العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

يسترسل شوشان في رواية تفاصيل هذه الليلة قائلاً 'جمعت طاقم المدمرة، الذي أصيب أكثر من 95% منه بالصدمة ... وشرحت لهم خطة النجاة ... كان الموقف رهيباً..

 الرحلة الأخيرة للمدمرة إيلات

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

"الرحلة الأخيرة للمدمرة إيلات" ... هو اسم الكتاب الذي كتبه المقدم الإسرائيلي إسحاق شوشان، قائد المدمرة الإسرائيلية إيلات ... التي ترقد، منذ 49 عاماً، في أعماق البحر الأبيض المتوسط ... عند الشواطئ المصرية ... قبالة مدينة بورسعيد.

في كتابه عن اللحظات الأخيرة للمدمرة إيلات يوم 21 أكتوبر عام 1967، يقول المقدم شوشان "عندما اقتربت المدمرة من شاطئ بورسعيد ... صعدت إلى السطح لكي أتطلع إلى المدينة ... كانت الشمس تغرب في الأفق خلف مدينة بورسعيد ... وبدأت الأضواء تضئ مباني المدينة ... ورياح شهر أكتوبر الجميلة تهل علينا ... وفجأة سمعت صراخ ضابط الرادر بأن صاروخاً يقترب من المدمرة ... أطلق علينا من اتجاه مدينة بورسعيد ... وأدركت لحظتها أن الأمرمهيب ... وهو ما دفع ضابط الرادار إلى عدم الالتزام بالإجراءات المعمول بها من حيث إبلاغي بواسطة جهاز الإنذار. ورفعت المنظار ... ورأيت الصاروخ يقترب من المدمرة ... مخلفاً وراءه ذيلاً أسود ... ليصيب المدمرة في ثوان قليلة" ... ويضيف شوشان "لقد أصبت في هذه العملية ... وشعرت وكأنها النهاية ... وعلمت أن الصاروخ قد أصاب منطقة المراجل في جانب المدمرة ... فانقطعت عنها الكهرباء ... ومالت المدمرة وبدأت المياه تتسرب إليها من الجانب. ومنذ اللحظة الأولى وأن على يقين بضرورة مغادرة المدمرة ... إذ فقدت قدرتها ولم يتبق لنا ما نستطيع فعله لإنقاذها ... فإذا بي أتلقى خبر إصابتها بالصاروخ الثاني من الجانب الآخر ... ليصيب باقي أجزاء المدمرة ... ورأيت المدخنة تتهاوى ومعها منصة إطلاق صواريخ الطوربيد ... وبدأت المدمرة في الغرق ... فحدثت نفسي بأنه إذا كنت قد نجوت من الأول، فلن يقتلني الصاروخ الثاني ... ونجح ضباط الاتصال، بعد محاولات عديدة، بإرسال إنذار إلى قائد لواء المظلات الإسرائيلي في شمال سيناء، بغرق المدمرة"

يسترسل شوشان في رواية تفاصيل هذه الليلة قائلاً "جمعت طاقم المدمرة، الذي أصيب أكثر من 95% منه بالصدمة ... وشرحت لهم خطة النجاة ... كان الموقف رهيباً ... والظلام يخيم على المنطقة ... والمدمرة تغرق رويداً رويداً ... والجرحى كثر ... وأنزلنا قوارب النجاة استعداداً لتنفيذ الخطة ... فإذا بالصاروخ الثالث يصيب المدمرة من الخلف، ويقلبها على جانبها ... لتهوى بسرعة في قاع المتوسط في خلال ساعتي زمن".

