العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبعدها استكملت بسنت حميده عدوها، ولكن فى تلك المرة، باتجاه زوجها، ومدربها، الواقف خلف الموانع الحديدية، يشجعها ويؤازرها.

أنا عايزة علم ..

 

لواء د. سمير فرج

 7 يوليو 2022


ما كادت تصل إلى خط النهاية، لمسابقة100 مترعدو، وتتيقن من حصولها على ذهبية دورة ألعاب البحر المتوسط، الُمقامة فى الجزائر، وسط تصفيق وتشجيع الجمهور، خاصة الأشقاء الجزائريين، حتى انطلقت، العداءة المصرية الرائعة، بسنت حميدة، تصرخ أنا عايزة علم... أنا عايزة علم مصر... فى مشهد، شعرت معه، ككل مواطن مصرى، بالفخر والعزة بهذه الابنة المصرية الوطنية، التى لم تفكر فى شيء إلا فى علم بلادها، لتلتف به، ولترفعه عالياً بعدما حققت، لمصر، نصراً غالياً، فى مجال ألعاب القوى... فهل هناك دليل على الوطنية أكثر من هذا التصرف العفوى النابع من القلب؟!! الله عليك يا بنت مصر.

وبعدها استكملت بسنت حميده عدوها، ولكن فى تلك المرة، باتجاه زوجها، ومدربها، الواقف خلف الموانع الحديدية، يشجعها ويؤازرها، لتمسك بيده وتقبلها، قبل أن تصعد لمنصة التتويج، لتسلم الميدالية الذهبية، مع عزف السلام الوطنى المصرى، الذى شهدناها تردد كلماته بحماس. والحقيقة أن تلك المشاهد الثلاثة، التى أسعدت ملايين المصريين، والعرب، إن دلت فإنما تدل على الإخلاص، والعرفان بالجميل، لوطنها الغالى، ولزوجها العظيم، ولعائلتها الرياضية، التى بدا جلياً أنها لم تُورّثها جينات حب الرياضة، فحسب، وإنما زرعت فيها حب الوطن، والفخر بالانتماء له.

ولما تابعت حواراتها على شاشات التليفزيون، التى حكت فيها بداياتها من نادى الجيش، بالإسكندرية، تذكرت رحلتى مع السيد المشير طنطاوى، رحمه الله، للإسكندرية، لافتتاح المركز الرياضى الأوليمبى العسكرى، الذى أقامته قواتنا المسلحة، وأصبح اسمه نادى الجيش، وتذكرت كلمات المشير طنطاوى، حينها، لقائد المنطقة الشمالية العسكرية، وهو يقول المركز ده عملناه عشان نخرج أبطال مصر... دى مهمته الأساسية. ومع هذا المركز أنشأنا المدرسة الثانوية الرياضية، فى المنيا لتخرج لنا أبطالا من صعيد مصر، واليوم، والمشير طنطاوى فى رحاب العلى القدير، أظنه سعيدا بتحقق أمنيته، بتخرج بسنت حميده فى نادى الجيش بالإسكندرية، وحصولها على الميدالية الذهبية لمصر.

كما استعدت ذكريات إحدى تجاربى، فاسمحوا لى أن أحكيها لكم، بإيجاز، علّ فيها بعضا من الإفادة، متمنياً على الأخ العزيز، الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة، ألا يقتصر دور الوزارة على تكريم بسنت، ومنحها مكافأة كبيرة. فعندما كنت رئيساً لدار الأوبرا، تلقيت اتصالاً من الرئيس الراحل حسنى مبارك، ليبلغنى أنه استمع إلى صوت جديد، طالباً بأن تتبنى دار الأوبرا تلك الموهبة الصاعدة. وفور أن وضعت سماعة الهاتف، بدأت التفكير فى كيفية التعامل الأمثل مع هذا الموضوع، مؤمناً بضرورة اتباع منهج علمى فيه. فكانت أولى خطواتى مكالمة لرئيس الجامعة الأمريكية، بالقاهرة، مستأذناً فى زيارة، فورية، لمكتبة الجامعة. وهناك قابلتنى السيدة مارجريت، مديرة المكتبة، بترحاب، مستفسرة عن نوعية الكتب أو المراجع التى أبحث عنها، فأجبتها برغبتى فى الاطلاع على ما يتعلق برعاية المواهب الموجودة، بالفعل، حتى تصير نجوماً، فالتقطت أحد الكتب المترجمة، لكاتب ألمانى، وناولتنى إياه، وكان عنوانه How to make a star، أو كيف تصنع نجماً؟، فتصفحه، سريعاً، للتأكد من أنه يفى بغرضي. فوجدته يحكى عن إفاقة ألمانيا، فى الساعة الخامسة، من مساء أحد أيام شهر يوليو، من عام 1985، على خبر تتناوله جميع وسائل الإعلام العالمية، يخص أحد أبنائها، ويدعى بوريس بيكر، الذى فاز ببطولة ويمبلدون العالمية للتنس، ويتسلم، الآن، جائزته من مندوب جلالة ملكة بريطانيا، بعدما فاز على منافسه كيفن كيورن، ليصبح بذلك أصغر بطل يحمل لقب هذه البطولة، إذ كان عمره، حينئذ، سبعة عشر عاماً.

ذكر الكاتب، فى مقدمة كتابه، أنه فى تمام الساعة السابعة، من مساء ذلك اليوم، أى بعد ساعتين من إذاعة خبر فوز بوريس بيكر باللقب العالمى، انعقد مجلس الوزراء الألمانى، ليناقش هذا الحدث، حيث كانت هذه هى المرة الأولى التى يفوز فيها لاعب ألمانى بهذا اللقب، لواحدة من أهم، وأقدم بطولات التنس العالمية، وأكثرها شهرة فى تاريخ اللعبة البيضاء. وخرج مجلس الوزراء بقرار تشكيل لجنة وطنية لرعاية هذا اللاعب الصغير، تكون مهمتها، الوحيدة، هى العمل على تنمية موهبته الرياضية، وضمان تألقه. على أن تبدأ هذه اللجنة عملها فوراً، اعتباراً من صباح اليوم التالى، بالوجود فى مقر إقامة اللاعب فى العاصمة البريطانية، لندن. تشكلت اللجنة من خمسة أعضاء، هم طبيب نفسى لضمان اتزانه النفسى، ومسئول إعلامى لتدريبه على التعامل مع مختلف وسائل الإعلام، وكذا وضع خطة تسويق اللاعب إعلامياً، ومسئول آخر مهمته الحفاظ على مظهر اللاعب وأناقته، وآخر لتعليمه قواعد الإتيكيت والبروتوكول، وأخيراً وليس آخراً، مدرب تنس محترف، يعمل على صقل المهارات الفنية للاعب.

ومن هذا الكتاب، وغيره، وضعت منهجاً لرعاية المواهب الفنية فى دار الأوبرا المصرية، التى أفرزت نجوماً، مازالت تضىء سماء الفن المصرى، بل والعربى، وصاروا سفراء يشرفون اسم مصر، تماماً كما فعلت بسنت حميده، التى يعد فوزها بالميدالية الذهبية، وسام شرف فى عدة مجالات، ليس فى الرياضة فحسب، ومنها، على سبيل المثال، وليس الحصر، مجال تمكين المرأة، وهو ما لا أظنه سيفوت على الدكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، التى تشهد إضافة رمز جديد لرموز السيدات المصريات العظيمات، اللائى يرفعن اسم مصر عالياً، بجهدهن، وإخلاصهن، وانتمائهن.



Email: sfarag.media@outlook.com