العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

كان من أهم الموضوعات المطروحة، والتي حظيت بمناقشات تفصيلية، ومطولة، هو ضرورة إنشاء قوة التدخل السريع الأفريقية، من أبناء القارة، وقواتها، لتحل محل قوات حفظ السلام، التي كونتها الدول الغربية، إلا أكبر تحديات تنفيذ المقترح، هو توفير التمويل اللازم لإنشاء تلك القوة، فتقرر، خلال مؤتمر القاهرة، عرض المقترح على الأمم المتحدة، لتحويل التمويل المخصص لقوات حفظ السلام، العاملة في أفريقيا، إلى قوات التدخل السريع الأفريقية المزمع تأسيسها.

عندما تعود أفريقيا إلى مصر عسكرياً
 

لواء د. سمير فرج

 3 يناير 2020


بعد قيام ثورة يوليو عام 1952، وجهت مصر استراتيجيتها الخارجية نحو أفريقيا، لتكون سنداً لها في معاركها مع الاستعمار، ولتكون مصر سنداً لأفريقيا، التي ظلت، حتى منتصف القرن العشرين، مسرحاً للتنافس الاستعماري بين عدد من الدول الأوروبية، لاستغلال ثروات دول تلك القارة السمراء. في تلك الأثناء، بذلت مصر العديد من المحاولات لجمع دول القارة، تحت مظلة مشتركة، حتى مايو 1963، عندما أسس الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والإمبراطور الأثيوبي هيلا سيلاسي، “منظمة الوحدة الأفريقية”، وظهر هذا الكيان، في اجتماع ضم رؤساء 30 دولة أفريقية، مستقلة، تم خلاله إعلان ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، واختيار العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، مقراً للمنظمة.

اختير الإمبراطور سيلاسي رئيساً للمنظمة، في أول أعوامها، وخلفه في رئاستها، في السنة التالية، مباشرة، الرئيس عبد الناصر، لتلعب السياسة المصرية دوراً حيوياً، وفاعلاً، في تحرير العديد من الدول الأفريقية، وضمها لعضوية المنظمة، التي تم تعديلها، في عام 2001، لتصبح “الاتحاد الأفريقي”. كانت العلاقات السياسية، والاقتصادية، على وجه التحديد، عاملاً رئيسياً في التواجد المصري، في معظم دول القارة، فعلى سبيل المثال، انتشرت مكاتب شركة النصر للاستيراد، في جميع العواصم الأفريقية، وازدهرت التجارة البينية بين مصر ومعظم هذه الدول.

برحيل الرئيس جمال عبد الناصر، انحسر الدور المصري، في أفريقيا، رويداً، رويداً، حتى بلغ مدى انحساره، بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري، الأسبق، محمد حسني مبارك، في أديس أبابا. وبعد عدد من الجهود الدولية، التي بذلتها الإدارة المصرية، سنحت الفرصة لرأب الصدع، وعودة مصر إلى القارة الأفريقية، بتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئاسة الاتحاد الأفريقي، لعام 2019، فبذل سيادته جهوداً كبيرة، خلال هذا العام، في كل المحافل الدولية، لتوضيح موقف الدول الأفريقية، وشرح مطالب، واحتياجات، هذه الدول، في الفترة القادمة.

وفي إطار الجهود التي يبذلها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تم دعوة اللجنة المتخصصة للدفاع والسلامة والأمن الأفريقي، أحد أهم اللجان الرئيسية في الاتحاد الأفريقي، لعقد اجتماعها الثاني عشر، في القاهرة، لأول مرة منذ إنشائها. وبالفعل، استضافت، العاصمة الإدارية، فعاليات ذلك المؤتمر، في الفترة من 15 إلى 19 ديسمبر 2019. تتكون هذه اللجنة، المتخصصة، من وزراء دفاع، ورؤساء أركان القوات المسلحة، ورؤساء الهيئات الأمنية، والشرطية، للدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي، وتعنى اللجنة بمواجهة التهديدات، والتحديات، الأمنية، التي تواجه الدول الأفريقية، وعلى رأسها الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، ونزاعات الحدود، والعرقيات بين القبائل المختلفة.

