العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

إلا أن هناك بعض الأعمال المدنية، المحددة، والتي تنفذها القوات المسلحة بمعرفتها، عن طريق جهاز الخدمة الوطنية، مثل تطهير أرض من الألغام، مثلاً في صحراء مصر الغربية، أو شق طرق في الجبال وما يتطلبه ذلك من تفجيرات، لا يملك القطاع المدني الخبرة فيها.

جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة المصرية
 

لواء د. سمير فرج

 4 مايو 2018


ما بين الحين والآخر، تظهر على السطح بعض الانتقادات أو التساؤلات، حول مساهمة القوات المسلحة في الأعمال المدنية للدولة … لذلك أجد، دائماً، أنه من واجبي تذكرة أصحاب تلك التساؤلات بحقيقة الأمور، وتوضيحها، بصورة مبسطة، لمن لم يعلمها من قبل.

نوضح، في البداية، أن القوات المسلحة المصرية لها قواتها المقاتلة، المكونة من القوات البرية المشاة والمدرعات وغيرهم، والقوات الجوية، والقوات البحرية، وقوات الدفاع الجوي، والتي تتكامل لتنفيذ مهامها في التدريب، أولاً، ثم لتنفيذ أية مهام قتالية. قوام تلك القوات القتالية هم شباب مصر، المنطبقة عليهم شروط تأدية الخدمة العسكرية، لذلك فعند دخول دفعة جديدة للتجنيد، يتم توزيعهم على أفرع القوات المقاتلة، أولاً، حتى تحصل على كامل احتياجها من الأفراد المجندين، أما الباقي منهم، ويطلق عليهم فائض العملية التجنيدية، فيتم توزيعهم على جهاز الخدمة الوطنية.

إذاً، وقبل الاستفاضة في دور جهاز الخدمة الوطنية، نؤكد أن القدرات القتالية للوحدات المقاتلة، لا تتأثر سلباً بوجود ذلك الجهاز الوطني. أما فيما يخص الدور المنوط بجهاز الخدمة الوطنية، القيام به، فنوضح ونؤكد، في البداية، أن القوات المسلحة لا تنفذ أية أعمال إنشائية، وإنما تطرح العملية على شركات القطاع العام والخاص، ويقتصر دورها على الإشراف ومراقبة الجودة والتأكد من تمام المواصفات الفنية، والتسليم في الزمن المحدد للعملية. لذلك نؤكد أن أفراد القوات المسلحة لا يسمح لهم بتنفيذ أية عمليات، بل تنفذها سواعد العاملين بالشركات العامة والخاصة في الدولة.

إلا أن هناك بعض الأعمال المدنية، المحددة، والتي تنفذها القوات المسلحة بمعرفتها، عن طريق جهاز الخدمة الوطنية، مثل تطهير أرض من الألغام، مثلاً في صحراء مصر الغربية، أو شق طرق في الجبال وما يتطلبه ذلك من تفجيرات، لا يملك القطاع المدني الخبرة فيها.

ومن هنا، فإننا نؤكد أن جميع عمليات القوات المسلحة، سواء للجهات المدنية أو داخل القوات المسلحة، مثل الدور والنوادي تخضع لإشراف ومراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات، وتؤدي ما عليها من ضرائب للدولة، بعكس ما تحاول بعض الأصوات المغرضة من ترويجه، من أن أنشطة القوات المسلحة غير خاضعة للرقابة، وأنها معفاة من الضرائب.

وعندما أسمع تهكم البعض من مصانع الحلاوة، أو المكرونة، أو غيرها من مصانع المنتجات الغذائية، التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، أدرك تماماً أن تلك الأصوات لا غاية لها سوى الوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة، لأنها تتعمد توضيح حقيقة أن تلك المصانع قد أسست لتدبير طعام جنود لقوات المسلحة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وليس هدفاً للربح، أو البيع للمدنيين … فكل إنتاج هذه المصانع يتوجه لأخوك وابنك المجند، الذي يخدم وطنه بشرف.

