العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فجميع الشباب ينتقد، والكل غير راض، ووجدت الجامعة أن أنسب وسيلة للاقتراب لهؤلاء الشباب، هو المنهج الغير المباشر، بتعريفهم على آداء الحكومة وإنجازات الإدارة المصرية، ولكن ليس بالمحاضرات المباشرة.

يوم فى الجامعة
 

لواء د. سمير فرج

 1 يونيو 2018


أنا من عشاق المفكر الاستراتيجي البريطاني ليدل هارت، أحد أعظم وأبرع المفكرين العسكريين في التاريخ الحديث، قدم للعلم العسكري عدداً من النظريات والمفاهيم العسكرية، كان من أهمها نظرية الاقتراب الغير مباشر، (The Indirect Approach)، والتي تعتمد على أن الوصول لتحقيق هدفك، لا يستلزم بالضرورة مهاجمة مباشرة، ولكن هناك اتجاهات وطرق مختلفة، من شأنها الوصول إلى تحقيق هذا الهدف.

وعسكرياً، نفذ هتلر، بالفعل، هذا الفكر في الحرب العالمية الثانية، عندما شن هجومه على فرنسا، التي كانت قد أنشأت أكبر وأقوى خط دفاعي في التاريخ، على حدودها مع ألمانيا، وهو “خط ماجينو”. فتحايل هتلر على الوضع القائم، بالالتفاف عليه من خلال غابات الأردين ببلجيكا، ووصلت القوات الألمانية إلى باريس، وأسقطت فرنسا في ستة أيام، دون أن تلمس خط ماجينو.

وقد اعتمدت هذا الأسلوب في حياتي، العسكرية والمدنية، وطبقته في الأسبوع الماضي، عندما تلقيت دعوة من السيدة الدكتورة نوال الدجوي، رئيس مجلس أمناء جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، لحضور احتفال طلبة كلية الإعلام وكلية الإدارة، بإنجاز مشروع عن الحملات الإعلامية والدعائية، للتعرف على ما أنجزته مصر خلال الأربع سنوات الماضية، وتشرفت بمشاركة السيد الأستاذ مكرم محمد أحمد والنائب مصطفى بكري في ذات اللقاء. والواقع أن هذه التجربة، أثبتت لإدارة الجامعة وجود فاصل بين الشباب وإنجازات الحكومة المصرية.

فجميع الشباب ينتقد، والكل غير راض، ووجدت الجامعة أن أنسب وسيلة للاقتراب لهؤلاء الشباب، هو المنهج الغير المباشر، بتعريفهم على آداء الحكومة وإنجازات الإدارة المصرية، ولكن ليس بالمحاضرات المباشرة. ومن هنا جاءت فكرة الاحتفال، الذي نفذته ببراعة الدكتورة أميمة زعزوع، والدكتورة إبتسام الجندي، عميدة كلية الإعلام بالجامعة، عندما قرارا أن يكون مشروع نهاية العام، هو أن يخصص لكل طالب دراسة أحد المشروعات العملاقة التي نفذتها الدولة مثل القضاء على فيروس سي، والقضاء على العشوائيات، ومشاريع البنية الأساسية كالطرق والكباري، وغير ذلك من المشروعات. وتدور الفكرة حول أن يقّيم كل طالب مشروع ما، ويقدمه لباقي زملاءه في صورة برنامج إعلامي أو إعلاني، شارحاً أبعاد المشروع، ومفنداً لإيجابياته وسلبياته، بل ويعرض الخطة الإعلامية والدعائية لهذا المشروع.

وجلسنا جميعاً نراقب نجاح التجربة، التي سمحت لكل طالب أن يقترب من المشروعات بموضوعية، ويستوعبها، بما جعله قادراً على عرضها، بصورة مبسطة على بقية زملاءه، متيحاً لهم فرصة للنقاش المفتوح، التي يستطيع خلالها الطالب، صاحب المشروع، أن يرد على جميع استفساراتهم، بعدما تعمق في تفاصيل ذلك المشروع .

وبعد انتهاء الحلقة، تناقشت مع الشباب، لأستطلع آراءهم، فأجمعوا على عدم فهمهم الدقيق لمشروعات الدولة، قبل ذلك اليوم، وأنهم كانوا ينظرون إليها بنظرة سطحية، وكانوا ينساقون في بعض الأحيان وراء آراء تبنوها في منصات التواصل الاجتماعي، من غير ذوي التخصص. وأضاف بعضهم أن الإعلام المباشر، جعل الكثير منهم يعارض تلك المشروعات، حتى قبل أن يفهموها، لكن اليوم، وبعد هذا العرض الموضوعي، من زملائهم، تغير الوضع تماماً بين طلبة هاتين الكليتينز

لا أريد ان أقدم الشكر للدكتورة نوال الدجوي، أو ماما نوال، كما تحب أن يُطلق عليها، على هذا الصرح التعليمي الرائع، الذي تشعر فيه، منذ الوهلة الأولى، أنك في أحد الجامعات الأوروبية، ولكن أقول أنه رغم فخامة مباني هذه الجامعة وكلياتها، إلا أن عظمتها الحقيقية تكمن في الفكر الجديد المتطور لإدارتها وأعضاء هيئة التدريس بها، في قدرتهم على احتواء شباب مصر، وهو ما يجب أن نقدم جميعاً الشكر عليه. أيها السادة … إن التعليم ليس كتاباً وامتحاناً، لكنه رسالة لتربية الشباب المصري، والعمل على غرس القيم العليا في نفوسهم، على طريقة ليدل هارث.

شكراً إلى المربية الفاضلة، الدكتورة نوال الدجوي، وإلى الدكتورة أميمة زعزوع، والدكتورة ابتسام الجندي، على هذه الدعوة الكريمة، التي شرُفت فيها بزيارة جامعة أكتوبر، فلقد كان يوماً في الجامعة في حب الوطن، وانتهز هذه الفرصة لأدعو كل جامعات مصر، لتحمل مسئولياتهم نحو شباب مصر، ليس فقط من خلال الكتاب والمحاضرة والامتحان، ولكن بالأنشطة التي تعلم الطالب الكثير من دروس الحياة. أدعو دعوتي تلك ونحن على مشارف الأجازة الصيفية، التي لا يجب أن تنقطع خلالها صلة الطالب بجامعته، وإنما يجب استغلالها فيما يجذبه إليها من أنشطة سواء داخل الجامعات أو في معسكرات صيفية، يتم خلالها تعريف الشباب، في مختلف المراحل العمرية، بما يتم من إنجازات على أرض الواقع، خاصة أنني أذكر أحد اللقاءات التي جمعتني والدكتورة الفاضلة لميس جابر، بطلاب أحد الجامعات الخاصة، بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، وكان السؤال المتكرر على ألسنتهم “مصر رايحة فين؟؟”

أرجو أن تعمم تجربة جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب على باقي الجامعات المصرية، سواء العامة أو الخاصة، لتتضح الرؤية أمام شباب مصر المتعطش لإجابات موضوعية.



Email: sfarag.media@outlook.com