العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

حسب للفريق عبد المنعم رياض توليه رئاسة أركان حرب القوات المسلحة المصرية، بعد هزيمة يونيو 67، مباشرة، والتي تعد أخطر، وأدق، مرحلة في تاريخ العسكرية المصرية، فشارك الفريق محمد فوزي، وزير الدفاع المصري، آنذاك، إعادة تنظيم القوات المسلحة، وإعادة تأهيل ضباطها، وجنودها، وإعادة تسليحها، بعدما فقد الجيش المصري سلاحه، وعتاده، في سيناء.

الجنرال الذهبي
 

لواء د. سمير فرج

 12 مارس 2020


“الجنرال الذهبي”، هو أحد أهم القادة العسكريين، في العصر الحديث، ليس في مصر، فحسب، وإنما على مستوى العالم العربي، بأكمله … هو الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، بعد هزيمة 67، الذي لاقى ربه، يوم 9 مارس 1969، بعدما استشهد، بين أبناءه من ضباط وجنود الجيش المصري، على الخط الدفاعي الأول، على قناة السويس، في سابقة تعتبر الأولى، والأخيرة، في التاريخ العسكري الحديث، على مستوى العالم، أن يستشهد رئيس أركان حرب قوات مسلحة، على الخط الدفاعي الأول … فخلدت مصر ذكرى استشهاده، ليصبح “يوم الشهيد”.

ولد الفريق عبد المنعم رياض، عام 1919، في قرية سبرياي، التابعة لمركز طنطا، بمحافظة الغربية، وحلم، منذ طفولته، أن يصبح ضابطاً في جيش مصر العظيم، ولكن نزولاً على رغبة والديه، التحق بكلية الطب، بعد تفوقه في الثانوية العامة، وبعد عامين من الانتظام في الدراسة بها، تركها ليحقق حلمه، فالتحق بالكلية الحربية، وتخرج فيها ليشارك في حروب مصر، بدءاً من الحرب العالمية الثانية، ضد الألمان والإيطاليين، في الصحراء الغربية، عندما كان قائداً لبطاريات المدفعية المضادة للطائرات، ثم حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، ثم حرب يونيو 1967، والتي عُين، خلالها، قائداً لقوات الجبهة الأردنية، في الأردن، ليتولى، بعدها، رئاسة أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب الاستنزاف. شارك الفريق عبد المنعم رياض في عدد من البعثات العسكرية، في بريطانيا والاتحاد السوفيتي، عام 58، وتخرج من كلية الأركان حرب، وترتيبه الأول. ثم انتسب لكلية التجارة، وحصل على درجة البكالوريوس. كان، رحمة الله عليه، يجيد أربع لغات، هي، الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية.

يحسب للفريق عبد المنعم رياض توليه رئاسة أركان حرب القوات المسلحة المصرية، بعد هزيمة يونيو 67، مباشرة، والتي تعد أخطر، وأدق، مرحلة في تاريخ العسكرية المصرية، فشارك الفريق محمد فوزي، وزير الدفاع المصري، آنذاك، إعادة تنظيم القوات المسلحة، وإعادة تأهيل ضباطها، وجنودها، وإعادة تسليحها، بعدما فقد الجيش المصري سلاحه، وعتاده، في سيناء. كما شارك في المرحلة الأهم، وهي تنظيم الخطة الدفاعية، غرب قناة السويس، لمنع العدو الإسرائيلي، من عبور القناة، وتهديد مصر. حرص “الجنرال الذهبي”، على الإشراف بنفسه، على سرعة استكمال الدفاعات المصرية، وهو ما عاصرته، وأشهد به، حيث كنت قائداً لأحد سرايا المشاة، على الخط الأمامي، في منطقة جنوب البحيرات؛ فلم يكن يمر أسبوعاً، واحداً، إلا ويحضر الفريق عبد المنعم رياض، لزيارتنا على خط الجبهة، لمتابعة استكمال الدفاعات، والتأكد من تمام فهم جميع الأفراد لمهامهم، من جهة، ومن جهة أخرى، لتنفيذ خطته برفع الروح المعنوية، للضباط والجنود، والتي لم يكتف فيها بالسماح لعدد كبير من رموز مصر الفنية، بزيارتنا على الجبهة، مثل الفنانين نادية لطفي، وكمال الشناوي، ومحمود مرسي، وغيرهم، وإنما حرص، كرئيس أركان حرب القوات المسلحة، أن يراه أبناءه بينهم على الخط الأمامي للجبهة، وهو ما كان له، في الحقيقة، عظيم الأثر في رفع معنوياتنا.

