العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولقد ساهمت بحوث العمليات، في عهد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت ماكنمارا، في تحديد أنسب الأسلحة والمعدات المطلوب استخدامها لتدمير ومهاجمة هدف محدد.

التكنولوجيا الجديدة.. وأسلوبها في اتخاذ القرار
 

لواء د. سمير فرج

 25 أغسطس 2018


يتطور العالم من حولنا كل يوم، بل وكل دقيقة، في كافة المجالات، ويتصدر التطور الإلكتروني تلك المجالات، ليكون الأسرع بين كل الاتجاهات والعناصر الأخرى. وبنظرة على مجال المعلومات، فقد أصبح الجميع لا ينتظرون القنوات التليفزيونية العالمية، مثل قناة CNN، لتنقل لهم أخبار ومعلومات العالم لحظة بلحظة، بعدما تغير الزمان، خلال أعوام قليلة نسبياً، لتصبح قناة CNN، هي من ينتظر، صباح كل يوم، تغريدة الرئيس ترامب، لتعرف منها، وتنقل لنا ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، بل والعالم كله.

لقد صار الرئيس الأمريكي ترامب، هو مصدر المعلومات، وأصبحت المحطات الإخبارية مجرد ناقل لأخباره، بل أن المشتركين في تغريدات الرئيس ترامب، تصلهم المعلومة، ويتفاعلون معها، قبل CNN، وقنوات الأخبار الأخرى. والسؤال هنا، هل كان أحد يتوقع أو يصدق أن تتغير خريطة المعلومات، في يوم من الأيام، على هذا النحو، وأن تكون التكنولوجيا الحديثة سبباً في إتاحة المعلومة، لأي مواطن حول العالم، ليستقبلها، ويتعرف عليها، بالتزامن مع توقيت حصول الوكالات الإخبارية العالمية عليها؟ وكمثال على تلقي الأخبار والمعلومات من مصدرها مباشرة، فقد صرت أنا شخصياً، أضبط هاتفي الخاص على الساعة الثانية والنصف ظهراً بتوقيت القاهرة، أي الثامنة والنصف صباحاً بتوقيت العاصمة الأمريكية واشنطن، وهو الوقت الذي اعتاد فيه الرئيس ترامب نشر تغريداته الجديدة كل يوم، على منصة التواصل الاجتماعي “تويتر”.

كما يوفر التطور التكنولوجي، كافة المعلومات والبيانات، عن أي موضوع، في أي وقت، وفي لمح البصر، وبدأ الاستغناء عن الأرشيفات الكلاسيكية، التي تغوص فيها مع مئات وآلاف الأوراق والمستندات. ويبرز أيضاً دور تجميع هذه البيانات والدلالات من خلال الحاسبات الآلية، بناءً على النظم الداخلية للأجهزة، أو ما يسمى “سوفت وير”، وبعد ذلك يأتي دور تحليل هذه البيانات بالاستعانة بالعامل البشري. وعلى الرغم من التطور الذي طال مجالات السوفت وير والتطبيقات الإلكترونية، في محاولة لتحليل البيانات المخزنة داخل الحاسب الآلي، مثل عمليات المقارنة الرقمية، وعمليات دراسة الأرض في ميدان المعركة، وكذلك دراسة الطبقات الجوية، خاصة عند تحليل عمل الصواريخ والمقذوفات بعيدة المدى، إلا أن كل ذلك يستلزم اللمسة الأخيرة للعامل البشري، التي لم يتم الاستغناء عنها بعد.

