العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى كل عام استعيد ذكرى هذا اليوم بكل تفاصيله، الذى كنت فيه أحد ضباط غرفة عمليات القوات المسلحة، فتلك التفاصيل لم تفارقنى يوماً، وكأنها كانت بالأمس القريب، عندما دخلنا غرفة العمليات فى الصباح، وكل من بداخلها على علم بأن اليوم، هو يوم الهجوم، واقتحام قناة السويس.

فى ذكرى انتصارات السادس من أكتوبر
 

لواء د. سمير فرج

 7 أكتوبر 2021


يهل علينا شهر أكتوبر، كل عام، حاملاً مع أغلى وأجمل ذكريات العمر للشعب المصرى وقواته المسلحة، التى حققت فى هذا الشهر أغلى انتصارات الأمة المصرية فى العصر الحديث، وهو انتصار حرب أكتوبر 1973.

ولعل الأجيال الجديدة من أبناء الشعب المصرى، ممن لم يعاصروا تلك الفترة، لا يعلمون أنه يوم واحد فحسب، وإنما حقبة كاملة، بدأت من يوم هزيمة يونيو 67، عندما استولى العدو الإسرائيلى على شبه جزيرة سيناء، بالكامل، ورفع أعلامه على الضفة الشرقية لقناة السويس، وتوقفت حركة الملاحة فى القناة، لتبدأ بعدها حرب الاستنزاف، التى حارب فيها الشعب المصرى وجيشه العظيم، ملحمة دامت ست سنوات، تم خلالهم تهجير ثلاث مدن هى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، بالتزامن مع إعادة تسليح وتنظيم وتدريب الجيش المصرى على الأسلحة الجديدة، والتخطيط لحرب أكتوبر 73 والتدريب على الخطة. وجاء يوم السادس من أكتوبر لتبدأ القوات المسلحة المصرية أعظم حروبها فى التاريخ الحديث، وتحقق نصراً مبيناً على الجيش الإسرائيلى، الذى طالما أدعى أنه الجيش الذى لا يقهر!

وفى كل عام استعيد ذكرى هذا اليوم بكل تفاصيله، الذى كنت فيه أحد ضباط غرفة عمليات القوات المسلحة، فتلك التفاصيل لم تفارقنى يوماً، وكأنها كانت بالأمس القريب، عندما دخلنا غرفة العمليات فى الصباح، وكل من بداخلها على علم بأن اليوم، هو يوم الهجوم، واقتحام قناة السويس ... وبدأت البلاغات الأولى تتوالى، من استلام المهمة للقادة بتوقيت الهجوم، وتمام استعداد مجموعة المدمرات والغواصات فى البحر الأحمر، لتنفيذ مهمة إغلاق مضيق باب المندب، أمام الملاحة الإسرائيلية.

وفى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا، رفعنا خرائط التدريب من على جدران مركز العمليات، لنضع خرائط الخطة جرانيت، لاقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وتكوين رأس كوبرى بعمق 15 كم شرق قناة السويس. وفى الواحدة ظهراً، وقبل بدء الهجوم، حضر الرئيس محمد أنور السادات، إلى غرفة العمليات، يتبعه جنود يحملون الشطائر والعصائر، ليبلغنا بأن فضيلة مفتى الديار المصرية قد أباح لنا، نحن المقاتلون على الجبهة، الإفطار فى رمضان. وبدأ الجنود فى توزيع الشطائر والعصائر، والحقيقة أن الجميع وضعوها فى الأدراج، فمن منا يهتم بطعام أو شراب فى تلك اللحظات الحاسمة من عمر الوطن.

