العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أبرز الفيلم، الوثائقي الغربي، بوضوح، التحول من نبرة الغرور ... إلى نبرة الإنكسار ... في صوت منخفض ... ونظرات يائسة.

 شريط ... موشي ديان

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

وصلني هذا الأسبوع ... من أحد أصدقائي في الخارج ... جزءاً من فيلم وثائقي، أجنبي، عن حرب أكتوبر 73 ... يتناول الفيلم مجموعة من الأحداث، والصور التي توثق الحرب. وكان من ضمن أجزاء الفيلم، حوارات مسجلة تقارن بين موقف موشي ديان في أعقاب حرب 67 ... وموقفه مع بداية حرب أكتوبر 73 ... تحديداً يوم 8 أكتوبر.

وجدير بالذكر أن موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، قد اعتبره البعض، بعد حرب 67، بطلاً عظيماً، نظراً لما روجه عن نفسه في وسائل الإعلام الإسرائيلية، والغربية، عن تمكنه من هزيمة ثلاثة دول عربية، واحتلال أجزاء كبيرة من أراضيها ... فقد هزم الجيش الجيش المصري، واحتل شبه جزيرة سيناء بالكامل ... وهزم الجيش الأردني، واستولى على الضفة الغربية ... وهزم الجيش السوري، واحتل هضبة الجولان ... كل ذلك في ستة أيامفقط ... ونجح في تسويق حرب 67، في الإعلام الغربي، باسم "حرب الستة أيام". فما كان من الرئيس السادات بذكاءه السياسي ... ودهاءه العسكري، بعد تحطيم خط بارليف، وعبور قناة السويس في73، إلا أن يطلق على حرب أكتوبر 73 اسم "حرب الست ساعات"، موجهاً رسالة للغرب، ولموشي ديان شخصياً، بأن القوات المسلحة المصرية قد حطمت الأسطورة الإسرائيلية، وحطمت خط بارليف المنيع، وعبرت القناة في ستة ساعات.

ونعود مرة أخرى إلى الفيلم الوثائقي، حيث ركز المقطع الخاص بموشي ديان على غروره، وصلفه، بعد انتصاره في يونيو 67، إذ قال، متهكماً، "إنني أجلس بجوار الهاتف، منتظراً مكالمات القادة العرب لتحديد موعد لهم للحضور إلى إسرائيل، لإعلان استسلامهم ... وقبول الشروط الإسرائيلية للتسليم"، قاصداً، بالطبع، الرئيس جمال عبد الناصر. وفي سؤال آخر له عن أن العرب، سيريدون، بالتأكيد، استعادة أراضيهم، جاء رده سريعاً "عليهم، إذن، أن يحاربونا". وفي سؤال وجه له وهو واقفاً على الضفة الشرقية لقناة السويس، وأمامه الضفة الغربية، عما سيفعل لو كان مكان المصريين الآن، وهل سيقرر الهجوم، كان رده بأنه لا ينصح المصريين بذلك، لأن دمارهم سيكون عنيفاً، عندئذ! وفي تعليق للراوي الأجنبي في الفيلم، عن ردود موشي ديان، قال "إن موشي ديان لم يكن مغروراً ... وإنما الغرور مصنوعاً منه!"

وانتقل الفيلم الوثائقي، في فقرته التالية، مباشرة، إلى ما بعد عبور المصريين لقناة السويس، وسقوط خط بارليف ... فيصور الفيلم، الهلع الذي أصاب إسرائيل، عندما فوجئت بالحرب، وبلغت خسائرها البشرية، في الأيام الأولى منها، أكثر من 1000 قتيل وجريح. وظهر موشي ديان يوم 8 أكتوبر ... بنبرة مختلفة تماماً هذه المرة ... لم يعهدها منه العرب أو الغرب ... ليصرح بصوت منكسر ... وخائف ... قائلاً "إن إسرائيل تحارب بقسوة الآن ... حرباً مريرة... من أجل البقاء" ... هل كان لأحد أن يتصور أن يصدر هذا التعليق من شخص مثل موشي ديان ... بكل الغرور المعروف عنه!! وأضاف في ذات الحديث، بأن المصريين يقاتلونهم بشراسة لم يعهدها الإسرائيليين من قبل، إلا أنهم مازالوا يحاولون الصمود. ثم بدأ ينعي قتلاه ويوجه كلمات المواساة لأسرهم. أبرز الفيلم، الوثائقي الغربي، بوضوح، التحول من نبرة الغرور ... إلى نبرة الإنكسار ... في صوت منخفض ... ونظرات يائسة. ثم ظهر ديان، مرة أخرى، بصحبة رئيسة الوزراء الإسرائيلية، آنذاك، جولدا مائير، في اليوم التالي، في 9 أكتوبر 1973، في مؤتمر صحفي، ليعلنا إلى العالم هزيمة إسرائيل في هذه الحرب.

