العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أذكر هذه القصة، الآن، ليس لمحاسبة أحد على ما صار في طوكيو، من حيث ضآلة عدد، ونوعية، الميداليات التي حصدتها دولة بحجم مصر، بالنسبة لعدد سكانها، الذي فاق 100 مليون مواطن، ولا لأحمل أحد المسؤولية.

صناعة البطل
 

لواء د. سمير فرج

 12 أغسطس 2021


تابعت، ومثلي الملايين من أبناء الشعب المصري، دورة الألعاب الأوليمبية، في طوكيو، باليابان، ورأينا حصاد أبناء النيل لستة ميداليات؛ واحدة ذهبية، وواحدة فضية وأربع برونزيات، ورأينا كفاحهم للحصول على ميداليات إضافية، سواء فريق كرة القدم، الذي خسر بهدف وحيد أمام منتخب البرازيل، الذي حصل على اللقب، أو فريق كرة اليد، الذي نال احترام الشعب المصري كله، وهو يخسر بشرف أمام إسبانيا، فعبر السيد الرئيس عما دار في قلوب المصريين بكلماته “أعتز بكم وبأدائكم المتميز”. واليوم، وبعدما اختتمت الدورة فعالياتها، يستحق الأمر أن نقف، جميعاً، لنستعد، بالطرق العلمية، للدورة القادمة.

وهنا أتذكر، ما سردته في مقال سابق، عندما تم تكليفي، وأنا رئيساً لدار الأوبرا المصرية، برعاية موهبة غنائية، وكيف لجأت، حينها، للمنهج العلمي، في تنفيذ مهمتي، فبدأت أولى خطواتي بالاتصال برئيس الجامعة الأمريكية، بالقاهرة، مستأذناً في زيارة، فورية، لمكتبة الجامعة… وما هي إلا دقائق، حتى كانت السيدة مارجريت، مديرة المكتبة، تستقبلني بترحاب شديد، وسألتني عن نوعية الكتب أو المراجع التي أبحث عنها، فأجبتها برغبتي في الاطلاع على ما يتعلق برعاية المواهب. وليكون بحثها أكثر تحديداً، فقد سألتني عما إذا كانت هذه المواهب موجودة بالفعل، أم أنني أبحث عن كيفية إيجاد مواهب جديدة، فشرحت لها أن الموهبة موجودة، بالفعل، والمطلوب رعايتها، وتنميتها، والحفاظ عليها، حتى تصير نجماً.

فتوجهت إلى أحد رفوف المكتبة، العملاقة، بميدان التحرير، والتقطت أحد الكتب، وعادت إليّ به، وكان لكاتب ألماني، وعنوانه “ ? How to Make a Star ”، أو “ كيف تصنع نجماً؟ “، فأمسكت به أتصفحه، للتأكد من أنه يفي بغرضي، ووجدته يحتوي على مقدمة، وخمس فصول. بدأت في قراءة المقدمة، للتعرف منها على الكتاب، فوجدتها تحكي عن إفاقة ألمانيا، في الساعة الخامسة من مساء أحد أيام شهر يوليو من عام 1985، على خبر تتناوله جميع وسائل الإعلام العالمية، يخص أحد أبناءها، ويدعى “بوريس بيكر”، الذي فاز ببطولة ويمبلدون العالمية للتنس، ويتسلم، الآن، جائزته من مندوب جلالة ملكة بريطانيا، ليصبح بذلك أصغر بطل يحمل لقب هذه البطولة، إذ كان عمره، حينئذ، سبعة عشر عاماً.

ذكر الكاتب، في مقدمة كتابه، أنه في تمام الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم، أي بعد ساعتين من إذاعة خبر فوز بوريس بيكر باللقب العالمي، انعقد مجلس الوزراء الألماني، ليناقش هذا الحدث، باعتبارها المرة الأولى التي يفوز فيها لاعب ألماني بهذا اللقب، لواحدة من أهم، وأعرق بطولات التنس العالمية، وخرج مجلس الوزراء بقراره بتشكيل لجنة وطنية لرعاية هذا اللاعب الصغير، تكون مهمتها، الوحيدة، هي العمل على تنمية موهبته الرياضية، وضمان تألقه. على أن تبدأ هذه اللجنة عملها فوراً، اعتباراً من صباح اليوم التالي، بالتواجد في مقر إقامة اللاعب في العاصمة البريطانية، لندن.