وبدأ العد التنازلى لشن الحرب، وتلقينا البلاغات بوصول قواتنا خلف الخطوط، فى عمق سيناء، لإبلاغنا عن تحرك احتياطيات الجانب الإسرائيلى، وما هى إلا دقائق حتى انطلقت قواتنا الجوية فى ضربتها الأولى، معلنة بدء الهجوم، ورأينا على شاشات مركز العمليات، طائراتنا الحربية تعبر القناة، فتيقنا حينها أن المعركة قد بدأت، بعد سنوات وسنوات من الانتظار ... وبدأت البلاغات تتوالى بسقوط نقاط خط بارليف ... وعبور موجات الاقتحام الأولى وفقاً لخطة التوجيه 41، التى أعدها الفريق سعد الدين الشاذلي.

ومازلت أتذكر أن أجمل خبر أسعدنى يوم السادس من أكتوبر 73، هو التقاط المخابرات الحربية المصرية، لإشارة لاسلكية موجهة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، لجميع طياريه، بمنع الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم، بعدما شاهد كثافة حائط الصواريخ المصرى، على شاشة الرادار الإسرائيلي. أرسل تلك الرسالة دون تشفير، غير عابئ بالتقاطنا لها، أمام محاولة إنقاذ قواته ... ساعتها تيقنت أن الهجوم المصرى سينجح، وأن قواتنا البرية ستعبر القناة، وتقتحم خط بارليف، بعدما تمكنت من شل حركة القوات الجوية الإسرائيلية، وتحييد قدرتها على التدخل فى هذه العملية ... فكان لرجال الدفاع الجوى المصرى فضل عظيم وكبير، فى تحقيق النصر فى ملحمة أكتوبر 73.

وبعد اقتحام الموجات الأولى من قوات المشاة لخطة بارليف، واندفاعها فى عمق سيناء، بدأ رجال المهندسون العسكريون فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى، بواسطة مضخات المياه، تلك الفكرة العبقرية التى اقترحها اللواء باقى زكى يوسف، الضابط المهندس، اعتماداً على خبرته فى بناء السد العالى، ونجحت قواتنا فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى بارتفاع 20 مترا فى أربع ساعات, وبعد عبور موجات العبور، وعددها 12، بالقوارب المطاطية، ومع آخر ضوء، تقدمت عربات الكبارى لتلقى بالبراطيم فى قناة السويس،لإنشاء خمسة كبارى، بمعدل كوبرى لكل فرقة مشاة. ومع سطوع القمر، كانت الكبارى قد اكتملت، فاندفعت الدبابات المصرية فى مهمة العبور للضفة الشرقية، يليها وحدات المدفعية، وعربات القيادة على مختلف المستويات.ومع صباح يوم السابع من أكتوبر، كانت فرق المشاة الخمس، بقوام 200 ألف مقاتل مصرى، قد وصلت للضفة الشرقية للقناة، وأسقطت نقاط خط بارليف، وتصدت ودمرت كل الاحتياطات المدرعة الإسرائيلية، التى فشلت فى تدمير قواتنا التى عبرت القناة.

وفى يوم العاشر من أكتوبر من عام 1973، ذلك اليوم الأسود فى تاريخ إسرائيل، وقفت جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، حينها، وبجانبها وزير دفاعها، موشى ديان، فى مؤتمر صحفى عالمى، لتعلن هزيمة إسرائيل، وتعترف بأن بلادها تصارع، فى تلك اللحظة، من أجل البقاء.ورغم الدعم الرهيب الذى وفرته الولايات المتحدة، بمد جسر جوى لإسرائيل لإمدادهابأحدث الأسلحة العسكرية فى الترسانة الأمريكية، إلا أنها لم تتمكن من النيل من عزيمة المقاتل المصرى،التى حققت هذا النصر العظيم.تلك العزيمة التى شهد لها الجنرال شارون، فى مناظرة لى معه، فى أعقاب الحرب، عندما سأله خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن IISS، عن أكبر مفاجأة تلقاها الإسرائيليون فى حرب أكتوبر، فقال الجندى المصرى الجديد.

وهكذا يظل يوم السادس من أكتوبر رمزاً لفخر الشعب المصرى وجيشه العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com