العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فبينما يحلم بسطوة الإمبراطورية العثمانية، اصطدم بالزعامة المصرية، ذات الثقل، في المنطقة بأسرها، مهما مر عليها من أحداث جسام، اختل توازنه، وهو ما يفسر هجومه المستمر، على مصر، ومحاولاته، المضنية، لإضعافها، بإيواء زمرة من الجماعات الإرهابية، أو تمويلهم، كعناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، وداعش، وإطلاقهم كأبواق إعلامية، في محاولة للنيل من مصر.

!أردوغان وتركيا … إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 11 ديسمبر 2019


ثلاث سنوات قضيتها ملحقاً عسكرياً لمصر، العاصمة التركية، أنقرة، تعلمت خلالهم الكثير عن تركيا، من خلال متابعاتي لكل مجريات الأمور بها، على كافة الأصعدة، خاصة وأن فترة عملي هناك، تزامنت مع أهم مرحلة، في تاريخ تركيا الحديث، التي شهدت التحول من العصر الأتاتوركي، إلى بداية دخول الإسلام السياسي، في حكم تركيا، بوصول نجم الدين أربكان، رئيس حزب الرفاه الإسلامي، لرئاسة الوزراء، وهو المنصب التنفيذي الأقوى في البلاد، إلى أن عدل أردوغان مواد الدستور، لينقل لرئيس الجمهورية تلك الصلاحيات، بعدما صار هو رئيساً لتركيا.

تبدأ قصة تركيا، منذ القرن الخامس عشر الميلادي، عندما حارب، عثمان الأول، البيزنطيين، وأسس الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت من بلاد المغرب حتى ساحل الحجاز، ومنطقة الخليج العربي، وبلاد الشام شرقاً، مروراً بمصر، وحتى الصومال جنوباً، كما توسعت شمالاً لتضم بلاد المجر، وصربيا، ومولدوفا، ومناطق شبه جزيرة القرم. دامت هذه الإمبراطورية 600 عام، وبلغت قوتها في عهد السلطان سليم الأول، إلا أن سلطانها زال، بعد الحرب العالمية الأولى، عام 1922، بعد توقيعها على معاهدة لوزان.

في 1923، أسس الضابط التركي، مصطفى كمال أتاتورك، الجمهورية التركية، لتدخل البلاد عهداً جديداً، سمي بالعهد الأتاتوركي، حيث حل الارتباط بين أحكام الدين، وقواعد الحكم، معلناً تركيا دولة علمانية، غربية الاتجاه، فألغى الخلافة الإسلامية، وأسس قوانين وضعية، بدل من أحكام الشريعة، وألغى المدارس الإسلامية، والمحاكم الشرعية، ونقل العاصمة من إسطنبول، إلى أنقرة، وغير الأبجدية من العربية إلى أبجدية جديدة، وقضى على كل مظاهر الدولة الدينية.

حافظت تركيا على نهجها العلماني، بعد وفاة أتاتورك، في 1938، حتى أن مراسم زيارة أي رئيس دولة، لتركيا، كانت تقتضي زيارة قبر أتاتورك، وكم من رؤساء دول رفضوا زيارة القبر، فألغيت زيارتهم بالكامل. ظلت تركيا على هذه المنوال، إلى أن تولى نجم الدين أربكان، رئاسة الوزراء، وهو رئيس حزب الرفاه الإسلامي، ليكون أول رئيس وزراء تركي، من خلفية دينية، إذ تأسس حزبه بمرجعية إسلامية، وبعد نجاحه في الانتخابات، ظهر رجب طيب أردوغان، لأول مرة، في المشهد السياسي، بعدما رشحه حزب الرفاه، للانتخابات في بلدية باي أوغلو، عام 1989، فخسرها، وفي عام 1994، رشحه حزب الرفاه الإسلامي، مرة أخرى، لانتخابات منصب عمدة إسطنبول، ففاز بالمنصب، ضمن الفوز الكاسح، الذي حققه حزب الرفاه، آنذاك، في تركيا.

في عام 2001، أسس أردوغان حزب العدالة والتنمية، تحت شعار إحياء النظام الأتاتوركي، في إطار القيم الإسلامية، ومنه رشح نفسه رئيساً لوزراء تركيا، وفاز بالمنصب من عام 2003 إلى عام 2014، وبعدها أصبح أردوغان رئيساً للجمهورية التركية في عام 2014، ليكشر عن أنيابه، وتنكشف نواياه أو أحلامه، بالعمل على العودة لعصر الإمبراطورية العثمانية، محاولاً السيطرة على العالم الإسلامي، أولاً، فاصطدم بالمملكة العربية السعودية، حاضنة الحرمين الشريفين، وبمصر، حاضنة الأزهر الشريف.