وتفيد التقارير، التي صدرت عن الحرب في ذلك اليوم، بأن إسرائيل كانت قد اتخذت قراراً بالاستعداد لاستخدام قنبلتين نوويتين، زنة 5 كيلو جرامات للواحدة، إحداهما في اتجاه قوات الجيش الثاني الميداني المصري، شرق القناة، والثانية في اتجاه قوات الجيش الميداني الثالث، شرق القناة ... بهدف إيقاف تقدم القوات المصرية شرقاً. وفي هذا اليوم، مدت الولايات المتحدة الأمريكية، جسراً جوياً، من قواعدها الموجودة بألمانيا، لتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر والمعدات في أسرع وقت، لإعانتها في الحرب أمام الجيش المصري.

والسؤال هنا ... من الذي كسر غرور موشي ديان وحطم كبرياءه بين 67 و73؟ إنه الجيش المصري الباسل ... والشعب المصري العظيم. لقد كانت الظروف التي مر بها وطننا في أعقاب هزيمة 67، أسوأ، وأقسى، وأمر مما نمر به الآن ... أذكر أن كل أسرة مصرية كان مقرراً لها دجاجتين في الشهر، تصرفا ببطاقات التموين، وأذكر عبد الناصر يناشد شعبه بالاكتفاء بكوب واحد من الشاي بدلاً من أربع ... واستجاب الشعب المصري  ... وصمد ...وتحمل. ولما تم تهجير مدن القناة بأكملها ... بورسعيد والإسماعيلية والسويس ... لم يتذمر أهاليهاوهم تاركين وراءهم مساكنهم، وحياتهم، وأعمالهم... بل ساندوا القرار لثقتهم بأن فيه مصلحة الوطن. توقفت، آنذاك، جميع أعمال التنمية، والتطوير، والصيانة ... لم ينشأ طريق واحد جديد في مصر ... لم تقم أي مدينة جديدة ... وجهت كل الموارد للمجهود الحربي ... ولم يتظاهر أحد ... فبالرغم من مرارة الهزيمة، إلا الشعب وثق في قدرة قواته المسلحة على تحقيق النصر. كانت تلك روح أكتوبر التي سادت بين الشعب والجيش.

واليوم، ونحن نحلل المشهد في مصر، خاصة وأن المنطقة تعيش أجواء الحروب، وإن كانت حروباً غير تقليدية، فإننا نقر بوجود أزمات، ولكنها ليست أسوأ مما كنا فيه في أعقاب هزيمة 67 ... لذلك أرى أن سبيلنا الوحيد لعبور هذه الأزمات، هو أن نتكاتف جميعاً، ونلتف حول دولتنا وقيادتنا، لنتغلب على تلك الصعاب ... فلنستلهم روح أكتوبر، ونعيدها من جديد. ولنا في موشي ديان عبرة ... الذي قضى الشعب المصري وجيشه، على غطرسته وغروره. واليوم ونحن نرى الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل بكل غطرسة وتكبر على نشر الفوضى في كل ربوع مصر، وتعمل على النيل من الشعب المصري والجيش المصري، فليس علينا إلا التصدي لكل تلك المحاولات، وعدم إتاحة الفرصة لشق الصف ... وأنا على يقين من أننا سنعبر هذه الأزمات، مثلما عبرنا قناة السويس وحطمنا خط بارليف في ستة ساعات.

Email: sfarag.media@outlook.com