أما المنتج الوحيد التابع للقوات المسلحة، فهو منتجات مصانع رفح، والتي بدأت قصتها عندما احتلت اسرائيل سيناء، و قامت ببناء مستعمرة ياميت في رفح، وهي المستعمرة الوحيدة التي شيدتها إسرائيل أثناء احتلالها لسيناء، وبعد نصر أكتوبر العظيم، قامت إسرائيل بهدم هذه المستعمرة، تماماً، قبل جلائها عن سيناء، حتى لا يستفسد منها المصريين، وأشرف على عملية الهدم الجنرال شارون بنفسه، وظل موجوداً في الموقع حتى تم إزالة آخر جدار. فأصر المشير أبو غزالة، على بناء مصانع للمربات والعصائر وزيت الزيتون، من منتجات سيناءن وإتاحتها لعموم المصريين، لتكون شاهدة على قدرة المصري على رد الصاع صاعين للعدو الإسرائيلي.

أما محطات الوقود، “وطنية”، فلقد تم انشاؤها لتغطية مطالب القوات المسلحة، أولاً، عند التعبئة والعمليات، وعند رفع درجات الاستعداد، بعدما كانت تعتمد، في الماضي، على بعض محطات الوقود التابعة للدولة، وهو ما كان يشكل عائقاً في بعض الأحيان. وقد يكون من المهم، لفت نظر البعض، إلى أن هذه المحطات التابعة للقوات المسلحة، تقع على طرق تحريك القوات المسلحة، أي الطرق الرئيسية الخارجة، لذلك لا تجد محطة وقود وطنية داخل المدن.

وعلى صعيد آخر، تجد القوات المسلحة المصرية تساهم في بعض الأعمال المدنية، بهدف تحقيق التنمية، في ظل عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في أماكن معينة، لأسباب مختلفة، منها ارتفاع التكلفة، أو ارتفاع المخاطر. فقامت القوات المسلحة، على سبيل المثال، بتأسيس مصنع للمياه الجوفية في سيوة، نظراً لتوفر أنقى آبار المياه الجوفية بها، ويعمل بهذا المصنع أبناء سيوة، وليس جنود القوات المسلحة، كما يروج البعض، بهدف تنمية قطاع سيوة، غير مهتمة بانخفاض هامش الربح الذي لا يرضى به المستثمر الخاص. كذلك كانت سيوة تعاني من تسويق إنتاجها السنوي من التمور والزيتون، نظراً لبعد المسافة، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، بما يفقدها الميزة التنافسية، فقامت القوات المسلحة بتأسيس مصانع لزيت الزيتون، ومصانع أخرى للتمور، ومرة أخرى، كل هذه المصانع يعمل بها أبناء سيوة، ولا يعمل بها أي جندي من القوات المسلحة. ومثال آخر، هو مصانع الصلصةن التي أسستها القوات المسلحة المصرية، في الوادي الجديد، لتحقيق الكفاية من هذا لمنتج لجنود القوات المسلحة من ناحية، ولتنمية منطقة الوادي الجديد، من ناحية أخرى، التي يحجم عنها المستثمرون لبعد المسافة.

وهكذا، نكرر أن عمل القوات المسلحة المصرية، في بعض المشروعات الاقتصادية، يأتي لضمان جدية العمل، وجودته، والتنفيذ في التوقيت المحدد، كما نؤكد على خضوع كافة المنشآت لرقابة الدولة عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات، فضلاً عن دفع الضرائب كاملة، كما أن بعض الاستثمارات التي تقوم بها القوات المسلحة في المناطق النائية، تأتي بهدف فتح مجالات للمستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار في هذه الاتجاهات، بهدف تحقيق التنمية المنشودة.

وفي النهاية نؤكد على أن الكفاءة القتالية للقوات المسلحة العاملة، لا تتأثر بمساهمات جهاز الخدمة الوطنية في الحياة المدنية، نظراً لأنها خارج الوعاء التجنيدي للدولة.



Email: sfarag.media@outlook.com