العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

بدأت الولايات المتحدة فى اتخاذ خطوات جادة لمواجهة تقدم الصين، وإضعاف قوتها الاقتصادية.

الصين .. الهدف الاستراتيجى من زيارة ترامب إلى الخليج العربى
 

لواء د. سمير فرج

 22 مايو 2025


أنهى الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، زيارته، التاريخية، إلى منطقة الخليج، والتى شملت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، محققاً نتائج اقتصادية ضخمة. فقد نجح فى تأمين استثمارات تقدر بأربعة تريليونات دولار لمصلحة المصانع الأمريكية، والخزانة الأمريكية، بالتبعية، فالتعاقدات التى أبرمتها شركة «بوينج» الأمريكية، وحدها، كفيلة بضمان مبيعاتها لسنوات قادمة، فضلاً عما ستحققه الصناعات الحربية الأمريكية من مكاسب كبيرة، وهو ما جعل البعض يصف تلك الزيارة بأنها واحدة من أهم الزيارات الأمريكية، الرسمية، إلى الخليج.

إلا أنه، من وجهة نظرى الشخصية، أن الرئيس الأمريكى سعى وراء هدف استراتيجى أكبر من المكاسب الاقتصادية، وحدها،وهو إبعاد الصين عن منطقة الخليج، التى بدأت منذ سنوات فى إحراز وثبات اقتصادية، كبيرة ومتسارعة، أهلتها لأن تصبح، اليوم، ثانى أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، والعدو الاقتصادى الأول للولايات المتحدة،إذ يؤكد الخبراء الاقتصاديون، حول العالم، أن حفاظ الصين على معدلات نموها المسجلة، سيجعلهاالاقتصاد الأكبر، عالمياً، بحلول عام 2030.

وللتصدى لتلك التوقعات، المدعومة بالأدلة والإحصاءات، بدأت الولايات المتحدة فى اتخاذ خطوات جادة لمواجهة تقدم الصين، وإضعاف قوتها الاقتصادية، بدأتها بتهديد تجمع «بريكس»، الذى تأسس فى 2009، ويضم كلا من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، قبل أن تنضم إليها مصر، أثيوبيا، والإمارات، وإندونيسيا وإيران فى مطلع عام 2024، مع احتمال انضمام السعودية، بعد انتهائها من دراسة الأمر.

ارتكزت فكرة بريكس على إقامة تجمع استثمارى، تحوّل، لاحقاً، إلى تكتل جيوسياسى قوى. حيث يضم 45% من سكان العالم، وتمتلك دوله الأعضاء 44% من حجم الوقود فى العالم. وعلى إثر تفكير أعضاء ذلك التجمع فى إطلاق عملة جديدة، وما يشكله ذلك من تهديد مباشر لمكانة الدولار الأمريكى، كعملة دولية، فقد هدد الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية تصل نسبتهاإلى 100% على دول بريكس، إذا ما اتخذت خطوات لتنفيذ تلك الفكرة، بل وأصدر قرارات تنفيذية لفرض تلك الرسوم الجمركية، على عدد من الدول، كما تابعنا فى الأسابيع القليلة الماضية.

فقد أدرك ترامب أن انضمام دول الخليج، خاصة الإمارات، مع احتمال انضمام السعودية، من شأنه تعزيز وتقوية ذلك التجمع، وهو ما دفعه لزيارتهما، ليس فقط لتوقيع الصفقات الاقتصادية وجذب الأموال، بل أيضاً للإعلان عن تحالف استراتيجى مع هذه الدول، بهدف حرمان مجموعة «بريكس» من القوة الاقتصادية الخليجية، خاصة الصين، التى اقتحمت الأسواق الخليجية، مؤخراً، بعروض استثمارية وصفقات تجارية. ولن أكون مبالغاً فى وصف هدف الزيارة الأمريكية، بأنه لحرمان الصين من الوجود فى منطقة الخليج العربى، سواء اقتصاديا أو عسكرياً.

فقد أثبتت التجارب العملية قدرة الصين على توفير منتجاتها الصناعية والحربية بأسعار تنافسية مقارنة بنظرائها فى أوروبا وأمريكا، مما جذب اهتمام دول الخليج، لا سيما بعد الحرب الهندية الباكستانية، التى أثبتت فيها الأسلحة الصينية، خاصة المقاتلات ومنظومات الدفاع الجوى، تفوقا ملحوظاً على نظيراتها الأوروبية. هذا التفوق قد يدفع دول الخليج إلى تعزيز علاقاتها التسليحية مع الصين، نظراًللقيمة والجدوى الاقتصادية، وهوما دفع الرئيس الأمريكى لعقد اتفاقات تسليح كبيرة، خلال زيارته لمنطقة الخليج لضمان عدم قيامها بإبرام اتفاقات تسليح مع الصين. كل تلك المعطيات كانت حاضرة فى ذهن ترامب، وإدارة الدولة العميقة فى الولايات المتحدة، فى أثناء التخطيط لإضعاف الصين اقتصادياً، وهو ما يفسر أن تكون أولى زياراته الخارجية، إلى الخليج العربى، لمنع أى تقارب بين بكين ودوله.

كذلك تعمل الصين على مشروع استراتيجى، آخر، وهو «إحياء طريق الحرير القديم»، المعروف باسم «الحزام والطريق»، لربط قارتى آسيا وأوروبا، والذى يضم محورين؛ أحدهما برى عبر آسيا إلى أوروبا، من خلال طرق برية وسكك حديدية، والآخر بحرى يمر عبر دول جنوب شرق آسيا والخليج العربى، ثم قناة السويس، وصولاً إلى أوروبا، وهو ما قامت الصين لأجله ببناء سفن حاويات ضخمة،تمهيداً لبدء تشغيله بحلول عام 2026. لذلك، كان من أهداف زيارة ترامب توقيف دول الخليج عن التعاون مع الصين، ودعمها، فى تطوير هذا المحور البحرى، الذى تُعد منطقة «جبل علي» الإماراتية أحد مراكزه المحورية، أو «Hub»، وفى حال تمكنت الصين من ترسيخ نفوذها هناك، فستحقق نجاحات كبيرة فى تنفيذ طريق الحرير الجديد، ليضيف لقوة الصين الاقتصادية.

وكانت الصدمة الكبرى، من دول المنطقة، فى عودة ترامب دون التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، أو إدخال المساعدات الإنسانية لأهالى القطاع، رغم المناشدات الدولية والأممية بتدهور الأوضاع ووصولها لكارثة إنسانية، واقتصر الأمر على طرح «فكرة اتفاق»بتسليم كامل للرهائن مقابل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وتشكيل حكومة فلسطينية، من 15 شخصا لا ينتمى أى منهم للفصائل المعروفة. ورغم ما أظهرته حماس من مرونة كبيرة، وتسليم الرهينة الأمريكية دون المطالبة بأى مقابل، فإن ترامب عاد من المنطقة، مع الأسف، دون تحقيق السلام، مما يمثل خسارة سياسية كبيرة له أمام العالم.

وهكذا، جاءت الزيارة الأمريكية محمّلة بأهداف اقتصادية واستراتيجية كبرى، تمحورت حول عرقلة النمو الاقتصادى الصينى، ويُعتقد أنه بعد توقيع الصفقات الاقتصادية وعقد الشراكات الاستثمارية مع دول الخليج، تكون الولايات المتحدة قد أحرزت خطوة كبيرة فى كبح النفوذ الصينى فى المنطقة، والحد من نموها الاقتصادى، الذى تعتبره واشنطن التهديد الأول لمكانتها العالمية.



Email: sfarag.media@outlook.com