العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولكننى سأستشهد هنا بوزير الدفاع الأمريكى الأسبق، ليون بانيتا، الذى تولى أرفع وأدق المناصب فى الولايات المتحدة الأمريكية، فى عهد الرئيسين بيل كلينتون، وباراك أوباما، حتى عام 2013.

المشير طنطاوى
 

لواء د. سمير فرج

 23 سبتمبر 2021


فى حياة الشعوب رجال تضعهم الأقدار لقيادة بلادهم فى ظروف حالكة حتى يعبروا بها إلى بر الأمان، هكذا كان المشير طنطاوى الذى ولد عام 1935 فى حى عابدين، وتخرج فى الكلية الحربية عام 1956، ليخوض خمس حروب، ويكون أول ضابط مصرى يخوض هذه الحروب الخمس، حرب 56، وحرب 67، وحرب الاستنزاف، وحرب 73، التى كان فيها بطل معركة المزرعة الصينية أحد أهم معارك حرب أكتوبر 73، ثم حرب الخليج 1991، بصفته رئيس هيئة العمليات التى خططت لدور القوات المصرية فى هذه الحرب.

كان أول لقاء لى مع المشير طنطاوى، رحمه الله، وأنا طالب فى الكلية الحربية حيث كان يدرس لنا النقيب طنطاوى مادة التكتيك، قبل أن ينتقل الرائد حسين طنطاوى من الكلية الحربية المصرية ومعه مجموعة من الضباط المصريين إلى الجزائر لإنشاء وتطوير الكلية الحربية الجزائرية فى شرشال، لتتخرج على يديه مجموعة كبيرة من ضباط الجيش الجزائري.

وبعد حصوله على كلية أركان حرب تولى قيادة الكتيبة 16 مشاة خلال فترة حرب الاستنزاف حتى جاء يوم السادس من أكتوبر 73، ليعبر مع كتيبته قناة السويس، فى منطقة الدفرسوار، ويقتحم خط بارليف، ضمن قوات اللواء 16، من الفرقة 16 مشاة.وعند وصول كتيبته، إلى رأس الكوبرى، قام العدو الإسرائيلى بهجمات مضادة، نجحت الكتيبة فى صدها جميعاً، لتبدأ، بعدها، معركة "المزرعة الصينية"، عندما استنفد العدو الإسرائيلى جميع محاولاته للقيام بالهجمات والضربات ضد رءوس الكبارى، فبدأ فى تنفيذ "خطة الغزالة"، التى أعدها الجنرال شارون، لإحداث اختراق تنفذ منه القوات الإسرائيلية إلى القناة، بما يمكنها من إنشاء كوبرى تنفذ منه إلى غرب قناة السويس.

وقع اختيار القيادة الإسرائيلية على موقع "المزرعة الصينية"، ضد موقع الكتيبة 16 مشاة، بقيادة المقدم حسين طنطاوى، فى ليلة 16 أكتوبر، فقام العدو الإسرائيلى بالدفع بقوة لواء مظلى، ولواء مدرع، من مجموعة الجنرال ماجن، لمهاجمة دفاعات الكتيبة 16 مشاة، وتم تدمير القوات الإسرائيلية بالكامل، ونجحت معركة المزرعة الصينية فى صد هجوم القوات الإسرائيلية، فكانت أهم معارك حرب أكتوبر 73، وفشلت خطة الغزالة التى خطط لها شارون، مما اضطره لتعديلها، بمحاولة العبور من منطقة البحيرات.