ألقى المقدم شوشان نفسه في الماء، حينئذ، واضطر للسباحة على ظهرة، بسبب بزة الإنقاذ البحري ... ووفقاً لما ذكر في كتابه، فقد اصطدم بشئ خلفه، وسأله "من أنت؟"، ولما لم يتلق جواباً، التفت ليجده واحداً من جنوده قد فارق الحياة. يقول شوشان " وهكذا تفرق طاقم المدمرة ... وعددهم 199 ... في البحر ... قتل بعضهم ... وأصيب البعض الآخر ... وآخرون خارت قواهم ... خاصة ممن لم يتمكنوا من فتح حزام الإنقاذ ... فغرقوا في أعماق البحر. وتعالت الصرخات ... والليل يداهمنا بضراوة ... وسمعت صيحة أحد الجنود يقول بأن هناك صاروخاً رابعاً ... إلا أنه اصطدم بالمياه ... إذا كانت المدمرة قد غرقت بالفعل".

يقول المقدم شوشان أنه كان قد تلقى الأوامر، يوم 19 أكتوبر 1967، بالإبحار، بالمدمرة إيلات، إلى شاطئ بورسعيد، وعلى متنها عدداً من طلاب البحرية الإسرائيلية، في رحلة تدريبية ... بهدف استعراض القوة، وإثبات تواجد القوات البحرية الإسرائيلية أمام شواطئ مدينة بورسعيد. وكان عمر المدمرة إيلات 25 عاماً فقط، عندما انضمت للأسطول البحري الإسرائيلي في يونيو عام 1956، ضمن صفقة مع بريطانيا، ضمت المدمرة الثانية يافا.

ولقد أصيب المقدم شوشان بكسر في عموده الفقري، في هذه العملية ... كما أدانته اللجنة التي شكلها الجيش الإسرائيلي، للتحقيق حول أسباب غرق المدمرة. فدون مذكراته عن هذه العملية، في ذلك الكتاب، محاولاً نفي مسئولية إغراق المدمرة عن نفسه، وملقياً باللوم على الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي عجزت عن التوصل إلى معلومات عن العملية، قبل وقوعها، قائلاً "إنه لمن الغباء عدم توقع محاولات المصريين للانتقام".

وبإغراق المدمرة إيلات، باستخدام لنشات صواريخ صغيرة ... تغير فكر البحرية العسكرية في العالم بأسره ... إذ توقفت جميع الدول عن بناء القطع البحرية الكبيرة، مثل حاملات الطائرات، والطرادات، والمدمرات ... وبدأت الاعتماد، تدريجياً، على الفرقاطات صغيرة الحجم، ولنشات الصواريخ ... وبدأ تطوير الرادارات البحرية، لاكتشاف الأهداف من ارتفاع أربعة أمتار عن سطح البحر. إضافة إلى التغيير الذي طرأ على تكتيكات وأساليب القتال البحري، في كل المدارس البحرية حول العالم ... بعد ما حققه المصريون من معجزة، بتدمير هذه المدمرة العملاقة بواسطة صواريخ صغيرة.

وعندما نقص تفاصيل تلك المعركة العظيمة، لا ننسى ذكر النقيب أحمد شاكر، والنقيب لطفي جاد الله، قائدا لنشات الصواريخ، اللذان نجحا، في إغراق المدمرة، وإتمام العملية بنجاح. كذلك لا ننسى معاونيهم الملازم أول السيد عبد المجيد، والملازم أول حسن حسني، والضابط البحري سعد السيد، ومعهم 25 جندياً مصرياً، هم أطقم هذه اللنشات.ولا يفوتنا أن نترحم على الشهيد الرقيب محمد فوزي البرقوقي، الذي ضحى بحياته أثناء تلك العملية.فما كان من القوات البحرية المصرية إلا أن خلدت ذكرى هذه الملحمة، باعتبار يوم 21 أكتوبر عيداً لها.

ستظل مصر دائماً فخورة بأبنائها ... ورجالها ... الأبطال الذين سطروا بعملهم وبشجاعتهم ... سطوراً مضيئة في تاريخ البحرية العسكرية على مستوى العالم ... محققين لبلادهم عزتها وكرامتها.

Email: sfarag.media@outlook.com