العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وكان من أغرب المفارقات، أن أتلقى ثلاث مكالمات، من ثلاث جهات مختلفة، يطلب كل منها إنتاج تلك القصة فى مسلسل تليفزيوني، والأغرب أن تختار الجهات الثلاث، اسماً واحداً للعمل الدرامي، دون اتفاق مسبق، وهو «الجحود».

الحقيقة .. أنا فى حيرة
 

لواء د. سمير فرج

 5 إبريل 2018


تناولت فى مقالى الماضي، يوم الخميس 29 مارس، تحت عنوان «ومشيت فى الجنازة وحيداً»، قصة حقيقية، عن سيدة عظيمة، رحمها الله، ساعدتني، وأنا مدير للشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، لمدة سبع سنوات، فى رعاية أسر الشهداء من المجندين ... قدمت خلالها من الأموال، والرعاية لهذه الأسر ما لا يتخيله بشر، وبعد سنين تركها أولادها فى دار لرعاية المسنين، بلا أنيس، وهى تملك من المال الكثير، ولكن أبناءها الذين أعطتهم كل شيء فى الحياة تنكروا لها، ولم يشارك فى جنازتها سوى العبد لله.

لقد كتبت هذا الموضوع، ولم أكن أتوقع، أبداً، أن ينال كل هذا الاهتمام من أبناء الشعب المصرى ... فقد انتشر المقال على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وتناوله روادها بالمشاركة، وتلقيت عليه الآلاف من التعليقات، منذ نشره يوم الخميس الماضي، وحتى بعدها بأيام، ليس من مصر فقط، وإنما من بعض الدول العربية، أو من المقيمين فى أمريكا وأوروبا. ونشر أحد أندية مصر الجديدة العريقة، ذلك المقال، على الصفحة الخاصة بالنادى على شبكة الإنترنت. وتلقيت عددا من الاتصالات الهاتفية، من شخصيات مرموقة، يشكون لى قصصا مشابهة، عن عدم تواصل أبنائهم معهم. وهناك من طلب مكان قبر هذه السيدة العظيمة، رحمة الله عليها، لزيارتها. وهناك كم طالبنى بنشر أسماء الأبناء، وهناك من طلب عناوينهم وأرقام هواتفهم، إلا أننى رفضت كل ذلك، لما فيه تعد على خصوصياتهم، من ناحية، ولأن هذه السيدة، قد توفاها الله، وفى قلبها كل الحب لهم، رغم ما فعلوه بها، بل وكانت تلتمس لهم الأعذار، لانشغالهم عنها بأعمالهم، قائلة إن سعادتها فى نجاحهم ... فرفضت بشدة الإفصاح عن أى معلومات قد تزعج هذه السيدة العظيمة حتى فى وفاتها. وكان من أغرب المفارقات، أن أتلقى ثلاث مكالمات، من ثلاث جهات مختلفة، يطلب كل منها إنتاج تلك القصة فى مسلسل تليفزيوني، والأغرب أن تختار الجهات الثلاث، اسماً واحداً للعمل الدرامي، دون اتفاق مسبق، وهو «الجحود».

أقسم بالله إن الرسائل التى وصلتنى على هاتفي، أو بالبريد الإلكتروني، قد تجاوزت عدة آلاف، حتى إننى لجأت لأبنائى لمعاونتى فى الرد عليها ... وبعد أن هدأت الأحداث، كان لابد أن أخلو بنفسى لأحلل ما حدث؛ فأنا بطبيعتى لا أدع الأمور تمر على علاتها، وإنما أميل إلى تحليلها والاستفادة من دروسها، فتذكرت منذ أكثر من عامين، بقليل، عندما اتصل بى رئيس تحرير الأهرام، طالباً أن أكون أحد كتاب الأعمدة الأسبوعية بالأهرام، وهو ما كنت متردداً فى قبوله من صحف أخري، إلا أنه أمام عراقة الأهرام، وتاريخها، وافقت على الفور، واخترت يوم الخميس موعداً لمقالي، وليس أهرام الجمعة. وجلست بعض الوقت مع نفسى لأقرر ماذا سأكتب، وفى أى المجالات؛ فجميع الصحف تطالعنا يومياً بالعشرات، بل بالمئات، من المقالات، والبعض منها دون المستوي، ولا أحب أن أكون ضيفاً ثقيلاً على القارئ، أو أن يكون مقالى كأى من تلك المقالات التى لا تجذب انتباه القارئ.

