العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفي 14 أكتوبر 73، اشتبكت أكثر من 200 طائرة مقاتلة، في معركة فوق سماء المنصورة؛ 120 طائرة تابعة للعدو الإسرائيلي، يقابلهم 80 طائرة مقاتلة مصرية، في أعنف، وأشرس، وأطول معركة جوية.

القوات الجوية في حرب 73
 

لواء د. سمير فرج

 11 أكتوبر 2019


تحتفل القوات المصرية يوم 14 أكتوبر، من كل عام، بعيدها السنوي، وهو اليوم الذي يخلد ذكرى أهم المعارك الجوية في التاريخ الحديث، وهي معركة المنصورة الجوية، التي خاضتها القوات الجوية المصرية، لتحفر بها صفحات من نور، في المراجع العسكرية العالمية.

أعود للوراء قليلاً، إلى يوم الخامس من يونيو، من عام 1967، لأؤكد على أن قواتنا الجوية قد وقع عليها ظلم كبير، في ذلك اليوم الحزين، عندما شن العدو الإسرائيلي ضربته الجوية، المفاجأة، في الصباح الباكر، عندما انطلقت مقاتلاته، محلقة على ارتفاع منخفض، لتلافي الرادارات المصرية، وقامت بمهاجمة المقاتلات المصرية، على الأرض، إضافة إلى ممرات الإقلاع والهبوط، مستخدمة، لأول مرة، نوعاً جديداً من القنابل، أنتجته إسرائيل بالتعاون مع فرنسا، عرفت باسم “القنبلة الخارقة للأسمنت”، فتمكنت من تعطيل الممرات في المطارات، وعجزت معه المقاتلات المصرية، التي لم يتم تدميرها، من الإقلاع، فأحكمت إسرائيل السيطرة على الأجواء المصرية، طوال أيام معركة الستة أيام، في يونيو67.

ورغم فداحة الخسائر في القوات الجوية، إلا أنه فور وصول معلومات للقيادة العامة، للقوات المسلحة المصرية، في الأول من يوليو 67، بعد أيام من الهزيمة، عن قيام إسرائيل بحشد معدات لعبور قناة السويس، فلقد تم التخطيط لتنفيذ ضربة جوية مصرية، يومي 14 و15 يوليو، على هذه التمركزات الإسرائيلية، في منطقة القنطرة شرق، ومنطقة الطاسة على المحور الأوسط، ونجحت قواتنا الجوية، مادياً، في تدمير كل معدات وأسلحة العدو، فضلاً عن النجاح المعنوي، الذي حققته، بتحليق الطائرات المقاتلة فوق قناة السويس، لضرب أهدافها في سيناء، من رفع الروح المعنوية للطيارين المصريين، ولكل قوات الجيش على الجبهة.

بدأت القوات الجوية المصرية، منذ اليوم الأول لهزيمة يونيو 67، في العمل على استعادة كفاءة المطارات، والقواعد الجوية، فبدأ بناء الملاجئ، والدشم الخرسانية، لحماية الطائرات، كما تم بناء مطارات جديدة، بدلاً عن المطارات التي فقدناها في منطقة القناة، وصارت مواقعها هدفاً لمرمى نيران المدفعية الإسرائيلية، كما تم تحديث أجهزة الرادارات، وإعادة تسليح القوات الجوية بطائرات مختلفة من الاتحاد السوفيتي، وطائرات الميراج من فرنسا.

كانت أهم التحديات التي تواجه قيادة القوات الجوية المصرية، هو رفع أعداد الطيارين، وعليه فقد تم إعادة تشكيل الكلية الجوية، لاستقبال أضعاف أعداد الطيارين المقررين، وبدأت، بالفعل، في استقبال المئات من الشباب المصري، لاختبارهم، وإعدادهم للمهمة، عن طريق إيفاد، العديد منهم، في بعثات إلى الاتحاد السوفيتي، لتخريج أكبر عدد ممكن من طياري المقاتلات والقاذفات. وحتى عندما بدأت حرب الاستنزاف، وأصبح من الممكن للقوات الجوية الإسرائيلية الوصول إلى عمق الأراضي المصرية، فقد تعاملت القيادة مع تلك المستجدات، بنقل تدريب الطيارين إلى المطارات البعيدة، في مرسى مطروح، وفي السودان، وهو ما كان من أشق، وأعقد، العمليات التي قامت بها القوات الجوية المصرية، ولكنها كانت تأسيساً لجيل جديد من الطيارين الأكفاء، الذين قادوا النصر في حرب الاستنزاف، وفي حرب أكتوبر 73.

