العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولأول مرة، تترنح الولايات المتحدة الأمريكية، أمام ضربات هذا الفيروس، متقدمة ترتيب جميع الدول، سواء فى أعداد الإصابات، أو الوفيات، بما دفع ترامب للظهور، بصورة شبه يومية، على كافة وسائل الإعلام، للتأكيد على إدارته، الشخصية، الحثيثة، للموقف، بعد أسابيع من استهانته بالموقف، فى بدايات اكتشاف الفيروس.

ترامب... وأزمة كورونا
 

لواء د. سمير فرج

 13 إبريل 2020


سوف يضع التاريخ فصلة، واضحة، بين أبوابه، ليؤرخ بها لعالم ما قبل كورونا، وما بعد كورونا.. إذ من المتوقع أن يتغير شكل العالم، وموازينه، بشدة، بعد مرور تلك الأزمة، لما ستتركه من آثار، واضحة، ستمتد لأجيال بعد أجيال، على كافة نواحى الحياة؛ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وسيما النفسية.

يعنينى اليوم، أن أتناول أحد تلك الأحداث، المتوقع أن يفرد لها التاريخ فصولًا، كاملة، من كتبه، لقوة مردودها، وامتداد انعكاساتها، ألا وهو موقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وإدارته لأزمة كورونا. ففى شهر ديسمبر، الماضى، ومع بدء هجوم فيروس كورونا، على الصين، ومنها لبقية دول العالم، كان ترامب يستعد لحملة انتخابية، للفوز بمدة رئاسية ثانية، لمدة 4 سنوات، جديدة، تبدأ من يناير 2021، وهو ما يعد حلم كل رئيس أمريكى، وصل للمكتب البيضاوى، فى البيت الأبيض، بأن يفوز بفترة ولاية ثانية، وإلا كان ذلك عارا على تاريخ هذا الرئيس. نجح الرئيس الأمريكى، ترامب، فى الحفاظ على مقعده الرئاسى، فى ديسمبر الماضى، بعدما فشلت كل محاولات الحزب الديمقراطى فى عزله من منصبه، بعد معركة دامت لشهور متتالية، وبات مؤكدًا، للجميع، أن ترامب سيخوض المعركة الانتخابية، فى شهر نوفمبر 2020، عن الحزب الجمهورى، واستطلاعات الرأى تشير لاحتمالات فوزه، بنسبة لا تقل عن 95%، على منافسيه من الديمقراطيين، عزز من تلك النسبة نجاح، ترامب، خلال فترة رئاسته الحالية، فى تحقيق أعلى معدل لنمو الاقتصاد الأمريكى، خلال الخمسين عاما الماضية، كما حققت البورصة الأمريكية أرباحًا كبيرة، لم تحققها فى أى عهد مضى. وانخفض معدل البطالة فى أمريكا إلى 4.7%، وهى أقل نسبة فى تاريخ الولايات المتحدة، فى السنوات الماضية، بما انعكس إيجابًا على الموازنة الأمريكية، التى حققت وفرًا ناتجا عن خفض تكلفة إعانة المتعطلين عن العمل. كما ارتفعت شعبية ترامب، بين العديد من الأوساط الداخلية، منها الزراعية، مثلًا، كمزارعى فول الصويا، فى ولايات الوسط الأمريكى، الذين عوضهم ترامب عندما توقفت الصين عن استيراد محاصيلهم، قبل أن تستأنف الصين الاستيراد، مرة أخرى، فى ظل زيادة الأسعار. ورغم ما صورته، بعض وسائل الإعلام، من رفض العامة لقراره بإغلاق الحدود مع المكسيك، وقراره بتعديل اتفاقات التجارة الحرة مع كندا، ودول أمريكا اللاتينية، إلا أن المواطن الأمريكى استشعر أهمية تلك القرارات لصالحه. وعليه، فقد هلت الأيام الأولى، من يناير 2020، والرئيس الأمريكى، وجميع من حوله، مطمئنون لتحقيق فوز ساحق فى انتخابات الرئاسة، فى نوفمبر 2021. فى تلك الأثناء، كانت إيران تتربص باستطلاعات الرأى، المشيرة لاحتمال فوز ترامب، الذى فرض عليها حصارًا اقتصاديًا، شديدًا، أثر، سلبًا، على كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، فى البلاد، متمنية انقلاب الأوضاع ضده، بما يمكن الحزب الديمقراطى من الوصول للبيت الأبيض، لرفع الحصار الاقتصادى عنها، وعودة العمل ببنود الاتفاق النووى، الأمريكي- الإيرانى، 5+1، كما كان عليه الوضع، قبيل مغادرة الرئيس باراك أوباما. تمنت إيران عدم فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ولم يكن لها إلى ذلك سبيلًا، إلا التمنى.. فجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، أو كما يقول المثل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فقد هاجم فيروس كورونا الصين، فى ديسمبر 2019، ثم عبر حدودها إلى شتى دول العالم، تباعًا، ولأول مرة، تترنح الولايات المتحدة الأمريكية، أمام ضربات هذا الفيروس، متقدمة ترتيب جميع الدول، سواء فى أعداد الإصابات، أو الوفيات، بما دفع ترامب للظهور، بصورة شبه يومية، على كافة وسائل الإعلام، للتأكيد على إدارته، الشخصية، الحثيثة، للموقف، بعد أسابيع من استهانته بالموقف، فى بدايات اكتشاف الفيروس.

على الجانب الآخر، بدا لإيران أن رحيل ترامب، أصبح واردًا، بل وشيكًا، بعدما انخفضت شعبيته، نسبيًا، بسبب إدارته لأزمة كورونا، بينما يرى عدد من المحللين أنه فى حال نجاح ترامب فى السيطرة على انتشار فيروس كورونا، بتقليل أعداد الإصابات والوفيات، عن معدلاتها العالمية، خلال شهرى إبريل ومايو، كما وعد، فسيكون قد حقق نجاحًا كبيرًا، أما الضربة القاضية فتكمن فى نجاح الأجهزة، والمؤسسات الأمريكية، فى اكتشاف علاج لفيروس كورونا، ومصل للتطعيم ضده.. فى هذه الحالة سينطلق، ترامب، مرة أخرى، إلى سابق مجده، وستصل شعبيته عنان السماء، وتصاب إيران بخيبة أمل، كبيرة، ولن يكون أمامها، خلال السنوات الأربع، القادمة، لترامب فى البيت الأبيض إلا إعلان استسلامها، الكامل، لشروط ترامب للتخلى عن سلاحها النووى.

وفى سياق متصل، وكما نردد، فالنجاح له مائة أب، أما الفشل فله أب واحد.. لذا فى حالة عدم نجاح الإدارة الأمريكية فى التصدى لفيروس كورونا، وارتفعت معدلات الوفاة، مصحوبًا بالتأخر فى اكتشاف اللقاح، والمصل اللازمين، مع احتمالية وصول دول أخرى إلى العلاج قبل الولايات المتحدة، خاصة لو كانت الصين، فسيعتبر ترامب هو المسؤول، الوحيد، عن هذا الفشل، وبالتالى يفقد احتمالات وصوله لفترة رئاسية ثانية بالبيت الأبيض.. ومع تردى الأوضاع حاليًا، يظن البعض أنهم يسمعون همسات ترامب فى صلواته يدعو الله ألا يكون «الرئيس الذى أضاعته كورونا».



Email: sfarag.media@outlook.com