العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومع أنها كانت حلقة طويلة، إنما فاتت دون أن نحس بالوقت، ولم يكن أيامها قد وصلنا إلى اختراع تسجيل الفيديو، فلم نتمكن من إعادة مشاهدتها. ولكننا بدأنا على الفور نتساءل من هذا الرجل؟ بيشتغل إيه؟ بيدرس فين فى إنجلترا؟

لقاء بعد 43 عاما
 

لواء د. سمير فرج

 25 أكتوبر 2018


السيد الدكتور اللواء أركان حرب/ سمير فرج المحترم

تحية طيبة وبعد،،،

أود أولا أن أشكركم على حسن استضافتكم لي، والأستاذ الدكتور علاء عون، بمكتبكم صباح اليوم، وعلى ما أتحتموه لنا من وقتكم الثمين.

تذكرت أول مرة أسمع عنكم فيها، وكان ذلك فى سنة 1975، وكنت وقتها أدرس الدكتوراه فى الهندسة، بإنجلترا، فى جامعة لندن، London University، وإذا بإعلانات متكررة على محطة (BBC1)، أن برنامج بانوراما، الشهير، والذى يذاع يوم الأحد، من كل أسبوع، ويتابعه الشعب البريطاني، باهتمام لما له من وزن، ومصداقية، وحيادية، إلى حد كبير، سوف يستضيف، ولأول مرة، مناظرة بين شاب مصري، يدرس بأعظم الكليات العسكرية فى بريطانيا، والجنرال الإسرائيلى شارون، عن حرب أكتوبر، وذلك على الهواء مباشرة.بمنتهى الصراحة، وضعنا أيدينا على قلوبنا، فهذا شاب صغير السن، يقابله جنرال عتيد بالجيش الإسرائيلي، (وكنا قد عرفنا عنه أيام أكتوبر 1973، بأنه جنرال الثغرة، الذى تلقى علقة، هو وقواته، ألحقت بهم أكبر خسائرهم فى الحرب، وإن كان الإعلام الإنجليزي، المنحاز عامة لإسرائيل، قد غطى هذه الثغرة من منظور إسرائيلي، ولم نعرف حقيقتها إلا من الخطابات التى كانت تصلنا من أهلنا فى مصر)، ولكن هذا جنرال ذو خبرة، ومتمكن من اللغة الإنجليزية، ويسانده جزء كبير من الميديا البريطانية، لما لإسرائيل من سيطرة كبيرة عليها، والله أعلم محضرين لنا إيه! ومع ذلك كان عندنا شعور، رجونا الله أن يكون صحيحا، أن هذا الشاب لابد وأنه يجيد الإنجليزية، كما أنه، بحكم دراسته العسكرية العليا ببريطانيا، لابد أنه نابه جدا، وعلى أي حال لن تسمح قواتنا المسلحة بتعرضه لهذا الموقف، لو لم تثق بأن معلوماته غزيرة عن الحرب، وأنه قادر على مجابهة هذا الموقف. كما أن مقدم البرنامج، هو الإعلامى البريطاني، واسع الشهرة، إيدجار آلن، المعروف بجديته، وبأنه شخص محترم، ومحايد إلى حد كبير، وعلى العموم ربنا يسترها معانا.