تشكلت اللجنة من خمسة أعضاء، هم طبيب نفسي لضمان اتزانه النفسي، ومسئول إعلامي لتدريبه على التعامل مع مختلف وسائل الإعلام، ومسئول آخر مهمته الحفاظ على مظهر اللاعب وأناقته، وآخر لتعليمه قواعد الأتيكيت والبروتوكول، وأخيراً، مدرب تنس محترف. وبالفعل، في صباح اليوم التالي، وبينما بوريس بيكر يتناول إفطاره، في مقر إقامته في لندن، وصل أعضاء اللجنة الوطنية الألمانية، ليعرفوه بأنفسهم، ولتبدأ مهمتهم منذ تلك اللحظة.

أما الفصول الخمس، من الكتاب، فتناولت التجربة التي مر بها كل عضو من أعضاء اللجنة، في المهمة الموكلة إليه مع هذه الموهبة الشابة… كان أكثر ما جذبني فيها، تلك التجربة الخاصة بالطبيب النفسي، التي روى فيها صعوبة مهمته … من ضبط السلوك والاتزان الانفعالي، لمراهق في سن السابعة عشر، وجد نفسه، بين عشية وضحاها، محاطاً بالمعجبين والمعجبات من كل أنحاء العالم، واسمه وصورته يتصدران جميع وسائل الإعلام العالمية، فضلاً عن اهتمام ملوك ورؤساء العديد من دول العالم به، ولقاءاته معهم. وقد وثق هذا الطبيب النفسي تجربته في بحث علمي، ونال عنه جائزة كبرى في أحد المؤتمرات العلمية. اقرأ أيضا.. لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: أفغانستان إلى أين؟

أذكر هذه القصة، الآن، ليس لمحاسبة أحد على ما صار في طوكيو، من حيث ضآلة عدد، ونوعية، الميداليات التي حصدتها دولة بحجم مصر، بالنسبة لعدد سكانها، الذي فاق 100 مليون مواطن، ولا لأحمل أحد المسؤولية، ولكنني أذكرها لأؤكد على ضرورة أن نبدأ، من اليوم، في الاستعداد للدورة القادمة، فالمسؤولية كبيرة، ومتشعبة بين عدد من الجهات، بدءاً من الرياضة في المدارس، التي اختفت تماماً، رغم أنها أول طريق اكتشاف المواهب. فلازلت أحفظ في ذاكرتي تفاصيل أيامي الدراسية في مدرسة بورسعيد الثانوية، التي مارست على ملاعبها رياضة الهوكي، وتفوقت فيها على يد مدرسيها، حتى انضممت، وأنا في السنة الثالثة، للمنتخب المصري للناشئين.

كما أذكر تعليمات السيد المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق، بإنشاء المدارس الرياضية، لرعاية الموهوبين، والتي بدأها في صعيد مصر. ولا يقل دور الجامعات في رعاية المواهب الرياضية، عن دور المدارس، وكذلك الأندية الرياضية، التي اعتدنا أن يخرج، من بعضها، مواهب فذة، في رياضات بعينها، قبل أن تبدأ تلك الظاهرة في الانحسار. أما مراكز الشباب، بشتى المحافظات، فيجب أن تضطلع بمهمتها الأساسية في اكتشاف المواهب الرياضية، وتأهيلهم للانضمام للاتحادات الرياضية، المنوطة بوضع خطط النهوض بالألعاب النوعية، لتتولى اللجنة الأوليمبية، ووزارة الشباب والرياضة، مسئولياتها في النهوض بالرياضة المصرية. وأقترح أن يتولى السيد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، باعتباره رياضي قديم، مسؤولية تشكيل “لجنة إعداد البطل الأوليمبي”، للدورة القادمة، ولنا لقاء في مقال قادم.



Email: sfarag.media@outlook.com