العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لم يكن حفيدي، أحمد، من نام مهموماً ومقهوراً، فى تلك الليلة، بل كان ذلك حال جميع المصريين، وليس، فقط، عاشقى كرة القدم منهم. فتلك المصيبة الكروية ستظل نقطة سوداء فى تاريخ مصر الرياضى على مر الزمان.

ليلة بكى فيها حفيدى
 

لواء د. سمير فرج

 28 يونيو 2018


لم يكد الحكم الكولومبى يطلق صفارة نهاية مباراة مصر والسعودية، فى كأس العالم، إلا وعم الحزن والغضب على كل المصريين. سجلنا ليلة، أخري، سوداء فى تاريخ الرياضة المصرية عامة، وكرة القدم خاصة.

بعدها بدقائق تلقيت مكالمة هاتفية من ابنتى تقول لى إن ابنها الصغير، أحمد، قد دخل فى نوبة شديدة من البكاء حتى أنها، ووالده، عاجزان عن تهدئته، ولا يردد سوى «مصر اتغلبت يا ماما». مرت نصف ساعة، قبل أن تهاتفنى مرة أخري، وهى تصرخ «بابا الواد هيروح منى ... بيعيط متواصل لحد دلوقت»، وفتحت خاصية الفيديو على التليفون المحمول، فرأيت حفيدي، ذا الأعوام التسعة، منهاراً تماماً ولا يكف عن البكاء والنحيب. استمر الوضع يزداد سوءاً، حتى اتصلت ابنتى بطبيب، جار لها، فتفضل مشكوراً، بالحضور على الفور، وأعطى الطفل حقنة مهدئة، ونام حفيدى الحبيب، بعد ساعة ونصف ساعة من البكاء الهستيرى... لأن «مصر اتغلبت يا ماما»... وحمدنا الله على رحمة الله، سبحانه وتعالي، ولطفه بنا.

لم يكن حفيدي، أحمد، من نام مهموماً ومقهوراً، فى تلك الليلة، بل كان ذلك حال جميع المصريين، وليس، فقط، عاشقى كرة القدم منهم. فتلك المصيبة الكروية ستظل نقطة سوداء فى تاريخ مصر الرياضى على مر الزمان. وأتوقع أن نرى السيناريو المعتاد، الذى بدأت سطوره الأولى تُنسج على مدى اليومين الماضيين، بأن يقوم البرلمان بتقديم استجواب لوزير الشباب والرياضة، للوقوف على أسباب الهزيمة والصورة المخزية التى ظهر بها المنتخب المصرى لكرة القدم، فى أهم حدث رياضى على مستوى العالم... وستسارع برامج التوك شو، كل ليلة، فى استضافة كل مدعى الخبرة، لتحليل ذات الهزيمة... وستتبارى الأقلام الرياضية، وغير الرياضية، فى سرد مقالات تعبر عن وجهات نظر أصحابها... وسيتقدم عدد، لا بأس به، من المحامين برفع القضايا ضد اتحاد الكرة، بشأن «صفر روسيا»، وللتحقق من صحة ما تداولته وسائل الإعلام عن المجاملات فى سفر الاتحاد، ومن سافر ومن تم منعه، فلجأ للتهديد بفضح الاتحاد، فإذا به يسافر، فلا نعلم لم مُنع، ولم سافر. وللتحقق من بيع تذاكر المباريات الخاصة بأسر اللاعبين فى السوق السوداء، وأسباب إقامة المنتخب الوطنى فى الشيشان، وحقيقة سفر الفنانين، وإقامتهم فى مقر إقامة المنتخب، على نفقة إحدى الشركات المملوكة جزئياً للدولة، وما الجدوى التسويقية أو المالية من سفر هؤلاء الفنانين، فى ظل ما تحققه تلك الشركة من خسائر. وسيخرج علينا الأخ علاء الأسواني، وغيره، لإلقاء اللوم على سياسة الدولة، والتى كانت سبباً فى الهزيمة.

وبينما تظل كل تلك التساؤلات مشروعة، وتستلزم الشفافية فى الرد عليها، ومحاسبة جميع المسئولين عن تلك الفضيحة، إلا أنها تظل سيناريو متكررا، فى كل أزمة تمر بها مصر، ومعظم دول العالم العربي، إن لم يكن جميعها.

تذكرت مقالاً مطولاً كتبته فى جريدة الأهرام، بتاريخ 15 ديسمبر 2017، تحت عنوان «كيف تم اتخاذ قرار القدس فى البيت الأبيض؟»، تخيلت فيه كواليس ليلة اتخاذ الرئيس ترامب قراره نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس، حيث صورت الرئيس الأمريكى جالساً فى مكتبه البيضاوي، فى البيت الأبيض، ومعه وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية، آنذاك، ريكس تيلرسون، ورئيس أركان الجيش الأمريكى جو دانفورد، ورئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA مايك بومبيو، الذى أصبح وزيراً للخارجية حالياً، ومستشار الرئيس للأمن القومى هيربرت ماكمستر، وبالطبع، بحضور نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، صورت الرئيس ترامب يعرض القرار على الحاضرين، فاعترض بشدة وزير الخارجية، آنذاك، تيلرسون، قائلاً بأن حساب رد فعل العالم العربي، بشأن مثل ذلك القرار، لا يمكن إغفاله، فرد الرئيس ترامب قائلاً «يا عزيزى أنت تفهم فى البترول فقط، ولكنى سأطلعك على رد الفعل المنتظر»، ووجه الكلمة لمستشار الأمن القومي، الذى توقع أن معظم الحكومات العربية ستدين ذلك القرار، وسيتظاهر البعض من شعوبها ضده، وستتصدر الإدانة جميع مانشيتات الصحف العربية، وستتناوله جميع برامج التوك شو العربية للتنديد بالولايات المتحدة، ومساندتها لإسرائيل. أما فى داخل غزة والقطاع فستبدأ المظاهرات والهتافات وحرق العلم الإسرائيلي، وقصف جنود إسرائيل بالحجارة، وهو ما اعتادت إسرائيل التعامل معه، وإذا تجرأت أى جهة بإطلاق صواريخها على المستعمرات الإسرائيلية، فإن الرد الإسرائيلى سيكون قاسياً، مؤكداً أن كل ذلك لن يطول لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير، فالدول العربية لا تحتاج لأطول من تلك المدة لتفريغ شحنات الاحتجاج والنقد، وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها.

تذكرت ذلك المقال فى الصباح، بينما أطمئن على حال حفيدى الصغير، أحمد، وتساءلت إن كان أحمد قد نام بفعل المهدئ، فمن يعطى ملايين المصريين حقن التهدئة؟ وأتنبأ، ولا أتمني، أن ينتهى النقاش حول تلك الفضيحة، فى غضون ثلاثة أسابيع، دون حساب حقيقي، والاكتفاء بتسليم كبش فداء. بل وسوف ننساها تماماً بنهاية شهر يوليو، لنبدأ فى مناقشة مباريات الدورى القادمة بجمهور أو دون جمهور، ونناقش تنقلات اللاعبين الذين أصابوا مصر بالعار، وقصة النادى الذى اشتراه رجل الأعمال السعودي، لتعود الحياة إلى طبيعتها فى بلدنا الحبيب.

لكنى تعلمت ألا أدع حفيدى يشاهد مباراة لمنتخب مصر مرة أخري، لأن دموعه أثمن ممن ألحقوا العار بمصر فى هذه المباريات .. لك الله يا مصر.



Email: sfarag.media@outlook.com