وطبقاً للعقيدة القتالية الغربية، المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف الناتو، فإن تقدير الموقف، قبل وضع خطة العمليات، يعتمد على العديد من المعلومات الدقيقة التي ينجح الحاسب الآلي، حالياً، من تجميعها، وترتيبها، ووضع المقارنات العددية، والرقمية، ولكن تظل اللمسة الأخيرة للعامل البشري، عندما يقدم ضابط العمليات إلى قائده الحلول المقترحة للخطة، والبدائل المختلفة لها، مع عرض مميزات وعيوب مختلف البدائل، معلناً انتهاء دور الحاسب الآلي، وبدء دور ضابط العمليات في عرض الحلول محدداً مميزاتها وعيوبها ثم يقدم التوصية، إلى القائد، بأنسب الحلول. وهذا بالطبع خارج إمكانات الحاسب الآلي.

ولقد ساهمت بحوث العمليات، في عهد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت ماكنمارا، في تحديد أنسب الأسلحة والمعدات المطلوب استخدامها لتدمير ومهاجمة هدف محدد، وممكن للحاسب الآلي أن يقدم الرأي، والمقترح للقائد، الذي يقدم مقترحات عديدة منها سهولة تدمير الهدف ومكانه والدفاعات التي تؤمن هذا الهدف، ثم ينتقل إلى أسلوب المهاجمة، وليكن نوعية الطائرة، هل هي من القاذفات أو القاذفات المقاتلة، وهل مطلوب استخدام طائرة قديمة أوشك عمرها الافتراضي على الانتهاء، حيث يدخل في الحسابات، لأنه في حال تدميرها ستكون الخسارة كبيرة. وهل يدخل عامل الدفاعات المعادية، ونوعيتها، في الاختيار؟ وهل يدخل سعر الطائرة في الاختيار، فالطائرة الأرخص القادرة على تأدية المهمة، أفضل من الطائرة الباهظة الثمن. وقد يدخل عامل آخر وهو طاقم الطائرة، فالطائرة ذات الطيار الواحد، تؤدي العمل أفضل من الطائرة التي يزيد طاقمها عن ثلاثة أفراد، بهدف تقليل الخسائر في حالة فشل المهمة.

وهكذا نجد أن التكنولوجيا الحديثة لها دور في بعض حسابات خطة العمليات، من حيث نوعية السلاح، أو دراسة طبيعة الأرض بالتفصيل، وهو ما تعجز العين المجردة، في بعض الأحيان، عن كشفه لمسافات بعيدة. أما اليوم فإن الحاسبات الجديدة بتطوير قدراتها في دراسة الأرض بأسلوب ثلاثية الأبعاد، توفر للطيار معلومات لتحديد ارتفاعه عن سطح الأرض، أثناء الاقتراب من الأهداف، لتجنب الدفاعات المضادة للطائرات، ولتجنب الرادارات المعادية.

وبالنسبة للصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، فإن التكنولوجيا الحديثة، توفر للمستخدم، حالياً، صور ومعلومات عن شكل وطبيعة الأرض، التي قد تسمح باستخدام هذه المقذوفات الموجهة، وتلك التي قد تعوق استخدامها، بما يمكن صانع القرار، من إصدار قراره بعدم استخدام الصواريخ في هذا الاتجاه. كذلك حققت التكنولوجيا الجديدة أسلوب التحرك في الصحراء، والتي كانت أحد أكبر المشكلات، أيام الحربين العالميتين، الأولى والثانية، خاصة في المناطق الصحراوية المفتوحة، مثل الصحراء الغربية في مصر، والصحراء الليبية، ومنطقة الخليج، فأصبح نظام Global Positioning System (GPS)، المتعارف عليه باسم “نظام التموضع العالمي”، أعظم اختراع قدمته التكنولوجيا الحديثة، للقادة المقاتلين في المناطق الصحراوية المفتوحة، والتي كانت، في يوم من الأيام، سبباً في تيه واحداً من أعظم قادة التاريخ العسكري، وهو “روميل”، في الصحراء الغربية. وهكذا فإن التكنولوجيا تقدم، كل يوم، الجديد للفكر العسكري، الذي يتطلع إلى المزيد والمزيد، للارتقاء بمستوى الأداء العسكري.



Email: sfarag.media@outlook.com