العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وإجابة هذه التساؤل ستردنا إلى خلفية تاريخية، مملوءة بالأحداث، بدأت بهزيمة الجيش المصرى لنظيره التركي، وحصار عاصمتهم. تلك الهزيمة التى كادت تقضى على إمبراطوريتهم...

لماذا تكره تركيا مصر؟
 

لواء د. سمير فرج

 3 أغسطس 2017

ثلاث سنوات قضيتها فى تركيا، ملحقاً عسكرياً لمصر فيها... عاصرت خلالها حكم الرئيس التركى الأسبق تورجوت أوزال، عندما كانت العلاقات المصرية- التركية فى أزهى عصورها. ولكن برحيل أوزال، تغير الموقف تماماً... وظهر الوجه الآخر، للإدارة التركية، المناهض لمصر.

بصورة عامة، تكمن مشكلة الإدارة التركية، الحالية، فى محاولاتها لمغازلة ثلاثة اتجاهات مختلفة، تتضاد فى مجملها... أى أنها تحاول ارتداء ثلاث قبعات مختلفة، وفقاً لما تقتضيه مصلحتها. فتراها تغازل الاتحاد الأوروبي، معتبرة نفسها جزءاً من أوروبا؛ فعلى مدى الأعوام العشرين الماضية، ظلت تركيا تصارع للحصول على عضويته، وبالرغم من دعم ألمانيا لها، لفترات طويلة، فإنها فشلت فى الانضمام إلى أوروبا. وجاءت محاولة الانقلاب العسكرى الأخيرة فى تركيا... وما تلاها من إجراءات قمعية، اتخذها أردوغان لتمديد نفوذه وصلاحياته، لتقوض جميع الآمال التركية فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ذى الطبيعة العلمانية. فى الوقت نفسه تجد الإدارة التركية، تغازل اتجاها ثانيا، فى خلطها للدين بالسلطة، ومحاولاتها الهيمنة على العالم الإسلامي، والتربع على قمته، بناء على ما كان لها يوماً، كمقر لقيادة الإمبراطورية العثمانية. وباءت تلك المحاولة، كسابقتها، بالفشل، إذ اصطدمت بالمملكة العربية السعودية، حامى حمى الحرمين الشريفين، ومصر حاضنة الأزهر ومنارة الإسلام المستنير، وباقى دول المجتمع الإسلامي، الرافضة فكرة الخلافة. من ناحية ثالثة، حاولت تركيا، بشتى الطرق، تنصيب نفسها كقوة أولى ورئيسية فى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن التفوق العسكرى لكل من مصر، وإسرائيل، وكذلك إيران، بدد محاولاتها هباء.

وجاءتها لطمة جديدة، أخيرا، بوصول الرئيس الأمريكى ترامب إلى السلطة، وتغيير الملامح الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة، والتى اتخذت من مصر والسعودية محورى ارتكاز لها فى الشرق الأوسط، بجانب إسرائيل، الحليف الأساسى لأمريكا، وخرجت تركيا من الحسابات الأمريكية، بعدما كانت على رأس أولوياتها فى أثناء حكم الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما. وهكذا فشلت تركيا فى الجمع بين القبعات الثلاث المختلفة، بل فشلت فى ارتداء أى منها، والإبقاء عليها، فاتجهت، أخيرا، فى محاولاتها للبحث عن دور إقليمي، إلى مساندة قطر فى أزمتها مع دول الخليج ومصر، والتى من المتوقع لها الفشل فيها، لاعتبارات سياسية وعسكرية عديدة.

وهنا يطرح البعض سؤالاً بديهيا... لماذا تكره تركيا مصر؟ ولماذا تناصبها كل هذا العداء، بخلاف باقى الدول العربية خاصة، ودول المنطقة عامة، بما فى ذلك إيران؟ وإجابة هذه التساؤل ستردنا إلى خلفية تاريخية، مملوءة بالأحداث، بدأت بهزيمة الجيش المصرى لنظيره التركي، وحصار عاصمتهم. تلك الهزيمة التى كادت تقضى على إمبراطوريتهم...

