العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولأشكره على ما لمسته من انضباط، وعلى ما رأيته من تنفيذ دءوب لتوجيهات الرئيس السيسي، الصادرة فى صورة تعليمات الفريق أول محمد زكي، وزير الدفاع، بتسخير إمكانات مستشفيات القوات المسلحة، للشعب المصري، لتقليل قوائم انتظار المرضى.

منظومة انضباط
 

لواء د. سمير فرج

 16 أغسطس 2018


قادتنى الظروف، هذا الأسبوع، للذهاب لمستشفى المعادى العسكري، فاستعدت ذكريات موقف حدث به منذ سنوات بعيدة، ومازالت تفاصيله محفورة بالذاكرة. كنت أحضر تدريبا لوحدات المهندسين، على عمليات العبور، فى منطقة حلوان، فى نهر النيل، وطلب منى رئيس الأركان، حينها، الفريق مجدى حتاتة، أن نقوم بمرور مفاجئ على مستشفى المعادى العسكري، وهو أحد إجراءات القوات المسلحة المميزة لها، الذى يهدف إلى التعرف على المواقف على طبيعتها، دونما تجميل.

توجهنا، بالفعل، إلى المستشفى، ودخلنا من بوابته الجانبية، مباشرة إلى منطقة العيادات، ومررنا فى طرقات العيادات، حتى قبل أن يتم إبلاغ مدير المستشفى بوجودنا، وكان فى الحقيقة، منضبطا ومنظما. ووصلنا إلى إحدى الطرقات، فوجدنا ما يزيد على 200 مريض، من العسكريين والمدنيين، بدا من زى العديد منهم، أنهم قادمون من الأرياف. كان المكان مزدحما بهم للغاية، على خلاف باقى عيادات المستشفى، وبالسؤال عن السبب، علمنا أن تلك عيادة الدكتور محمد توفيق.

عندما لاحظ المرضى وجود شخصية قيادية، اندفعوا نحو الفريق حتاتة، قائلين انهم يحضرون يومياً، على مدى الأسبوع، فى انتظار الكشف بعيادة الدكتور محمد توفيق، الذى كان قد خرج لتحية الفريق مجدى حتاتة، وبسؤاله عن سبب ذلك التكدس، أفاد بأنه يواصل عمله يومياً من التاسعة صباحاً، وحتى الخامسة مساء، ومع ذلك لا يكفى الوقت لاستقبال الحالات اليومية. فطلب منه الفريق حتاتة، ألا يغادر اليوم قبل إنهاء الكشف على جميع الحالات المدنية، مع إعطاء الأولوية للوافدين من الأقاليم، وتأجيل الحالات العسكرية، إلى صباح اليوم التالي، إلا الحرجة منها.

كان ذلك أول لقاء لي، بهذا الطبيب المتميز فى مجال جراحة المخ والأعصاب، على مستوى العالم، وتوالت اللقاءات والمناسبات التى جمعتنا، حتى اتصل بى يوماً، وأنا محافظ للأقصر، ليبلغنى أنه وقع الاختيار على مصر لتستضيف، ولأول مرة، مؤتمراً دولياً لجراحى المخ والأعصاب، وهو حدث جلل، يشارك فيه كوكبة من أشهر جراحى العالم، يصل عددهم إلى 500 جراح، مضيفاً أنه بعد الإعلان عن مقر انعقاد تلك الدورة فى الأقصر، ارتفع عدد المشاركين إلى 1500 طبيب من مختلف أرجاء العالم، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قرروا اصطحاب عائلتهم، ليصل العدد إلى 3500 ضيف.

بذلت، وجميع العاملين بالمحافظة، جهداً كبيراً لاستضافة هذا المؤتمر العالمي، على مدى أربعة أيام، ولإظهار الأقصر بالصورة التى تستحقها. حرصت خلالها على أن يستمتع زائروها بتجربة فريدة، تبقى عالقة بوجدانهم، يتحاكون عنها عند العودة إلى بلادهم. واصلنا الليل بالنهار، فى العمل، حتى تظهر مصر بصورتها المشرفة، وليحظى المشاركون بمزايا لا يجدونها فى أى بقعة من بقاع الأرض، سوى الأقصر. وضعنا برنامجاً سياحياً للعائلات المرافقة، استأذنت فيه السيد زاهى حواس، لفتح مقبرة نفرتاري، أروع مقابر العالم، بالمجان، والتى يصل سعر التذكرة فيها إلى عشرة آلاف دولار للمجموعة، فكانت خير دعاية لمصر.

