العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولقد شهدت كازاخستان منذ أوائل يناير الحالى مظاهرات حاشدة، رافقتها أعمال عنف واسعة، بسبب الاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى.

الصراع فى كازاخستان وأوكرانيا.. إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 14 يناير 2022


كازاخستان هى دولة أوراسيا، أى تقع بين أوروبا وآسيا، وهى أكبر دولة غير ساحلية فى العالم، وتاسع أكبر دولة فى العالم من حيث المساحة، ومن أقوى الدول الاقتصادية فى دول الاتحاد السوفيتى السابقة، حيث تأتى أهميتها الاقتصادية بسبب صناعة النفط والغاز الطبيعى ووفرة مواردها المعدنية وخاصة اليورانيوم، ويبلغ تعدادها 18 مليون نسمة، وكانت من قبل جزءًا من الاتحاد السوفيتى، حيث نالت استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، والإسلام هو دين 70% من السكان والباقى من المسيحيين.

ولقد شهدت كازاخستان منذ أوائل يناير الحالى مظاهرات حاشدة، رافقتها أعمال عنف واسعة، بسبب الاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى، وأدت أعمال العنف والاشتباكات إلى مقتل عشرات الأفراد وإصابة الآلاف واعتقال المئات فى صفوف المحتجين وقوات الأمن.. وإزاء هذه التطورات، أعلن رئيس كازاخستان إقالة الحكومة وفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال ليلًا وحظر التجمعات الجماهيرية، وتعهدت الحكومة برد صادم على الاحتجاجات، كما وجه رسميًا دعوة إلى منظمة الأمن الجماعى التى تمثل تحالفًا عسكريًا يضم دولًا سوفيتية سابقة هى: روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيرستان وطاجيكستان وأوزبكستان لإرسال عناصر من قواتها فى مهمة لحفظ السلام فى البلاد.

وعلى الفور، قامت روسيا بتلبية طلب رئيس كازاخستان، حيث أرسلت تعزيزات عسكرية فى وقت تمر فيه العلاقات الروسية- الأمريكية بأحرج مرحلة منذ انتهاء الحرب الباردة قبل أكثر من 30 عامًا، بسبب ما يحدث فى أوكرانيا.

والحقيقة أن ما يحدث فى كازاخستان حاليًا يشبه ما حدث فى بيلاروسيا قبل عامين، عندما احتجت المعارضة على نتائج الانتخابات، وكان الدعم الروسى حاسمًا فى بقاء الرئيس لوكاشينكو، حيث كان بوتين يرى أن الغرب يهدف إلى انتزاع بيلاروسيا من المحور الروسى لكى تنضم الى أوكرانيا، وتليها جورجيا.. ولقد اتفقت روسيا والصين على ضرورة دعم النظام فى كازاخستان، وضرورة إعادة النظام الدستورى فى البلاد، لذلك أعلنت وزارة الخارجية الصينية أنها على استعداد فى حدود قدراتها لتقديم المساعدة إلى كازاخستان، لاستعادة الهدوء والتنمية الاقتصادية وتحسين حال البلاد.. ولم توضح الصين نوع المساعدة إلى كازاخستان، وهل هى مستعدة لإرسال قوات حفظ السلام إلى هناك إذا لزم الأمر؟!.

وخلال قمة افتراضية لمجلس منظمة معاهدة الأمن الجماعى الأسبوع الماضى بشأن أزمة كازاخستان، وجه الرئيس بوتين رسالة للغرب عن وجود قوى داخلية وخارجية مدمرة استغلت تظاهرات كازاخستان الدولة السابقة فى الاتحاد السوفيتى لمحاولة إيقاع البلاد فى دوامة من الفوضى. وأكد بوتين أن قوات حفظ السلام بقيادة موسكو والتابعة للمنظمة ستنسحب بعد انتهاء مهمتها، وأن تواجدها كان بطلب القيادة الكازاخية. وأضاف بوتين أن الإرهاب العالمى استهدف كازاخستان.

