العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أما على المستوى الإقليمى فإن تركيا تيقنت تمامًا أن إعلان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أن خط سرت- الجفرة هو خط أحمر لن تسمح مصر لأحد باختراقه لأنه تهديد مباشر للأمن القومى المصرى هو إعلان جاد.

وقف إطلاق النار في ليبيا.. هل أربك الحسابات؟
 

لواء د. سمير فرج

 24 أغسطس 2020


فى تطور مفاجئ للأزمة الليبية، جاء الإعلان المتبادَل لوقف إطلاق النار وسط ترحيب دولى وعربى، حيث أعلن المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق فى طرابلس وقف إطلاق النار فى جميع أنحاء البلاد، أعقبه بيان صادر من البرلمان الليبى، برئاسة عقيلة صالح، أكد فيه أن وقف إطلاق النار سيبدأ تنفيذه كخطوة للبدء فى تحقيق السلام فى كل أنحاء ليبيا، بعد إخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات وتوقف التدخل الأجنبى، ولعل أهم الأحداث التى تلت إعلان وقف إطلاق النار هو ما أعلنه فايز السراج عن شكره الرئيس عبدالفتاح السيسى على مجهوده لإحلال السلام فى ليبيا، ووجّه، فى تغريدة على حسابه الرسمى على «تويتر»، شكره إلى مصر وكل الدول التى باركت الاتفاق، كذلك أعرب المستشار عقيلة صالح عن سعادته لعملية وقف إطلاق النار فى ليبيا، حيث وجّه رسالة إلى الرئيس السيسى يعرب فيها عن سروره لمواقفه الشجاعة الداعمة لإحلال السلام فى ليبيا، كما أوضحت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة فى ليبيا، ستيفانى وليامز، أن القرارات الأخيرة لطرف النزاع فى ليبيا تتصف بالشجاعة، معربة عن أملها فى الإسراع فى تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضى الليبية.

وبنظرة سريعة إلى نتائج عملية وقف إطلاق النار، نجد أن ما حددته القيادة المصرية من أن اختراق خط سرت- الجفرة أمر لن تقبله مصر وأنه يهدد أمنها القومى قد تحقق.. من هنا يأتى السؤال: لماذا هذا التوقيت بالذات الذى فيه صدر هذا القرار.. خاصة من جانب فايز السراج فى طرابلس؟ لذلك يمكن القول إن الضغوط الدولية، بدءًا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، وخاصة من ألمانيا، التى أرسلت دعمًا عسكريًا لقوات التحالف فى شرق «المتوسط» ومعها فرنسا، كل ذلك أدى إلى ضغوط على فايز السراج وحكومته، كذلك ما حدث من مناوشات واضطرابات داخل طرابلس بين عناصر الميليشيات والمرتزقة، التى لم تتسلم رواتبها منذ عدة شهور حتى وصل إلى ليبيا (طرابلس) وزير الدفاع التركى ورئيس أركان القوات التركية ووزير الدفاع القطرى، وتمت الموافقة على قيام قطر بدفع رواتب هذه العناصر المرتزقة، كذلك حدث تذمر بين عناصر الميليشيات فى مدينة الزاوية الليبية، كل هذه الأمور أدت إلى أن تشعر حكومة الوفاق بعدم قدرة هذه العناصر على تنفيذ أى عمليات للاستيلاء على سرت فى الفترة القادمة، كذلك جاء وباء الكورونا لينتشر فى طرابلس، الأمر الذى أدى إلى أن تتوقع حكومة «السراج» عقبات جديدة داخل المدينة، كذلك ظهر هناك الدور الأمريكى البارز لحل هذه المشكلة، حيث بذلت الولايات المتحدة جهودًا كبيرة فى الفترة الماضية، بالتعاون مع المخابرات العامة المصرية، للوصول إلى هذا الاتفاق، وسوف تُظهر الأيام القادمة طبيعة وشكل هذه الجهود التى بذلها الطرفان.

