العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

كانت مجموعة الضباط الأحرارقد اختارت اللواء محمد نجيب ليكون قائداً للحركة، باعتباره الأعلى رتبة بين أعضائها، ولما يتمتع به من سمعة حسنة، داخل الجيش المصرى، فكان اختياره واحداً من أهم عوامل نجاح هذه الثورة.

23 يوليو.. ثورة شعب

 

لواء د. سمير فرج

 21 يولبو 2022


بعد حرب 1948، وضياع فلسطين، ظهر تنظيم الضباط الأحرار، بقيادة البكباشى جمال عبد الناصر، ليقود ذلك التنظيم الحركة المباركة، التى عُرفت،لاحقاً، باسم ثورة 23 يوليو، تلك الثورة التى أُطلق عليها اسم الثورة البيضاء، إذ لم ترق فيها نقطة دم واحدة. ونجحت قيادة الثورة، فى إجبار الملك فاروق الأول، على التنازل عن العرش، لولى عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد فى 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، قبل أن يتم إلغاء الملكية، وإعلان قيام الجمهورية فى 18 يونيو 1953.

كانت مجموعة الضباط الأحرارقد اختارت اللواء محمد نجيب ليكون قائداً للحركة، باعتباره الأعلى رتبة بين أعضائها، ولما يتمتع به من سمعة حسنة، داخل الجيش المصرى، فكان اختياره واحداً من أهم عوامل نجاح هذه الثورة، التى أذاعت بيانها الأول، بصوت محمد أنور السادات، وأعلنت الثورة مبادئها الستة؛ وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، ثم إقامة جيش وطنى قوى، وإقامة عدالة اجتماعية، وسادساً إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

وكما لكل ثورة من إيجابيات وسلبيات، إلا أن إيجابيات ثورة يوليو 1952، طغت على سلبياتها، فمن أهم انجازات هذه الثورة، على الصعيدالسياسى، كان نجاحها فى استرداد الكرامة، بالاستقلال عن المستعمر الإنجليزى الذى كان يأمر وينهى فى البلد، وأعادت السيطرة على مقاليد الحكم، فى مصر، لأيدى المصريين، ونجحت فى إلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية، ثم توقيع اتفاقية الجلاء، وخروج الإنجليز عن تراب الوطن، وما تلا ذلك من إلغاء دستور 1923، وإعلان اللواء محمد نجيب أول رئيس مصرى للجمهورية، فى 18 يونيو 1953.تلك الجمهورية التى حققت نصراً سياسياً، رغم حداثة عهدها، فى عام 1956، ضد أقوى ثلاث دول، فى هذا التوقيت، إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وشكلت حافزاً لكل الدول النامية أن تقف فى وجه الاستعمار، وذاع صيت عبد الناصر، آنذاك، فى العالم الغربى، وتغيرت صورة مصر من دولة مُحتلة من بريطانيا، إلى دولة قوية مؤثرة فى العالم نجحت، فى نفس العام، فى تأميم قناة السويس، وإعادتها لأبنائها ومستحقيها.

كما أضافت الثورة لمساتها على المجال الثقافى بإقامة قصور الثقافة والمراكز الثقافية، وتوسيع قاعدتها فى مصر، لتنتشر الحركة الثقافية فى ربوع مصر، خاصة فى الريف، الذى كان محروماً من كل أفرع الثقافة، كما تم إنشاء أكاديمية الفنون، لتكون أعظم صرح ثقافى علمى فى الوطن العربى، حتى يومنا هذا. وعلى المستوى الاجتماعى تُعتبر ثورة يوليو بداية العصر الذهبى للطبقات الأقل دخلاً، فى المجتمع المصرى، بصدور قانون الملكية فى 9 سبتمبر 1952، لتقضى بذلك على الإقطاع، وتم تمصير وتأميم التجارة والصناعة، التى كانت، قبلها، حكراً على الأجانب، فذابت، بذلك، الطبقات بين أفراد الشعب. كما حررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعى، وأصبحت ملكية الأرض الزراعية لمن يزرعها، وأقامت الدولة السد العالى عام 1961، لينعم معظم أنحاءمصر بالكهرباء، وتحول نظام رى الأراضى من الزراعة بطريقة الحياض، فى أيام الفيضان، فقط، إلى زراعتها طوال العام.

وتبنت مصر، فى ذلك الوقت، مبدأ القومية العربية، وقاد عبدالناصر حشد طاقة الأمة العربية التى نادى بها من المحيط للخليج، وأسهمت ثورة يوليو فى تحقيق أول وحدة عربية بين مصر وسوريا، والتى رغم أنها لم يُكتب لها النجاح، إلا أنها كانت بوابة لتحقيق الحلم العربى فى يوم من الأيام. كما أسهمت ثورة يوليو فى تدعيم ثورات الاستقلال، فى الكثير من البلاد العربية والإفريقية، حيث أسهمت فى استقلال الكويت، وساعدت اليمن الجنوبى فى ثورته ضد المحتل، وساندت الثورة الليبية ضد الاحتلال، ودعمت الثورات فى تونس والجزائر والمغرب حتى الاستقلال.وكانت ثورة يوليو أكبر داعم للنضال الفلسطينى،وكان الرئيس جمال عبدالناصر أول من قدم ياسر عرفات كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينى، ليصبح حقيقة راسخة أمام العالم كله. كما شكلت مصر حركة عدم الانحياز، مع يوغوسلافيا والهند، وتبوأت مكانة دولية كبيرة، فى ذلك الوقت، بين القطبين الأعظم الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتى. ووقعت مصر صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955، وبدأت مسار بناء قواتها المسلحة، بعيداً عن الشروط التى وضعتها بريطانيا لتقييد حجم القوات المسلحة المصرية.

كما دعمت ثورة يوليو 1952، نشاط الأزهر الشريف فى الدول الإفريقية والآسيوية، وحققت انتشاراً كبيراً فى الدول الإفريقية، بدعمها كل حركات التحرر والاستقلال، وبترسيخ وجودها الاقتصادى فى تلك الدول، من خلال الشركات المصرية، ومنها شركة النصر للاستيراد والتصدير. وبناءً على متانة العلاقات الاقتصادية مع معظم الدول الإفريقية، حققت مصر انتصاراً، جديداً بإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، التى شكلتها كل من مصر وإثيوبيا والسودان، قبل أن تنضم إليها جميع الدول الإفريقية، لتجمع تحت مظلتها الدول الإفريقية المناضلة ضد الاستعمار، وحتى يومنا هذا، لا تخلو دولة إفريقية من شارع يحمل اسم الرئيس جمال عبدالناصر.

وإن كان لثورة يوليو بعض الأخطاء، فأعتقد أن أولها كان التدخل العسكرى فى اليمن، الذى كان له تأثير سلبى كبير على مصر، سواء عسكرياً، أو اقتصادياً أو اجتماعياً... ورغم ذلك تظل ثورة 23 يوليو ثورة عظيمة، ومحطة فاصلة، يؤرخ لمصر بما قبلها وما بعدها، ولا تزال، فى نظر العالم، أحد أهم الثورات الإنسانية فى التاريخ المعاصر.



Email: sfarag.media@outlook.com