قاد الطيارون المصريون معارك، عديدة، ضد الطيارين الإسرائيليين، خلال حرب الاستنزاف، فحققت هذه الاشتباكات خبرة متراكمة للطيارين المصريين، تمكنوا بها من تحقيق التفوق، في كل الاشتباكات، على العدو الإسرائيلي، رغم ضعف إمكانات الطائرات السوفيتية، مثل الميج 21 والسوخوي، التي يستخدمها المصريون البواسل، أمام الفانتوم والسكاي الأمريكية، التي تستخدمها قوات العدو.

وحان يوم السادس من أكتوبر 73، والذي خُطط، بحكمة، أن تتولى القوات الجوية افتتاحه، بتنفيذ ضربة جوية، انطلقت فيها نحو 220 مقاتلة، من أكثر من 20 قاعدة جوية مصرية، في تمام الساعة الثانية ظهراً، محلقة على ارتفاع منخفض، وهاجمت قيادة القوات الإسرائيلية في “أم مرجم”، بسيناء، ونجحت في تدمير محطات الرادارات، والشوشرة، الإسرائيلية، وتجمعات الاحتياطات الإسرائيلية المدرعة. كانت الخطة الأصلية أن تقوم القوات الجوية بتحقيق أهدافها، من خلال ضربتين متتاليتين، ولكن المفاجأة أن الضربة الأولى حققت نجاحاً كبيراً، بتدمير 95% من أهدافها، وبخسائر 5 طائرات، فقط، من الأسطول الجوي المصري، حيث هاجمت ثلاث قواعد ومطارات، وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات، وثلاثة مراكز قيادة، وعدد من مرابض بطاريات المدفعية، وأماكن الاحتياطات. وبتمام نجاح الضربة الأولى في تنفيذ مهمتها، وتحقيق أهدافها، تم الغاء الضربة الثانية، المخططة سلفاً، وهو ما كان له عظيم الأثر على رفع الروح المعنوية للطيارين المصريين، وجميع أفراد القوات المسلحة المصرية، ومنهم القوات البرية، المستعدة لاقتحام خط بارليف.

وبالتزامن مع بدء أعمال القتال، واقتحام القوات البرية لخط بارليف، نفذت القوات الجوية العديد من المهام المعاونة، منها نقل قوات الصاعقة إلى عمق أرض سيناء، لصد الاحتياطات الإسرائيلية، ومنعهم من دعم قواتهم في خط بارليف، ووهي ما كانت عملية محفوفة بالمخاطر، نظراً لتفوق القوات الجوية الإسرائيلية، إلا أنها تمت بنجاح، ووصلت المروحيات إلى عمق سيناء، على متنها رجال الصاعقة الأبطال، وعادت سالمة إلى المطارات المصرية.

وفي 14 أكتوبر 73، اشتبكت أكثر من 200 طائرة مقاتلة، في معركة فوق سماء المنصورة؛ 120 طائرة تابعة للعدو الإسرائيلي، يقابلهم 80 طائرة مقاتلة مصرية، في أعنف، وأشرس، وأطول معركة جوية، في العصر الحديث، استمرت 53 دقيقة، بينما لا يزيد متوسط عمر مثل تلك المعارك عن 20 دقيقة، كانت فيها الغلبة للقوات الجوية المصرية، فاستحقت أن تدرس “معركة المنصورة الجوية” في كل المعاهد والكليات العسكرية في العالم، وأن تكون يوم فخر للقوات الجوية المصرية.

دارت تلك المعركة بين قوتين، الإسرائيلية والمصرية، استخدم فيها، كل منهما، أحدث الطائرات في الترسانة الجوية، في الغرب، وفي الاتحاد السوفيتي، واستخدم فيها، لأول مرة، أسلحة الحرب الإلكترونية الحديثة، في التشويش والإعاقة، وكذلك العمليات المضادة لهذه الحرب الإلكترونية. ورغم التفوق النسبي لطائرات العدو، إلا أن إسرائيل خسرت، في هذه المعركة، 17 طائرة، في مقابل خمس طائرات، خسرتهم مصر؛ اثنان منهم بسبب نفاذ الوقود. وبانتصار مصر في حرب أكتوبر 73، انتهت أسطورة القوات الجوية الإسرائيلية، بفضل من الله، وبفضل هؤلاء الأبطال المصريين، الذين محوا عار هزيمة يونيو 67، ليكون عيدهم يوم 14 أكتوبر، عيد نصر وفخر لنسور مصر الأكفاء.



Email: sfarag.media@outlook.com