كنت حينها سكرتيراً لاتحاد الطلاب المصريين، وأعرف الكثير من الطلبة المصريين الذين يدرسون فى لندن، وخارجها، فقررنا حجز قاعة فى لليان بنسون هول، وهو أحد أبنية السكن الجامعى بجامعة لندن، وبه قاعتان، بكل منهما تليفزيون ملون (وكان عجبة فى وقتها)، يمكن حجز أى منهما مقابل سعر رمزي. اجتمع عدد كبير من المصريين، وجاء أغلبهم قبل الميعاد، وجلسنا بالقاعة، وأنفاسنا محبوسة، ولا نعرف كيف ستسير هذه المناظرة، الأولى من نوعها، والمهمة جدا لنا، ولكل عربى فى الغربة، فبعدها، ولوقت طويل، إما سيرفع كل منا رأسه عالياً، أما سيبتعد حزينا. بدأت المناظرة... وإذا بشاب مصرى وسيم، عليه مظاهر الجدية، والثقة بالنفس، وما إن بدأ فى الكلام، حتى سرى الدم فى عروقنا، وبدأنا نبتسم. وإذا بهذا الشاب، رابط الجأش، غير القابل للاستفزاز، الواثق من نفسه، يتكلم بهدوء، وبالمنطق الغربى الدقيق، بلغة إنجليزية سليمة، وواضحة، ويعطى الضربات (المعنوية طبعا) للجنرال المتعجرف، وإذا بالجنرال العتيد يُستفز، ويفقد النقاط، الواحدة وراء الأخرى. ووضح للجميع أننا «ماشيين كويس أوي»، ونظرت ورائي، فإذا بالمصريين، من فرط انفعالهم، يتركون مقاعدهم، ويقتربون من التليفزيون، كأن ذلك سيجعلهم يشاهدون أكثر. وبدا وكأننا نشاهد ماتش كورة بين فريق مصري، وفريق نكرهه، ومع كل لعبة حلوة لفريقك، والمكون من فرد واحد فى هذه الحالة، تسمع الهتاف، والتصفيق. أصبح من الواضح أن سمير بك، (هكذا سميناه... فلم نعرف من هو، أو ما هى رتبته)، كسب المناظرة تماما، Hands Down، كما يقول الإنجليز، وأخرج شارون عن شعوره، واستفزه فى أكثر من موقف، وبلغة البوكس كسبه بالقاضية. وفى تعليقات الصحف الإنجليزية، الصادرة بعد المناظرة، ما يؤيد كلامنا، يعنى مش إحنا بس، كمصريين، اللى شفنا هذا الرأي.

ومع أنها كانت حلقة طويلة، إنما فاتت دون أن نحس بالوقت، ولم يكن أيامها قد وصلنا إلى اختراع تسجيل الفيديو، فلم نتمكن من إعادة مشاهدتها. ولكننا بدأنا على الفور نتساءل من هذا الرجل؟ بيشتغل إيه؟ بيدرس فين فى إنجلترا؟ محدش من الطلبة شافه ليه؟ وبدأ الإفتاء؛ ده قنصل مصر فى باريس، لا لا ده أصغر سفير مصرى لباريس، وجاء هنا من أجل المناظرة، لأن لغته الإنجليزية ممتازة... وهكذا. طيب يا جماعة بكرة نروح نستفهم من السفارة، أو المركز الثقافى المصري. طيب شفت الحتة اللى قال فيها كذا أو كذا، طيب شفت شكل شارون بقى عامل إزاي؟؟ ده خد علقة تانية. الله ينور عليه سمير بك، رفع راسنا لفوق والله. لم نستدل من السفارة المصرية، عمن هو سمير بك، ورجعت لمصر، وبعدها بسنوات سطع نجم الدكتور سمير فرج، كمحافظ، غير تقليدي، للأقصر، له أفكار لامعة، وقدرة واضحة على اتخاذ القرار، وجعل الأقصر تشرفنا أمام السواح. ثم بدأنا نراه فى البرامج التليفزيونية، وفى كل مرة نعجب بترتيب الأفكار، وطريقة الإلقاء، والأدب الجم فى الحوار. وأصبح اسمه علامة مسجلة، يشاهده الكل بإعجاب، سواء المثقف، أو حتى الإنسان البسيط، والملاحظ، أن كثيرا من سيدات البيوت يتابعن برامجه، ومنهن السيدة زوجتي.

وفى تعليقى مع الدكتور علاء عون، على أحد البرامج، التى ظهر فيها الدكتور سمير فرج، لا أعرف ماذا دعاني، أن أطلب من الدكتور علاء، عندما عرفت أنه يعرفه شخصياً، أن يسأله إن كان هو من ناظر شارون على قناة BBC؟ فاستفهم الدكتور علاء، وأخبرنى بأنه هو، سمير بك، فأصريت أن يسمح لى بمقابلته، لأحضنه، معرباً عن امتناني، وامتنان كل الدارسين فى إنجلترا، فى ذلك الوقت، على رفعه رؤسنا، وروحنا المعنوية، وإن جاء هذا الشكر متأخرا 43 سنة.

مع خالص تحياتى وتمنياتي، لسيادتكم بدوام الصحة وطول العمر، لتستمر فى خدمة وطننا العزيز، بهذه الكفاءة العالية، والهمة الفريدة، والفكر المنظم، فى كل موقع تختاره.

الدكتور مهندس/ هانى عبداللطيف علما
رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب
بمجموعة شركات إيجيبت لحليج الأقطان.



Email: sfarag.media@outlook.com