ثم اخترت أن أكتب فى الموضوعات الإستراتيجية، التى توضح مفاهيم الأمن القومي، على ألا أخاطب بمقالاتى ذوى التخصص فقط، وإنما قررت الكتابة بأسلوب مبسط، يوضح المعنى ويقربه للقارئ غير المتخصص. وبالفعل بدأت كتاباتى عن موضوعات دوائر الأمن القومى عامة، ولمصر خاصة، بغية أن يعى المواطن العادي، ما يدور حوله فى المنطقة، وكيف تتخذ الدولة قراراتها الإستراتيجية. وقد حققت هذه المقالات الغرض منها، واستقبلها الناس باستحسان، وهو ما استطعت قياسه بردود الأفعال سواء من المفكرين الإستراتيجيين، أو من المواطنين العاديين.

وفى أحد الأيام، كنت أقص لأحد الأصدقاء، موقفا شخصيا لى مع الرئيس الليبى الراحل معمر القذافي، فاقترح صديقى أن أسرد تلك القصة فى مقالى الأسبوعى بالأهرام، فترددت قليلاً، لما فى ذلك من تحول عن المجال الذى اخترته سلفاً، لمقالاتي. إلا أنني، وبعد استشارة عدد من الأصدقاء والمقربين، كتبت عن ذلك الموقف، يوم 24 مارس 2016، تحت عنوان «القذافى ... وأنا»، ولا أنكر أننى فوجئت بالاستقبال الرائع لهذا المقال، حتى إن الجالية الليبية فى مصر، قد عقدت لقاء فى اليوم التالي، حضره أكثر من ألف شخص، لمناقشة ذلك المقال، الذى لخص فكر القذافى فى هذه الحادثة. ومنذ ذلك التاريخ، توالت الكتابة الاجتماعية، فكتبت مقالاً، فى نوفمبر الماضي، بعنوان «حفيدتى الكبري»، تناولت فيه اجتماع العائلة، يوم الجمعة، لاتخاذ القرار بشأن سفر حفيدتى فرح، لألمانيا، لاستكمال دراستها، وقلقى عليها وهى فى سن السابعة عشرة. ولاقى هذا المقال، كذلك، ردود فعل عريضة، حتى إننى كنت أتناول العشاء فى أحد المطاعم يوماً، فتقدمت نحوى سيدة كبيرة، وسألتنى «ماذا حدث لحفيدتك فرح ... لم تحكى لنا هل سافرت أم لا؟»، فأخبرتها بأنها سافرت، وتدرس الآن فى أعرق جامعات ألمانيا، فأضافت بأن لها حفيدة تمر بنفس الظروف، وأرادت أن تستنير بقرار عائلتي. وكان من مقالاتي، ذلك الذى كتبته عن العميد صلاح فهمي، الرجل الذى يعود لمجهوده الفضل، فى تحديد يوم العبور فى حرب أكتوبر 73، رغم أن أحداً كثيراً لا يعرفه.

والآن أجد نفسى فى حيرة ... ماذا أكتب ... هل استمر فى الكتابة عن الموضوعات الإستراتيجية، لما أحسبه فيها من نفع لعموم المواطنين؟ أم أتناول الموضوعات الإنسانية، ولى فيها الكثير، لما فيها من جوانب تمس حياة الجميع؟ لقد حقق نوعا المقالات شعبية كبيرة، والحمد لله، ولقيا تقديراً كبيراً من الجميع، لما فيهما من موضوعات علمية، وجوانب إنسانية ... واليوم أجدنى فى حيرة ... ماذا أكتب؟



Email: sfarag.media@outlook.com