تعود الأحداث التاريخية إلى عام 1824، عندما اندلعت ثورة ضد الحكم العثماني، دفعت بالسلطان العثمانى للاستنجاد بوالى مصر، «محمد على باشا» للقضاء عليها، مقابل منحه ولاية الشام. ونجح الجيش المصري، بقيادة «إبراهيم باشا» الابن الأكبر لوالى مصر، فى القضاء على تلك الثورة فوراً. فمنح السلطان العثماني، «محمد على باشا» ولاية جزيرة كريت فقط، خلافاً لما تم الاتفاق عليه، فقرر «محمد على باشا» انتزاع حقه بالقوة. فى عام 1831، زحف الجيش المصرى باتجاه الشام، ونجح فى إسقاط عكا، ذات الحصون المنيعة، التى استعصت من قبل على «نابليون بونابرت» ليسيطر الجيش المصري، بذلك، على فلسطين بأكملها، قبل استكمال تغلغله فى الشام، حيث كان العثمانيون مستعدين بجيش كبير، بقيادة الصدر الأعظم «مصطفى رشيد باشا» لملاقاة الجيش المصري، وانتهت المعركة بهزيمة الجيش العثمانى هزيمة نكراء، وأُسر قائده. بانتصار الجيش المصرى، وتقهقر الجيش العثماني، أصبح الطريق مفتوحاً حتى إسطنبول، فاستنجد السلطان العثمانى «محمود الثاني» بالدول الأوروبية لحمايته، إلا أنها رأت فى ذلك شأناً داخلياً، ولم تهب للتدخل إلا بعدما استنجد السلطان العثمانى بروسيا، خشية أن تستغل روسيا تلك المحنة لزيادة نفوذها فى الدولة العثمانية. تدخلت بعض الدول الأوروبية بجانب روسيا، ونجحوا فى إقناع الجانبين بعقد «صلح كوتاهية» فى عام 1833، والذى بمقتضاه أذعن السلطان العثمانى لمطالب «محمد على باشا» بتنصيبه والياً على مصر والسودان والشام وكريت والحجاز، مقابل وقف زحف الجيش المصرى نحو الأناضول. مرة أخرى، لم يحترم السلطان العثمانى اتفاقاته، وعمل على تحريض أهل الشام، وتأجيج الثورات ضد والى مصر، بينما كان يجهز جيشاً لينقض به على حكم «محمد على باشا» فى الشام، بدعوى الاستجابة لرغبة الأهالي. وبالفعل تحرك الجيش العثماني، عام 1839، باتجاه الشام، فأمر «محمد على باشا»، جيشه بالتصدى لهم، والتقيا فى واحدة من أشهر المعارك العسكرية فى التاريخ، «معركة نصيبين»، التى انتصر فيها الجيش المصري، نصراً عظيماً، بالقضاء على الجيش العثمانى وقتل نحو 15 ألفاً من قواته، وأسر 15 ألفاً آخرين، فضلاً عن الغنائم الكبيرة. وقد توفى السلطان العثمانى «محمود الثاني» فور تلقيه نبأ الهزيمة المخزية، بينما لم يكتف الجيش المصرى بانتصاره العظيم، واستكمل الزحف تجاه إسطنبول، ونجح فى حصارها، حتى سلم الأسطول التركى نفسه لـ «لمحمد على باشا» فى الإسكندرية، ليكتمل، بذلك، انهيار الدولة العثمانية. إلا أن الدول الأوروبية، بزعامة بريطانيا، أبت أن تقوم إمبراطورية قوية فى الشرق، فتدخلت لتحرم مصر من ثمار انتصاراتها، وعقدوا «مؤتمر لندن»، فى عام 1840، وخرجوا منه بشروط مجحفة، جردت «محمد على باشا» من نفوذه فى الشام، لينقذوا الدولة العثمانية من الانهيار على يد الجيش المصرى العظيم، الذى أطلقت عليه الصحف البريطانية والأوروبية لقب «جيش الفلاحين الذى لا يُقهر». فكانت تلك بداية كره تركيا لمصر... بسبب جيشها العظيم ... «جيش الفلاحين»!



Email: sfarag.media@outlook.com