العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
أما على الجانب الآخر، فكان أحد الأهداف الرئيسية لزيارة ترامب هو مواجهة نفوذ الصين المتزايد فى منطقة الخليج.
|
ماذا حققت زيارة ترامب إلى الخليج؟
لواء د. سمير فرج
|
24 مايو 2025
|
عاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الولايات المتحدة بعد أول زيارة رسمية له للخارج، والتى كانت أيضًا أول زيارة خارجية له خلال ولايته الأولى، وكانت إلى منطقة الخليج العربى. وبعد عودته، بدأ الجميع يتساءل: ماذا حققت هذه الزيارة؟
أولاً، من الناحية الاقتصادية، استطاع ترامب تأمين عقود استثمارية تصل إلى أربعة تريليونات دولار لصالح الولايات المتحدة، وخاصة لصالح مصانع السلاح والمعدات الدفاعية، التى ضمنت استثمارات لسنوات طويلة قادمة. كذلك شركة بوينج الأمريكية حصلت على صفقات تكفيها لعشر سنوات قادمة. كما افتتح ترامب خلال زيارته أكبر مركز للذكاء الاصطناعى خارج الولايات المتحدة فى دولة الإمارات.
أما من ناحية العلاقات الاستراتيجية، فقد أعلن ترامب شراكة استراتيجية مع دول الخليج، مؤكدًا أن الولايات المتحدة مسؤولة عن الدفاع عن هذه الدول، وخاصة الإمارات. وهنا يمكننا أن نقول المثل الشهير فى مصر: «اللى متغطى بأمريكا عريان»، وهذا المثل يشير إلى أنه لا يمكن الاعتماد بشكل كامل على أمريكا فى الحماية، وهو ما أثبتته التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية.
فبعد أن تعهدت أمريكا بالدفاع عن اليابان، سمحت اليابان لأمريكا ببناء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها فى اوكيناوا. ولكن فجأة احتلت روسيا الجزر اليابانية الكوريل فى الشمال، هنا لم تتدخل أمريكا لحمايتها، واستعادة هذه الجزر ومازالت حتى الآن تحت الاحتلال الروسى مما دفع اليابان لإعادة بناء جيشها ليصبح الآن سادس أقوى جيش فى العالم.
أما على الجانب الآخر، فكان أحد الأهداف الرئيسية لزيارة ترامب هو مواجهة نفوذ الصين المتزايد فى منطقة الخليج، خاصة بعد انضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة «بريكس» التى تضم دولًا كبرى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى دول جديدة مثل مصر وإثيوبيا وإندونيسيا.
هذه المجموعة بدأت تفكر فى إطلاق عملة جديدة تنافس الدولار الأمريكى، وهو ما أثار قلق الولايات المتحدة. ولهذا جاء ترامب الى منطقة الخليج ليقنع دول الخليج واحتوائهم لكى لا ينضموا لهذه المجموعة، لأن انضمام دول قوية اقتصاديًا كالخليج سيزيد من قوة «بريكس» وسيضعف الدولار الامريكى مستقبلًا ولذلك وأعتقد أن الهدف الاستراتيجى الأمريكى لهذه الزيارة هو منع دول مجلس التعاون الخليجى من الانضمام إلى البريكس.
من بين نتائج الزيارة أيضًا، قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ولقاء ترامب بأحمد الشرع، وهو أمر فاجأ الكثيرين. فقد كانت الولايات المتحدة تعتبره شخصية إرهابية، وكانت قد عرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات عنه. لكن الآن، وبعد وعود قدمها الشرع بتنفيذ شروط ترامب الخمسة، تم رفع العقوبات، مما أثار فرحة فى الشارع السورى، رغم أن الخطوة تعنى خروج سوريا من عباءة إيران ودخولها تحت النفوذ التركى وبالتالى الأمريكى.
على جانب آخر، كان ترامب يخطط لإنهاء زيارته بجولة إلى إسطنبول لحضور قمة السلام بين روسيا وأوكرانيا. وقد حضر الرئيس الأوكرانى، لكن الرئيس الروسى بوتين لم يحضر إلى تركيا. وهذا يمكن اعتباره أول إخفاق فى الزيارة، حيث كان يأمل ترامب فى أن ينجح فى إقناع الرئيس الروسى باتفاق وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 3-4 حيث يتم انتخاب برلمان ورئيس جديد يوقع اتفاق سلام دائم لأن الرئيس الأوكرانى والبرلمان ولايتهم منتهية، لذلك لا يحق لهم توقيع اتفاقية لذلك يجب أن يتم انتخابات جديدة فى أوكرانيا ليحل السلام.
وكانت الخطة أن يلى ذلك نجاح ثان بإعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة. ولكن نتنياهو لم يلتزم بتعهداته، وفور مغادرة ترامب للمنطقة، أطلق عملية عسكرية موسعة فى غزة «عربات جدعون»، مما جعل ترامب يؤجل زيارته لإسرائيل، ويعتبر هذا الإخفاق الثانى.
أما الإخفاق الثالث، فكان فشل التوصل إلى اتفاق مع إيران بخصوص ملف السلاح النووى، حيث ترفض طهران تسليم المخزون لأى طرف، حتى مع اقتراح روسيا أن تكون الطرف الوسيط.
ورغم هذه الإخفاقات، فإننى أرى أن ترامب وهو فى طائرته الرئاسية «Air Force 1»، كان يشعر بالرضا، لأنه حقق الهدف الاستراتيجى الأهم من الزيارة، وهو إضعاف التقدم الصينى السريع اقتصاديًا، ووقف تمدده داخل منطقة الخليج، الذى كانت الصين تسعى إلى تحويله إلى بوابة جديدة لمشاريعها العملاقة، مثل طريق الحرير وهو الطريق الذى سيمر بشكل أساسى على الإمارات وهو ما كان يسعى إليه ترامب أن يبطئ تقدم الصين السريع بإصلاح العلاقات مع دول الخليج والإمارات والسعودية.
وهكذا يمكن القول إن زيارة ترامب إلى الخليج نجحت فى تحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية مهمة، وأعادت التأكيد على نفوذ الولايات المتحدة فى المنطقة، ورغم وجود بعض العقبات فى ملفات أخرى إلا أنه يبدو أن ترامب، بعد نجاحه فى تحقيق أهم أهدافه وهو الحد من نفوذ الصين، سيتجه فى الفترة القادمة إلى التركيز على الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف السلام وإيقاف الحروب، بين روسيا وأوكرانيا، وبين إسرائيل وغزة، سعيًا لتحقيق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام.
Email: sfarag.media@outlook.com
|