، وساحلهم التركي، إذ يستقبلون فى سواحلهم ما لا يقل عن 18 مليون سائح سنوياً، بينما نتبارى نحن فى صف قرى أسمنتية، واحدة تلو الأخري، لاستقبال العائلات المصرية لمدد لا تتجاوز أربعة أسابيع، فى المتوسط، من كل عام. وتترك تلك الكتل الخرسانية معطلة باقى شهور العام ومغلقة «بالضبة والمفتاح»!

فبينما يساهم ساحل أنطاليا بما يقرب من 20 مليار دولار سنوياً فى دخل تركيا القومي، تجد ساحلنا الشمالى يستنزف موارد المصريين، محدثاً فقاعة فى أسعار الوحدات السكنية ومواد البناء، دونما أدنى مساهمة فى الدخل القومي. وأقسم بالله، قسماً أنا مسئول عنه أمامه، أن السائحين المتوافدين بهذه الأعداد على ساحل أنطاليا، لا تجد منهم من يبتل جسده بمياهه، مكتفين باستخدام حمامات السباحة، نظراً لأن الشواطئ صخرية، ومياه البحر داكنة تكاد تكون سوداء، بالرغم من أنها سواحل ذات البحر الأبيض المتوسط، التى أنعم الله علينا فيها بساحل شمالى مصري، تبهر عينيك نعومة رماله الناصعة، وتخلب عقلك زرقة مياهه الصافية، التى لم تتلوث بمياه الصرف الصحي.

أتعلم، عزيزى القارئ، لماذا يتخذ السائح، خاصة الأوروبي، من ساحل أنطاليا وجهة له، وليس الساحل الشمالي؟ الإجابة ببساطة أن ساحل أنطاليا خُطط وصُمم، من البداية، ليكون وجهة سياحية عالمية، فاتحدت الجهود لتنفيذ تلك الرؤية عن طريق تشييد عدد من القرى السياحية، المُجهزة بالفنادق والوحدات المُعدة للإيجار، وتم ربط تلك القرى بطريق حر، يشبه ذلك الذى تنفذه القوات المسلحة المصرية حالياً. ولم تكتف الحكومة التركية بذلك، بل وفرت للسائحين الفرصة للاستمتاع بإجازاتهم السنوية من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمنت عائداً أكبر من هذه السياحة الوافدة إليها، عن طريق الرواج الاقتصادي، فأنشأت مناطق تجارية بين القرى السياحية، أغلبها فى الظهير الجبلي، بها العديد من المحال مثل الفضة، والسجاد، والألماس، وملابس التراث التركي، ثم محال الطعام، المصممة بحيث توفر للسائح تجربة متكاملة، قد يقضى فيها يوماً أو أيام اكاملة. فمثلاً يدخل مبنى الفضة، فيشهد فى الدور الأرضى ورش تصنيع الحلي، بمختلف أنواعه، وفى الأدوار الأعلى يجد صالات عرض المنتجات الفضية الجاهزة للبيع، والكتالوجات الخاصة بالمحال لاختيار أى تصميم منها، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل قد يطلب السائح تصميماً خاصاً به، فيتم تصنيعه له، وإرساله إلى محل إقامته، سواء فى أثناء أجازته فى تركيا، أو حتى بعدها فى موطنه. ونفس الشيء بالنسبة للملابس التركية، والسجاد التركى الأشهر فى العالم، مثل السجاد الهيركا، أو حتى فى الألماس، الذى يسيطر على صناعته وتجارته الأرمن. ولضمان استمتاع السائح، يتخلل تلك المبانى محال الأطعمة التركية الشهيرة مثل الدونير، والمسقعة والضُلمة، ليقضى يومه براحة وانسيابية. يضاف إلى الرؤية الشاملة، خصائص الشعب التركى المعروف بالانضباط، والنظافة، والإخلاص، والتفانى فى العمل، بل والإبداع فيه، فتجدهم يتقنون لغات الدول التى يفد منها السياح إليهم، خاصة الدول الإسكندنافية، مما عزز من وجود ساحل أنطاليا على خريطة السياحة العالمية.

واليوم، وبعدما قضيت أجازة عيد الأضحى المبارك فى إحدى قرى الساحل الشمالى... وجدتني، وبالرغم من المتعة الشخصية مع أفراد عائلتي، قد أصابتنى حالة من الضيق وأنا أنظر حولى فأجد أجمل سواحل فى الدنيا... وأصفى مياه... تتخللها خلجان هادئة لا تعلوها موجة واحدة... وأعلم أننى محاط بمطارات جاهزة للتطوير لاستقبال أكثر من 10 ملايين سائح سنوياً، سواء مطار برج العرب، أو العلمين، أو مطار مطروح، وحتى مطار سيدى براني، ومع ذلك لا أرى سائحاً واحداً حولي، ولا حتى فى القرى المجاورة، بالرغم من تفوقنا على تركيا فى روعة السواحل، وفى جودة الصناعات اليدوية.

ما أطرحه الآن، وبعد أن امتدت هذه المبانى الخرسانية من الإسكندرية إلى مطروح، هل من الممكن ان ننقذ الجزء المتبقى من الساحل الشمالي، الواقع بين مطروح ومدينة السلوم، بأن نضع له خطة شاملة تنتج عنها ثورة سياحية جديدة على أجمل سواحل البحر المتوسط إطلاقاً؟ خاصة أن لدينا كل المقومات التى تتفوق على تركيا بالمقارنة المباشرة، خاصة فى فصل الشتاء الذى يتم فيه إغلاق ساحل أنطاليا بالكامل لمدة تزيد على ثمانية أشهر، بينما نتمتع فى مصر بجو صحو لمدة تزيد على ثمانية أشهر طوال العام! أعلم يقيناً، أنه قد صدر قرار، من قبل، من رئيس مجلس الوزراء بمنع إقامة منتجعات سكانية جديدة على الشريط الساحلى بعد الكيلو 100، أى بعد مارينا، ولكن يبدو أنه تم الالتفاف حول هذا القرار حتى وصلت المنتجعات إلى ما نحن عليه الآن. أقول هذا وكلى أمل فى إنقاذ الجزء المتبقى من الساحل الشمالى ليكون داعماً للاقتصاد المصري، بدلاً من أن يكون أداة استهلاك له... وكفى لنا ما شيدناه حتى الآن من وحدات خرسانية فى إمبراطورية الساحل الشمالي. قد يكون هذا نداء إلى السيد رئيس مجلس الوزراء، واللواء/ أمير سيد أحمد ... أو لمن يهمه الأمر!.



Email: sfarag.media@outlook.com