تدرج، بعدها، المشير طنطاوى بوظائف قيادية فى سلاح المشاة، حتى قاد الجيش الثانى، قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربى، والذى استمر فيه حتى اندلاع أحداث ٢٥ يناير 2011، ليجد نفسه على رأس المجلس العسكرى، مكلفاً بإدارة شئون البلاد، والتى أعتبرها أهم فترات تاريخه العسكرى والسياسي. فأصدر أوامره، منذ اليوم الأول، بعدم إطلاق النيران، مهما حدث، وظل قراره سارياً، حتى تسليم السلطة، بعد انتخابات عام 2012. فقد رأى أن طلقة واحدة، من شأنها إغراق مصر فى بحر من الدماء، لتصبح بعدها مثل سوريا والعراق، وهو ما كانت جماعة الإخوان الإرهابية تستهدفه، بمحاولة إحداث الفتنة بين الشعب وقواته المسلحة، من خلال إطلاقهم النيران من أعلى أسطح العمارات، فى ميدان التحرير، فى الأيام الأولى لأحداث يناير 2011.

وقد تكون شهادتى، فى حق المشير طنطاوى، مجروحة، بحكم العلاقة، التى تطورت إلى صداقة، على مدى ما يزيد عليِ ٢٠ عاماً. ولكننى سأستشهد هنا بوزير الدفاع الأمريكى الأسبق، ليون بانيتا، الذى تولى أرفع وأدق المناصب فى الولايات المتحدة الأمريكية، فى عهد الرئيسين بيل كلينتون، وباراك أوباما، حتى عام 2013، بدءاً من رئيس ديوان البيت الأبيض لمدة 8 سنوات، ثم رئيس لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA). فمنذ ثلاثة أعوام، كان ليون بانيتا فى زيارة إلى القاهرة، وخلال العشاء الذى جمعنى به، تحدث عن بعض تفاصيل المحادثات الهاتفية بينه، كوزير للدفاع الأمريكى، وبين المشير طنطاوى، بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى كان يدير البلاد، فى هذه الفترة الحرجة، وشهد بانيتا، أن فترة حكم المجلس العسكرى، كانت السبب الرئيسى فى الحفاظ على أمن واستقلال ووحدة مصر، ولولاها لتدهورت الأمور مثلما حدث بسوريا والعراق. وأضاف بانيتا، أنه يكن كل الاحترام والتقدير للمشير طنطاوى، كرجل عظيم، أدار دفة البلاد بحكمة وكياسة، طوال عشرين شهراً، مؤكداً أن التاريخ المصرى سيفرد، يوماً، فصولاً كاملة عن تلك الفترة.

كان المشير طنطاوى يعشق كرة القدم منذ طفولته فى حى عابدين، وقد ظل يمارس تلك الرياضة، حتى وهو وزير للدفاع، فكان يغادر الاجتماع الأسبوعى لمجلس الوزراء، كل يوم أربعاء، إلى الصالة المغطاة، بالاتحاد الرياضى، حيث يكون مجموعة منا فى انتظاره، لنلعب مباراة تستمر لأكثر من ثلاث ساعات. ولحبه فى الرياضة، وإيماناً منه بدورها، فقد دعم جهاز الرياضة بالقوات المسلحة، وأنشأ المدارس الثانوية الرياضية، خاصة فى صعيد مصر، لاكتشاف المواهب الرياضية فى السن المبكرة من حياتهم. وفى يوم من الأيام استأذن السيد الرئيس فى بناء استاد رياضى، ليكون الأضخم فى أفريقيا، وبما يليق باسم مصر، وهو استاد برج العرب حالياً. تميز المشير طنطاوى، رحمة الله عليه، بالبساطة الشديدة فى حياته الشخصية، التى تشبه حياة عموم المصريين؛ فكانت والدته، رحمها الله، بالنسبة له هى الدنيا وما فيها، إذ توفى والده وهو فى سن صغيرة، وتولت والدته جميع شئونه، فتعلم منها الكثير والكثير، وشهد لقرينته الفاضلة بما بذلته من جهد لتولى مسئولية الأبناء، خلال سنوات خدمته العسكرية. وهكذا ودعت مصر ابنها البار، بعد ملحمة كبيرة من العطاء، لكنه سيظل فى قلوب المصريين كبطل قدم حياته لها، وجزء أصيل من تاريخ هذا الوطن العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com