حضر الاجتماع، الذي عقد بمصر، 54 وفداً من الدول الأفريقية، وخلال الأيام الثلاث، الأولى، تولت، اللجان المتخصصة، دراسة المشاكل، والموضوعات، المقدمة لها من الدول المشاركة، والتي تمثلت في النزاعات الحدودية، والنزاعات القبلية، والصراع على السلطة، والهجرة غير المشروعة، وإنشاء قوة التدخل السريع الأفريقية، وأخيراً، كان الإرهاب على رأس هذه الموضوعات الهامة. وفي اليوم الرابع، قدمت تلك اللجان، المتخصصة، دراساتها، ومقترحاتها، إلى السادة رؤساء أركان القوات المسلحة، المشاركين عن دولهم، ليخرج المؤتمر، في يومه الخامس، والأخير، ببيان ختامي، بعرض التوصيات، على السادة وزراء الدفاع.

كان من أهم الموضوعات المطروحة، والتي حظيت بمناقشات تفصيلية، ومطولة، هو ضرورة إنشاء قوة التدخل السريع الأفريقية، من أبناء القارة، وقواتها، لتحل محل قوات حفظ السلام، التي كونتها الدول الغربية، إلا أكبر تحديات تنفيذ المقترح، هو توفير التمويل اللازم لإنشاء تلك القوة، فتقرر، خلال مؤتمر القاهرة، عرض المقترح على الأمم المتحدة، لتحويل التمويل المخصص لقوات حفظ السلام، العاملة في أفريقيا، إلى قوات التدخل السريع الأفريقية المزمع تأسيسها. كما خرج الاجتماع باتفاق، عن ضرورة تبادل تدريب القادة العسكريين، الأفارقة، في مختلف المنشآت التعليمية، وعلى رأسهم مصر، التي تستضيف، بالفعل، أعدداً كبيرة من القادة العسكريين، في منشآتها التعليمية، العسكرية، لرفع كفاءتهم، وتدريبهم على أحدث ما وصلت إليه العلوم العسكرية.

ومن جهة أخرى، تم الاتفاق، على تبادل المعلومات، الفورية، بين الدول الأعضاء، بالاتحاد الأفريقي، لمواجهة الإرهاب، فضلاً عن تبادل الخبرات المتعلقة بأسلوب مكافحة العمليات الإرهابية، وهو ما ستلعب مصر فيه دوراً كبيراً، نظراً للخبرات المتراكمة، في هذا المجال، لجهاتها الأمنية، سواء القوات المسلحة، أو الشرطية. وفيما يخص مكافحة الهجرات غير الشرعية، فقد تبنت اللجنة، المتخصصة، فكر الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعلنه في مؤتمر ميونخ للأمن، في فبراير الماضي، من أن مكافحة الهجرات غير الشرعية، لن يتحقق بحراسة السواحل، فحسب، وإنما بزيادة الاستثمارات، التي من شأنها توفير فرص العمل، والقضاء على البطالة، وهو ما أيدته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قولاً وفعلاً، بإعلانها تخصيص بلادها دعماً مالياً، في العام القادم، لزيادة الاستثمارات، والمشروعات التنموية، بالدول الأفريقية.

اختتم مؤتمر الدفاع والسلامة والأمن الأفريقي، أعماله بمعرض الأسلحة والمعدات العسكرية، الذي كان من أهم عناصر المؤتمر، لما أتاحه من فرصة، لجميع القادة العسكريين، المشاركين، للتعرف على إمكانات القوات المسلحة المصرية في التصنيع الحربي، فضلاً عما مثله، لمصر، من فرصة مناسبة، لتسويق إنتاجها الحربي، من الأسلحة والمعدات، التي تقابل احتياجات الدول الأفريقية. انبهر السادة الحضور، من ممثلي الدول الأفريقية، بحجم التنظيم والاستقبال، الحرفي، الذي وفرته مصر لاستضافة هذا المؤتمر الهام، ومؤكدين أنهم لم، ولن، يجده مثيله حول القارة. وهو ما رد عليه السيد وزير الدفاع المصري، الفريق أول، محمد ذكي، في كلمته، بأن مصر ترحب، دائماً، بالقادة العسكريين الأفارقة، للتعاون في المجالات ذات الصلة.

وبذلك، وبعد خطوات متتالية، ودؤوبة، نستطيع الجزم، بأن مصر وثبت، وثبة طويلة، على طريق عودتها إلى أفريقيا، بدأتها بما أتاحته من إمكانات فكرية، وعملية، وتنظيمية، في المجال العسكري، وبإذن الله، سيتبع، ذلك، خطوات، على نفس القدر من الأهمية، في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، لضمان تحقيق التكامل بين مصر وباقي دول القارة، التي تمثل العمق الاستراتيجي، بالنسبة لأمتنا.



Email: sfarag.media@outlook.com