وانعقد حفل الختام فى ساحة معبدالأقصر، لتتناقله وسائل الإعلام الأجنبية، والمجلات العلمية الموثقة، مصحوباً بتعليق ما لا يصدقه عقل. وعلى قدر ما كان التقرير العلمى بالأبحاث الجديدة التى قدمها كبار علماء جراحة المخ والأعصاب رائعاً، كانت الإشادة بالأقصر أكبر وأروع. وكان تكريم رواد جراحة المخ والأعصاب فى العالم، جزءا من برنامج الحفل الختامي، الذى شاركت فيه بصفتى محافظاً للأقصر، وكان من أوائل المكرمين، العالم المصرى الدكتور سيد الجندى، الأب الروحى لجراحة المخ والأعصاب فى مصر، وأول من أسس قسماً لها بمستشفى المعادى العسكري، فى خمسينيات القرن الماضي. كنت أسمع وأقرأ كثيراً عن هذا الرجل، ونبوغه، واليوم أراه، وقد أوهنه الزمن، وتلميذه النجيب، الدكتور محمد توفيق، يمسك بيده ليعينه على التوجه لمنصة التكريم، فنزلت إليه على الفور، وخلفى رئيس المؤتمر، وسلمناه درع التكريم وسط ابنائه، وتلامذته. وشعرت بالفخر وأنا أسمع التصفيق الحار، لأكثر من خمس دقائق متواصلة، لهذا العالم الجليل، الذى أثرى بعلمه، ذلك المجال الدقيق، على مستوى العالم.

وفى هذا الأسبوع، وانا أدخل مستشفى المعادى العسكري، رأيت اسم الراحل العظيم، الدكتور سيد الجندى، على باب القسم، وفاء من القوات المسلحة لإسهاماته فى مجاله عامة، وفى تلك المستشفى خاصة. ورأيت، كذلك، عدداً من الأطباء، ملتفين حول الدكتور محمد توفيق، يتدربون على يديه، وعندما استرجعت معه أحداث مؤتمر الأقصر، قال لي: لقد مكثت تحت يدى الدكتور جنينة 20 عاماً، أتعلم منه، والآن أرد الجميل لمصر ولقواتنا المسلحة. قالها بكل بساطة وتواضع، بالرغم من كونه حجة فى مجاله، يستشهد بعلمه كبار جراحى المخ والأعصاب فى العالم. وأذكر عندما مرض حفيد الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، تم، على الفور، استدعاء الدكتور محمد توفيق، الذى قام بجميع الإجراءات اللازمة، وفى صباح اليوم التالي، أرسل العاهل السعودي، طاقما كاملا من أشهر جراحى المخ والأعصاب بفرنسا، على متن طائرة خاصة، فلم يجدوا ما يضيفونه بعد الدكتور محمد توفيق، وغادروا بعد وصولهم بسويعات.

أكرر دائماً أن مصر بخير، بفضل رجالها الأوفياء من العلماء والمفكرين والباحثين، والمخلصين فى عملهم من أمثال الدكتور محمود الهلالي، مدير مستشفى المعادى العسكري، الذى لم يفتنى المرور عليه، فى أثناء زيارتي، لأحييه، ولأشكره على ما لمسته من انضباط، وعلى ما رأيته من تنفيذ دءوب لتوجيهات الرئيس السيسي، الصادرة فى صورة تعليمات الفريق أول محمد زكي، وزير الدفاع، بتسخير إمكانات مستشفيات القوات المسلحة، للشعب المصري، لتقليل قوائم انتظار المرضى ... فظلت تلك المستشفيات مثالاً يحتذى به فى الانضباط العلمى والإداري.



Email: sfarag.media@outlook.com