العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فى الخامس من فبراير من عام 2003، عقد مجلس الأمن جلسة خاصة، بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، انطلق خلالها وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، كولن باول، فى خطاب مطول أمام أعضاء المجلس، مستعرضا ما اعتبرته بلاده أدلة دامغة على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وإيوائها لعناصر إرهابية من تنظيم القاعدة

هل يعيد التاريخ نفسه فى سوريا؟
 

لواء د. سمير فرج

 13 إبريل 2017



أعلن وزير الخارجية الأمريكي، حينئذ، أن طلبه لعقد هذه الجلسة قد بُنى على سببين أساسيين. أولهما، هو عرض، ودعم، ما قدمه كل من الدكتور هانز بليكس، والدكتور محمد البرادعى من تحليلات أساسية عن الأزمة العراقية، وموقفهما منها. وثانيهما، هو تزويد أعضاء المجلس بمعلومات وبيانات إضافية، من عدة مصادر أمريكية، وأخرى غير أمريكية، عبارة عن تسجيلات لمكالمات هاتفية تم اعتراضها، أو صور تم التقاطها بواسطة الأقمار الصناعية، تشير جميعها، وفق روايته، إلى وجود أسلحة دمار شامل بالعراق،كما تظهر محاولات النظام العراقى لإخفاء أدلة، عن أعين المفتشين الدوليين، مرتبطة بقيامه بإنتاج المزيد من تلك الأسلحة، فضلاً عن محاولاته لإخفاء برنامجه لإنتاج صواريخ باليستيه، يصل مداها إلى أكثر من ألف كيلو متر.

واختتم كولن باول خطابه، أمام مجلس الأمن، بقوله إن صياغة القرار رقم 1441، الصادر فى الثامن من نوفمبر 2002، ليس الهدف منه الدخول فى حرب، وإنما الحفاظ على السلام، وذلك بإعطاء العراق فرصة واحدة،وأخيرة، لنزع أسلحتها، وإلا واجهت عواقب وخيمة، وصار لزاماً على الدول الأعضاء، فى هذا المجلس، ألا يتخلفوا عن واجباتهم، ومسئولياتهم فى حماية مواطنى بلادهم.

ولم تمض سوى أيام قلية، حتى استيقظ العالم على خبر غزو العراق، بدعوى امتلاكها أسلحة الدمار الشامل، فدُمرت تدميراً وشُرد أبناؤها وقتل الآلاف من مواطنيها وعُذب الكثيرون بسجن أبو غريب واعتقل آخرون فى السجون الأمريكية فى جوانتانامو. وضاعت العراق ولم يبق منها سوى ذكراها كواحدة من أكبر، وأغنى الدول العربية، وأقواها جيشاً، بل أن شبح التقسيم يخيم عليها، وبات وشيكا أن تقسم إلى دويلات، إحداها كردية فى الشمال، وأخرى سنية، وثالثة شيعية ضاعت العراق بالرغم من ثبوت كذب ادعاء الولايات المتحدة بامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل. وهو ما يبدو أنه كان الهدف الأساسى من الغزو الأمريكي، بدليل عدم وضع أى خطة أو برنامج لضمان استقرار العراق بعد الغزو.

وفى فصل آخر من فصول التاريخ الحديث. وفى سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخ السياسة الخارجية البريطانية، أصدرت لجنة الشئون الخارجية، فى مجلس العموم البريطاني، فى منتصف شهر سبتمبر من العام الماضي، تقريراً أدانت فيه التدخل العسكرى فى ليبيا، الذى قامت به كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2011، بدعم من حلف الناتو، وبتأييد العديد من دول العالم. إذ ذكر التقرير أن الهدف من هذا التدخل العسكري، كان حماية المدنيين، إلا أن وجهته تحولت إلى تغيير النظام الليبي، والإطاحة بالقذافي.

وأكد التقرير وجود خيارات أخرى، غير العسكرية، كان من شأنها التوصل إلى حل سلمى فى ليبيا، دون الحاجة إلى شن تلك الحرب. وخلص التقرير إلى أن التحرك العسكرى البريطاني، فى ليبيا، كان جزءاً من خطة تدخل عسكري، سيئة التخطيط، فجاءت نتائجها مخيبة للآمال. وألقى التقرير باللوم، مباشرة، على رئيس الوزراء البريطانى السابق ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزي، مضيفاً أن الخطة العسكرية الموضوعة قد بُنيت على معلومات غير دقيقة، إضافة إلى افتقادها، وتجاهلها لعنصر مهم، وهو خطة ما بعد رحيل القذافي، بما يضمن استقرار الأوضاع فى البلاد. ومرة أخرى، ضاع بلد عربى آخر. وصارت ليبيا مركزاً للعناصر الإرهابية الوافدة إليها من كل حدب وصوب. ولا يعلم إلا الله، إذا ما كانت الأوضاع ستستقر بها، أم سيتم تقسيمها هى الأخرى، بعد نهب جميع ثرواتها ومواردها!

وفى الأسبوع الماضي، شنت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة صاروخية على أحد القواعد الجوية فى سوريا، بزعم أن قصف قرية خان شيخون السورية، بغاز السارين، قد تم بواسطة طائرات،تابعة للنظام السوري، خرجت من هذه القاعدة. وكالعادة لم تقدم الولايات المتحدة أية أدلة لدعم مزاعمها، ولا حتى صورا من الأقمار الصناعية لتؤكد قيام الطائرات السورية بتلك العملية.

ازداد الوضع تعقيداً، فى سوريا، بعد هذه الضربة الأمريكية، وتعثرت الآمال المعقودة بشأن التوصل لحل سياسى ودبلوماسي، يضمن وحدة الأراضى السورية، مع الإبقاء على الحق الأصيل للشعب السورى فى تقرير مصيره، وتحقيق مطالبه فى الاستقرار، وعودة أبنائه اللاجئين والمشتتين فى مختلف بقاع الأرض.

والآن لنتدبر الأمر. العراق تم تدميره بمزاعم أمريكية عن امتلاكه أسلحة دمار شامل، وأثبتت الأيام والسنوات كذب تلك الادعاءات، بعد فوات الأوان. النظام الليبى تم إسقاطه بعمليات عسكرية أوروبية، قائمة على معلومات غير دقيقة، أو بالأحرى خاطئة، تاركة ليبيا فى فوضى عارمة، لا يعلم مداها إلا الله. والآن يحاول التاريخ تكرار نفسه، مرة أخرى، فى سوريا، التى اتخذت القوى العظمى، أمريكا وروسيا، من أراضيها مقراً لنزاعاتها، وتصفية حساباتها. وللأسف لم يع العالم العربى دروس الماضي، ولم يتعلم من نتائجها شيئاً. فانقسم العالم العربى ما بين مؤيد ومعارض، ودفع الشعب السوري، وحده، الثمن باهظاً من استقراره، وأمنه، ووحدة أراضيه.

والسؤال الآن هل سيظل مصيرنا، ومستقبل أمتنا العربية، مرهوناً بالمعلومات الخاطئة والمزاعم الواردة من الغرب؟ فيا أيها المسؤلون فى الوطن العربي، أفلا تتدبرون؟ أفلا تعقلون؟ لك الله يا سوريا ولنا نحن العرب.



Email: sfarag.media@outlook.com