الإدارة.. طريق النجاح

يقاس نجاح المؤسسات، بنجاح مديريها فى إدارتها، ويعتمد نجاح القائد أو المدير، فى إدارته، على عنصرين أساسيين؛ وهما درايته ومعرفته بعلوم الإدارة، ثم الموهبة والقدرات الشخصية للإدارة. ولما أتحدث عن علم الإدارة، أتذكر فترة دراستى بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصولى على دبلوم إدارة الأعمال، فى واحدة من أعرق أكاديميات ولاية كاليفورنيا، التى تعلمت خلالها أن الإدارة السليمة تشمل خمس مراحل، أولها جمع المعلومات (Data Collection)، ثم التخطيط (Planning)، والتنفيذ (Implementation)، تليها المتابعة (Follow-up)، وأخيراً الدروس المستفادة (Learned Lessons).

وتعتمد المرحلة الأولى فى جمع المعلومات على إلمام القائد، أو المدير، بالمعلومات الكاملة عن مؤسسته، بدءاً من الهيكل التنظيمى للمؤسسة، ثم مهمة الرئيس نفسه، وهو ما يعرف باسم Job Description، وكذلك مهمة كل مرءوس، وأخيراً المعلومات الأساسية لكامل المنظومة.يلى ذلك مرحلة التخطيط،المعنية بتحديد الهدف المراد الوصول إليه، مع تقسيمه إلى أهداف عاجلة فورية، ثم أهداف على المدى القريب، ثم أهداف على المستوى البعيد. وتعد الرؤية المستقبلية، أوVision، أهم عناصر مرحلة التخطيط، والتى يحددها القائد، بناءً على مهمة المؤسسة، وإمكاناتها، بشرط أن تكون رؤية واقعية، بعيدة عن المغالاة.

تبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة، وهى التنفيذ، والمعتمدة على وضع وإعداد خطة التنمية الشاملة للمنظومة، وطبقاً للفكر الأمريكى فى إدارة الأعمال فإن تلك الخطة يجب أن تتراوح مدتها بين 20 و25 عاما، لأن ما يزيد على ذلك، يصعب تنفيذه، فى ضوء المتغيرات التى قد تطرأ فى تلك الفترة. وأذكر أنه خلال مناقشات فترة الدراسة، أن سألت أستاذى، عما إذا كانت الخطط الخمسية، التى اعتمدت عليها مصر أيام الرئيس جمال عبدالناصر، تتعارض مع مفاهيم خطة التنمية، فأجاب، بأن الخطط الخمسية تستهدف اتجاهات محددة، كالخطة الخمسية للصناعة، أو للزراعة... إلخ، ومع ذلك يجب أن تتكامل كلها ضمن خطة التنمية الشاملة للمؤسسة. وتطبيقاً لما تعلمته، واقتنعت به، لما توليت منصب محافظ الأقصر، فقد وضعت خطتى لتطوير المحافظة، Master Plan، لمدة 25 عاماً، والتى نالت المركز الثانى فى مسابقة تخطيط المدن فى المنطقة العربية، بعد خطة التنمية الشاملة لمكة المكرمة.

أما المرحلة الرابعة من الإدارة، وهى المتابعة، والتى فى رأيى تعد أهم وأخطر مراحل الإدارة، خاصة فى مصر، والتى تشمل المتابعة الورقية، لمتابعة نتائج التنفيذ بالأرقام، ثم متابعة ميدانية، على الأرض، وهو ما نراه، يومياً، من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، من خلال لقائه المسئولين عن تنفيذ جميع مشروعات الدولة، ومرور سيادته ببعض الطرق فى كل أسبوع، ما هو إلا متابعه لكل ما يتم على أرض الواقع، لأن المتابعة تعنى تذليل كل المعوقات التى من شأنها تعطيل تنفيذ خطة التنمية، فنحن نفتقر إلى نزول المسئول إلى الشارع، ومتابعة ما يتم بنفسه، والقضاء على أى معوقات للعمل التنفيذى. يلى ذلك المرحلة الأخيرة من الإدارة وهى الدروس المستفادة، التى يجب أن يخرج بها القائد، لتطبيقها فى مشروعات مستقبلية.

أما فيما يخص الصفات الشخصية للمدير، فتعتمد على قدراته فى إصدار الأوامر والتعليمات، ومتابعة تنفيذها، بالكثير من الحزم، دون تشدد، والكثير من المرونة، دون تفريط، فى مراجعة القرارات، والعدول عنها، إذا ما استلزم الأمر. فضلاً عن قدرات التواصل، بين القائد ومجموعة العاملين فى المؤسسة، من خلال الوجود معهم، باستمرار، للتعرف على أى مشكلات تواجههم، والاستماع إلى شكواهم. وهو ما اتبعته فى الأقصر، بإعلان يوم الاثنين، من كل أسبوع، يوماً مفتوحاً، يبدأ من التاسعة صباحاً، ألتقى خلاله المواطنين، لأسمع مطالبهم وشكواهم، التى كنت أتعرف خلاله على مشكلات، لم تكن لتصل لمسامع المحافظ، إلا بالاتصال المباشر بالجماهير، ومنها على سبيل المثال، عندما اشتكت ربة منزل من عدم وجود مدرس لغة إنجليزية فى مدرسة ابنتها، رغم مرور ثلاثة أشهر على بدء العام الدراسى، وغيرها من مشكلات انقطاع المياه والكهرباء عن بعض المناطق.

يضاف إلى ذلك اتباع سياسة الباب المفتوح للقائد أو رئيس المنظومة، للاستماع إلى المرءوسين فى المؤسسة، وقد شهدت مدير مجمع أحد المستشفيات العسكرية، الذى يضم أكثر من ستة مستشفيات، وهو يلتقى، يومياً، فى الساعة الثامنة صباحاً، قادة هذه المستشفيات، بالإضافة إلى اجتماع أسبوعى لأطقم عمل ذلك المجمع الطبى. كما يلتزم مديرو المستشفيات بالمرور اليومى فى السابعة صباحاً، للتأكد من دقة والتزام غرف العمليات، واستعدادها لإجراء العمليات المقررة لذلك اليوم، والتأكد من انتظام العيادات، التى تفتح أبوابها للجماهير فى التاسعة صباحاً، وهو ما يتم متابعته، على مدى اليوم، من خلال شاشات المتابعة التليفزيونية، فى مكتب القائد، وهو ما جعل تلك المؤسسة الطبية، فى مصاف الأفضل على مستوى الجمهورية، سواء فى القطاع المدنى أو العسكرى.

كما يعزز من ذلك التواصل، العلاقة الإيجابية المباشرة، بين القائد ومرءوسيه، والتى يمكن توطيدها بالحرص على أداء صلاة الجمعة سوياً، والمشاركة فى المناسبات الاجتماعية، بدلاً من سياسة الجزاءات أو الإفراط فى العقاب، بما يجعل من الحب والمودة أولاً، ثم الاحترام،أساساً فى التعامل، وهو ما من شأنه تحفيز رغبة جميع العاملين بالمؤسسة على رفع كفاءتها، والارتقاء بأدائها، بما يعود على مصرنا الغالية بالنفع والصلاح.