أما على المستوى الإقليمى فإن تركيا تيقنت تمامًا أن إعلان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أن خط سرت- الجفرة هو خط أحمر لن تسمح مصر لأحد باختراقه لأنه تهديد مباشر للأمن القومى المصرى هو إعلان جاد، وأن الرئيس المصرى يعى دائمًا ما يقوله وينفذه، كذلك جاءت الاستعدادات العسكرية للقوات المصرية فى المنطقة الغربية العسكرية شاهدًا على جدية مصر عسكريًا لتنفيذ هذا القرار، حيث أكدت المعلومات الاستخباراتية للقيادة التركية، والتى تم تجميعها من مصادر مختلفة، أن القوات المسلحة المصرية مستعدة تمامًا لتنفيذ أى عمليات عسكرية فى هذا الاتجاه فى حالة تجاوز القوات المرتزقة والميليشيات للخط الأحمر. من هنا فإننا نقول ببساطة إن جهود الدبلوماسية المصرية لتحقيق هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار فى ليبيا لم تكن لتنجح دون وجود قوة عسكرية تحمى وتؤمِّن وتدعم هذه الجهود الدبلوماسية التى بذلتها مصر خلال الفترة الماضية مع مختلف القوى والدول المعنية بالمشكلة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبى، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية.. لذلك يأتى السؤال المهم: هل جاء هذا الاتفاق لوقف إطلاق النار فى ليبيا ليُرْبِك الحسابات لبعض القوى؟ والإجابة واضحة أنه سوف يربك حسابات طرف واحد فقط، هو تركيا، التى كانت تأمل أن يظل التواجد التركى العسكرى من خلال المرتزقة والقواعد العسكرية التركية التى تم الاتفاق عليها فى مصراتة والواطية، خاصة أن مصر أعلنت مباركتها قرار وقف إطلاق النار، وأنها ترفض وجود أى قوات أجنبية فى ليبيا على حدودها الغربية.. من هنا نقول إن تركيا الآن تعيد حساباتها، خاصة أنه مع بدء إجراءات الانتخابات الجديدة فى مارس القادم فى ليبيا سوف تفرز القوى الوطنية الليبية الجديدة، التى لن تسمح بوجود المرتزقة على أراضيها، كذلك لن تسمح بوجود أى قواعد عسكرية أجنبية، لذلك فإن تركيا الآن تعيد حساباتها على الوضع الجديد فى ليبيا، والذى أربك حساباتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، خصوصًا بعد إعلان ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، والذى جاء بضربة قوية ضد تركيا أيضًا، وأفشل ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس، والذى حصل على شهادة الوفاة مبكرًا قبل وصول السلطة الجديدة فى ليبيا بعد الانتخابات القادمة، لذلك فإن الفترة القادمة سوف تشهد العديد من المتغيرات، خاصة من جانب تركيا، التى تعانى الآن موقفًا اقتصاديًا صعبًا، بعد الانهيار الحاد فى الليرة التركية وزيادة البطالة وارتفاع الأسعار وزيادة معدل التضخم، والأمور التى ستزيد ارتباك حسابات تركيا أن المؤسسة الوطنية للنفط فى ليبيا سوف تقوم بعمل حساب مجمد لدخل البترول الليبى فى الفترة القادمة، وهذا سيحرم تركيا من الاستفادة من أموال النفط الليبى، كما كان فى عهد فايز السراج، وانتظار اجتماع وزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبى يوم 27 أغسطس الجارى، واحتمال توقيع عقوبات اقتصادية على تركيا جراء القيام بعمليات التنقيب عن الغاز أمام سواحل قبرص واليونان، عضوى الاتحاد الأوروبى، كل هذه الأمور سوف تؤدى إلى قيام تركيا بإعادة حساباتها فى الفترة القادمة، حيث إن اتفاق وقف إطلاق النار قد أربك حساباتها تمامًا فى المنطقة.



Email: sfarag.media@outlook.com