فبينما يحلم بسطوة الإمبراطورية العثمانية، اصطدم بالزعامة المصرية، ذات الثقل، في المنطقة بأسرها، مهما مر عليها من أحداث جسام، اختل توازنه، وهو ما يفسر هجومه المستمر، على مصر، ومحاولاته، المضنية، لإضعافها، بإيواء زمرة من الجماعات الإرهابية، أو تمويلهم، كعناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، وداعش، وإطلاقهم كأبواق إعلامية، في محاولة للنيل من مصر. وبالتزامن مع ذلك، حاول أردوغان، ضم بلاده، للاتحاد الأوروبي، وفشل فيه أيضاً، خاصة بعد رد الفعل على أحداث الانقلاب العسكري التركي، الذي جرى في يوليو 2016، وما تلاه من حملات اعتقال واسعة شملت آلاف العسكريين، وعزل العديد من القيادات العسكرية، وثلاثة آلاف من القضاة، والآلاف من الموظفين، حتى تحدث، البعض، عن أن الانقلاب، كان وسيلته للتخلص من المعارضة!

وشرع أردوغان في التخلص، من كل أصدقاء الأمس، مثل فتح الله جولن، المقيم بالولايات المتحدة، واتهمه أردوغان بأنه وراء محاولة الانقلاب عليه، فضلاً عن اتهامه بتزعم منظمة إرهابية، بينما استقال أصدقائه بالحزب، من عضويته، أمثال عبد الله جول، رئيس الجمهورية الأسبق، وعلي باباجان، مهندس الاقتصاد التركي، ورئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، الذي أسس حزباً جديداً معارضاً لأردوغان، وسياساته. وتلقى أردوغان صفعة قوية، عندما خسر مرشح حزبه انتخابات بلدية إسطنبول، أمام منافسه أكرم أوغلو، المعارض. لم يكتف أردوغان بالعداوة الداخلية، فبدأ في معاداة الولايات المتحدة، وأعضاء حلف الناتو، بشراء منظومة الأسلحة الروسية، S400، مما دفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات على تركيا، بدأت، بعدها، الليرة التركية في الانهيار.

ثم بدأت تركيا حملتها العسكرية للسيطرة على شمال سوريا، بهدف القضاء على الأكراد السوريين، والتي اعتبرتها الدول الغربية اعتداءً على أراضي دولة مستقلة. واستكمالاً لسلسة استفزازاتها، بدأت تركيا بالتدخل في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، إذ أرسلت سفن التنقيب أمام السواحل القبرصية، الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي اعتداءً على الحدود البحرية لدولة أوروبية، ففرضت عقوبات على تركيا.

استمر أردوغان في تخبطه، بصورة بالغة الخطورة، بتوقيعه اتفاقيتين مع فايز السراج، رئيس الوزراء الليبي، أحداهما للتعاون الأمني بين تركيا وليبيا، والأخرى لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، كما قام، كذلك، بإمداد حكومة السراج، بالمدرعات، والطائرات المسيرة بدون طيار، مخالفاً الحظر الدولي المفروض على ليبيا، حتى أنه، وليزيد النار اشتعالاً، أعلن منذ أيام قلائل، استعداده لإرسال قوات عسكرية، إلى ليبيا، إذا ما طلبت منه حكومة الوفاق ذلك. وقد استنكرت، مصر واليونان وقبرص، وحتى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تلك الاتفاقات، واعتبرتها غير قانونية، خاصة أن رئيس الوزراء الليبي ليس له سلطات التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، فضلاً عن معارضة البرلمان الليبي لتوقيعها، باعتبارها تهدد أمن المنطقة، كلها، خلال الفترة القادمة.

وهنا لا يسعني سوى أن أثمن على قرار القيادة السياسية، بدعم القوات المسلحة المصرية، وخاصة القوات البحرية، للحفاظ على ثروات مصر الطبيعية، واستثماراتها في منطقة شرق البحر المتوسط، وتأمين حدودها الغربية، وليكون أداة ردع لمن تسول له نفسه التعرض للسيادة المصرية، ومقدراتها.



Email: sfarag.media@outlook.com