العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومع تولى الرئيس، الحالى، جو بايدن، أعلن رغبة الولايات المتحدة فى العودة للاتفاق السابق، لمنع إيران من إنتاج السلاح النووى إلاأن إيران أعلنت عدم عودتها للاتفاق، إلا بعد رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من الولايات المتحدة الأمريكية.

العالم إلى أين 2022.. أمريكا وإيران (3)
 

لواء د. سمير فرج

 13 يناير 2022


اليوم نستكمل الرؤية التحليلية لتوقعات أحداث عام 2022، من حيث الصراعات والتوترات المنتظرة. فسبق أن استعرضنا، فى المقالين السابقين، سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع كل من الصين وروسيا، واليوم نستكمل تحليلاتنا، برؤية مستقبلية عن سياسة الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل... وعندما نبدأ بإيران، نؤكد معاداة المجتمع الدولى لها، نتيجة إصرارها على امتلاك السلاح النووى، بتخصيب اليورانيوم، لإنتاج قنبلتها النووية،وهو ما تصدت له جميع الدول، حتى أخضعت إيران لتوقيع اتفاق 5+1، فى عام 2015، الذى يمنعها من إنتاج القنبلة النووية، إلاأنه بوصول الرئيس الأمريكى، السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، اتخذ قراراً بانسحاب بلاده من هذه الاتفاقية، بل وأعاد فرض عقوباته الاقتصادية على إيران. وتذرعاً بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، قررت إيران اعتبار ذلك الاتفاق لاغيا، واستأنفت نشاطها فى تخصيب اليورانيوم، وعطلت عمل وكالة الطاقة النووية فى مراقبة النشاط النووى الإيرانى.

ومع تولى الرئيس، الحالى، جو بايدن، أعلن رغبة الولايات المتحدة فى العودة للاتفاق السابق، لمنع إيران من إنتاج السلاح النووى إلاأن إيران أعلنت عدم عودتها للاتفاق، إلا بعد رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من الولايات المتحدة الأمريكية، والإفراج عن كل الأرصدة الإيرانية الموجودة فى الخارج. وبدأت المفاوضات تتعثر، مرة أخرى، فى فيينا، أمام تمسك إيران برفع العقوبات، مقابل إصرار الولايات المتحدة على توقيع إيران الاتفاق أولاً. وقد يبدو ذلك هو المشكلة الرئيسية، بين إيران والولايات المتحدة، إلا أن الحقيقة تنطوى على تفاصيل إضافية، أهمها تصميم الولايات المتحدة على إضافة بنود جديدة للاتفاق، قبل توقيعه، منها تقليص قدرة إيران على تطوير الصواريخ الباليستية، خاصة أن الصواريخ الإيرانية تمتلك، حالياً، القدرة على الوصول لليونان، على الحدود الجنوبية لأوروبا، وفى حالة زيادة قدرة ومدى صواريخها الباليستية، فستتمكن من تهديد أوروبا بالكامل، وهو ما ترفضه، بالطبع، الولايات المتحدة، وكل الدول الأوروبية.

أما المشكلة الثالثة، فتتمثل فى البند الجديد، الذى تفرضه الولايات المتحدة، على إيران، فى الاتفاق الجديد، والقاضى بضرورة إيقاف أنشطتها فى المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بدعم حزب الله، كإحدى أذرعها العسكرية، سواء فى قطاع غزة، بدعم حركة حماس، لتهديد إسرائيل، أو فى لبنان، بالسيطرة على مفاصل الدولة، وما لذلك من انعكاسات مباشرة على أمن واستقرار إسرائيل، وهو ما يشكل أولوية قصوى للولايات المتحدة، فى المنطقة. فضلاً عن ميليشيات حزب الله الموالية لإيران فى سوريا، وميليشيات الحشد فى العراق، التى مازالت تهدد أمن العراق، بل وتهدد الوجود الأمريكى العسكرى فى العراق. يضاف إليهم الذراع الإيرانية الرابعة فى المنطقة، وهى عناصر الحوثيين، التى تسيطر على اليمن، وأصبحت تهدد السعودية، يوميا، بالصواريخ والطائرات المسيرة دون طيار، بل وأصبحت تهدد الملاحة فى مضيق باب المندب.

ومع امتداد نفوذ تلك الميليشيات الإيرانية، وتهديدها لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، تصر الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها، على ضرورة توقف إيران عن دعم هذه العناصر بالكامل، وهو الصراع الذى انضمت إليه دول مجلس التعاون الخليجى، تترأسهم المملكة العربية السعودية، التى تصر على ضرورة وجود دول مجلس التعاون الخليجى، فى مباحثات فيينا، باعتبارها مسألة أمن قومى لدول الخليج، يستلزم أن يكون لممثليهم رأى مباشر فى الاتفاق المقرر إبرامه مع إيران، وتصويباً للوضع السابق، عندما لم تنضم دول مجلس التعاون الخليجى للاتفاق السابق. وفى المقابل تصر إيران على قصر مباحثات فيينا على السلاح النووى، فقط، وترفض رفضاً تاماً مناقشة البنود الإضافية، التى تفرضها الولايات المتحدة، سواء تطوير الصواريخ الباليستية، أو دعم الميليشيات التابعة لحزب الله، وللحشد الشعبى، والحوثيين، وحماس، باعتباره، من وجهة نظرها، شأنا داخليا، لا علاقة له بالقوى النووية الإيرانية. ومن وجهة النظر الاستراتيجية، فإن تعثر مفاوضات فيينا يرجع لرغبة إيران فى كسب مزيد من الوقت، للوصول إلى أقصى نتائج فى عمليات تخصيب اليورانيوم، لتعزيز موقفها فى المفاوضات، وتحسباً لتلك الاحتمالية، فقد أعلن البيت الأبيض، أن مفاوضات فيينا قد تكون الفرصة الأخيرة لإيران لحل الأمر من خلال التفاوض، خاصة أن الرئيس جو بايدن قد كلف مجلس الأمن القومى بوضع خيارات بديلة، فى حال فشل مفاوضات فيينا.

وارتباطا بالسلاح النووى الإيرانى، وما يمثله من تهديد لأمن إسرائيل، فإنه قد يجرف المنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية، فى ظل استمرار التصريحات الإسرائيلية بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووى، الأمر الذى وصل للتهديد باستخدام قوتها العسكرية لتدمير المنشآت النووية فى إيران، وهو ما سبق أن منعه الرئيس الأمريكى الأسبق، أوباما. إلا أن إسرائيل تلوح، حالياً، بقرب شن ضربة وقائية ضد إيران، وتحاول قبلها، أن تضمن مساندة الولايات المتحدة لها، حال القيام بعمل عسكرى، فى ظل تشابك الموقف، فلن يقتصر الرد عليها من إيران، بل ستواجه إسرائيل، حينها، جبهات عدة، إذ ستستخدم إيران أذرعتها فى المنطقة، فى كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة.

والحقيقة أن الأمر معقد، وتتشابك فيه الخيوط، وتختلط فيه المصالح.... وسنراقب فى الأيام القليلة المقبلة، من العام الجديد، مدى قدرة مفاوضات فيينا على كبح جماح إيران النووى، والسيطرة على إمكاناتها من الصواريخ الباليستية، ومنعها من دعم أذرعها القتالية فى المنطقة... وحينها سيجمعنا مقال جديد، بإذن الله، نستعرض خلاله تحليلا لما ستصل إليه نتائج المباحثات.



Email: sfarag.media@outlook.com