وبالطبع هذا التصريح أكد للجميع أن روسيا بتدخلها بالقوات العسكرية تريد ضمان مصالحها الاستراتيجية مع جارتها كازاخستان، الدولة الحبيسة عن البحار، حيث النفط والغاز اللذان تشتريهما روسيا وتعيد تصديرهما للعالم.. وتركز روسيا على ضرورة استمرار تبعية كازاخستان لها، حيث توجد قاعدة بايكو نور الفضائية الروسية هناك، حيث استأجرتها موسكو مقابل 7 مليارات روبل روسى سنويًا حتى عام 2050، وتعتبرها روسية خالصة داخل كازاخستان.. كذلك تهدف روسيا من ذلك التدخل فى كازاخستان إلى تأمين خطوط النفط والغاز، وكذلك تخوفها من أن تمتد مثل هذه المظاهرات والفوضى إلى دول سابقة للاتحاد السوفيتى مازالت فى حضن الدب الروسى، مثل قيرغيرستان وطاجيكستان وأوزباكستان وتركمنستان، خاصة أن تجربة ما حدث فى أوكرانيا ليست بالبعيدة بعد أن اندفعت إلى طلب الانضمام إلى حلف الناتو لتبتعد تمامًا عن التحالف مع روسيا.

وعلى الصعيد الآخر، قال وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن إن واشنطن تسعى للحصول على توضيح من كبار المسؤولين الكازاخستانيين بشأن تدخل روسيا فى الاضطرابات الداخلية فى البلاد، كما أنه أدان أمر إطلاق النار بهدف القتل. وأضاف بلينكن: ثمة درس من التاريخ الحديث أنه ما إن يدخل الروس بلدًا ما، فإن إخراجهم سيكون أمرًا بالغ الصعوبة.. بعدها انتقدت وزارة الخارجية الروسية هذه التصريحات.. وهكذا اشتعلت الأوضاع فى المنطقة، خاصة بين روسيا من جانب وبين الولايات المتحدة وحلف الناتو من جانب آخر. تصاعدت هذه الأحداث مع ما يحدث فى الوقت الحالى فى أوكرانيا التى يسعى الجميع فيها إلى خفض التصعيد عقب الحشود الروسية على حدودها، حيث تطلب روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلنطى وقف تقدم الحلف الغربى شرقًا، وطلب ضمانات بعدم نشر الولايات المتحدة والأطلسى قوات وصواريخ فى الجمهوريات السوفيتية السابقة، حيث يؤكد الكرملين أن تكون هذه الضمانات خطية وموثقة، وأيضًا أكدت موسكو (أنها لا تسمح لواشنطن) بقبول أوكرانيا ضمن قوات حلف الناتو.

وتؤكد معظم التحليلات أن الولايات المتحدة لن توافق على هذه المطالب الروسية، إلا أنه من المؤكد أن الولايات المتحدة لن توافق على ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلنطى فى الوقت الحالى، حيث تؤكد روسيا أنه بوصول هذه الضمانات لن تقوم بغزو أوكرانيا.

وهذا ما أعلنه وزير الخارجية الروسية مؤخرًا من أنه ليس هناك أى نية لغزو روسى محتمل لأوكرانيا، ورغم ذلك، أعلن جو بايدن أنه فى حالة غزو روسيا لأوكرانيا، فإن عقوبات اقتصادية شديدة سيتم فرضها على موسكو، وبالتالى ستصبح ضربة سوف تشل الاقتصاد الروسى مستقبلًا وتؤدى إلى إثارة متاعب داخلية للرئيس بوتين داخل البلاد، لذلك فإن الأحداث سوف تشتعل حاليًا فى المنطقة، وأعادت للأذهان الحرب الباردة فى القرن الماضى، خاصة أن روسيا متأكدة تمامًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب فى أى حروب فى الفترة القادمة، سواء فى أوروبا أو حتى ضد إيران فى الشرق الأوسط، حيث إن السياسة الأمريكية تعتمد فى الفترة القادمة على حل المشاكل من خلال القنوات الدبلوماسية.

وفى حالة عدم الوصول إلى حلول للمشكلة، فإن الولايات المتحدة تعتمد على فرض العقوبات الاقتصادية مثلما حدث مع روسيا عندما احتلت شبه جزيرة القرم، وضد إيران عندما بدأت فى تخصيب اليورانيوم.. كذلك تتبنى دول حلف الناتو هذا المفهوم، حيث لا ترغب أى من هذه الدول فى الدخول فى حروب قادمة فى المنطقة، وأيضًا تدعم فكر الولايات المتحدة فى فرض عقوبات اقتصادية على الأطراف التى لا تستجيب للحلول السياسية.

ومازلنا ننتظر ما سوف تظهره لنا الأيام القادمة فى ظل هذا الصراع الذى ظهر وتنامى مع بدء العام الجديد.



Email: sfarag.media@outlook.com