كان من إسهامات الجنرال الذهبي، أن أشرف على إعداد خطة المدفعية المصرية، لتدمير خط بارليف، الذي كان جيش العدو الإسرائيلي قد بدأ في إنشائه، حينها، ولم يكتف بمتابعة خطة التدمير، سواء بأسلحة الضرب المباشر، وغير المباشر، يوم 8 مارس 1969، وإنما توجه، في صباح اليوم التالي، إلى الخطوط الأمامية، للوقوف، بنفسه، على النتائج، وهنا نالته قذائف العدو الإسرائيلي، بعدما أدار بنفسه، معركة استمرت لأكثر من ساعة، وكان معه، لحظة استشهاده، اللواء عبد التواب هديب، قائد سلاح المدفعية المصري، حينئذ، والذي أصيب، كذلك، في تلك المعركة.

كان أقل ما يقدم، لشهيد الواجب، أن تخلد مصر ذكرى استشهاده، باعتبار، 9 مارس، من كل عام، “يوم الشهيد”، والذي تحيي فيه مصر، جيشاً وشعباً، ذكرى كل من ضحوا، ولا زالوا يضحون، بأرواحهم، فداءً لهذا الوطن، لننعم نحن، اليوم، بالأمن والاستقرار، وبالفخر أننا استعدنا أرضنا الغالية. فالقوات المسلحة لا تنسى، أبداً، فضل أبنائها، وأذكر أثناء إدارتي للشئون المعنوية، أننا كنا ننظم، سنوياً، احتفالاً يوم 6 أكتوبر، لتكريم الشهداء من الضباط، ويوم العاشر من رمضان، لتكريم الشهداء من الجنود، وضباط الصف علاوة، بحضور عائلاتهم. فضلاً عن فتح مكتب دائم، بمقر الإدارة، لتلقي شكاوى أسر الشهداء، والعمل على تذليلها، فوراً، مع توفير خدمات خاصة لهم، كرحلات الحج والعمرة، والعلاج بمستشفيات القوات المسلحة، والتكفل بمصروفات الدراسة، أو زواج، أبناء الشهداء، مع الاهتمام، بألا تكون مساهمتنا مادية، فحسب، وإنما بالمشاركة المعنوية، مثل الحرص على الوصول للنجوع والكفور لحضور الاحتفال بزواج أبناء شهداء الجنود، وهو ما لم يضاه، أبداً، حجم تضحيات أبنائهم، أو ذويهم.

ولعل من أهم ما لفت نظري، في الأعوام الماضية، ترسيخ السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، لمبادئ الوفاء، من خلال مبادرة سيادته باستقبال أسر شهداء القوات المسلحة، وأبناءهم، في كل عيد، بعد أداء الصلاة، لتهنئتهم بالعيد، وتقديم بعض الهدايا لأطفالهم، في محاولة لإدخال الفرحة على قلوب الصغار الذين فقدوا ذويهم، والأرامل اللائي فقدن عائلهن، وفي رسالة واضحة، بأن القوات المسلحة المصرية، وقائدها الأعلى، لا ينسوا، يوماً، تضحيات الأبناء، ولا يغفلوا، أبداً، عن آلام عائلاتهم، وهو ما يدفع القائد الأعلى للقوات المسلحة، للتواجد مع أسر الشهداء، خاصة في تلك الأيام الهامة، للتخفيف من بعض آلامهم.

وهكذا ستظل مصر فخورة، دوماً، بشهدائها الأبرار، حافظة لهم جميلهم، مقدرة عظم حجم تضحيتهم بأرواحهم في سبيل الله، لرفعة شأن الوطن، والحفاظ على سلامته، ووحدته … وستبقى مصر، أبد الدهر، قوية، بسلامة فطرة شعبها، وصلابة عقيدة رجالها من القوات المسلحة، وهو ما جعلها، اليوم، الدولة، الوحيدة، في المنطقة، التي تحظى بالوحدة، والاستقرار، وتتقدم، بخطى ثابتة، نحو النمو والرخاء، بفضل أبناءها المخلصين.



Email: sfarag.media@outlook.com