العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ركزت الدراسة الأمريكية على نجاح الرئيس السيسي في ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، باعتبار تلك الخطوة العامل الرئيسي لجذب الشركات العالمية لعمليات البحث والتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية، مضيفة أن جهود الرئيس السيسي في توطيد العلاقات بين مصر وقبرص واليونان، وتنفيذ مناورات بحرية مشتركة، من شأنه تأمين الاستثمارات الجديدة لمصر في منطقة شرق المتوسط.

بعد 4 سنوات … تحقق ما عرضته من قبل
 

لواء د. سمير فرج

 24 سبتمبر 2020


في مثل هذا المكان، منذ 4 أعوام، تقريباً، وتحديداً في يوم الخميس الموافق 14 يناير 2016، كتبت مقالي الأسبوعي تحت عنوان “أخطر وثيقة أمريكية عن مصر 2020″، استعرضت خلاله، بإيجاز، ما ورد بأحد الوثائق الأمريكية، المعدة خلال العام 2015، والمصنفة بأعلى درجات السرية، عن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لشكل القوى العالمية في عام 2020.

قسّمت تلك الوثيقة الأمريكية، دول العالم إلى مجموعات؛ أولها مجموعة أمريكا الجنوبية، يليها مجموعة آسيا والصين، ثم مجموعة الدول الأوروبية، بدون روسيا، التي اعتبرتها الوثيقة عنصراً مستقلاً، تلا ذلك مجموعة أفريقيا، بدون مصر، وأخيراً، مجموعة الشرق الأوسط، والتي لم تضم مصر، أيضاً، إذ أفردت الوثيقة لمصر دراسة منفصلة. وفي حين قد أتفهم وجود دراسة منفصلة لروسيا، إلا أن تخصيص دراسة مستقلة عن مصر قد أثار انتباهي بشدة، حينها، حتى شرعت في قراءة تلك الدراسة، فأدركت، على الفور، أسباب استقلالها بدراسة مفصلة.

إن الإدارة الأمريكية رأت أن مصر تتجه، بقوة، نحو تحويل نقاط الارتكاز في المنطقة، وتغيير موازين قواها، وهو ما يفسر للبعض، الآن، أسباب تحسن العلاقات الثنائية بين أمريكا ومصر، خاصة بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتولي الحزب الجمهوري مقاليد الإدارة الأمريكية، بعد عدد من السنوات العجاف في العلاقات المصرية-الأمريكية، إبان ولاية أوباما والحزب الديمقراطي، كما ظهر في تلك الدراسة الأمريكية، لأول مرة، مصطلح جيوسياسي جديد، اعتدنا اليوم على سماعه، واستخدامه، وهو مصطلح “شرق المتوسط”. أكدت الدراسة الأمريكية عن مصر، على عدة عناصر رئيسية:

  1. أنه بحلول عام 2020، ستصبح مصر من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وهو ما ثبتت صحته بعد نحو أربع سنوات.

  2. أكدت الدراسة الأمريكية أن إنتاج مصر، من الغاز الطبيعي، من حقولها الجديدة في شرق المتوسط، سيحقق لها اكتفاءً ذاتياً في عام 2018، مشيراً لأنها ستبدأ في تصدير الفائض من الغاز الطبيعي اعتباراً من عام 2019-2020، وهو ما حدث بالفعل بعد أربع سنوات من التقرير.

  3. أفادت الدراسة بأن مصر ستنشئ خط لتصدير الغاز الطبيعي، إلى أوروبا، عبر قبرص واليونان، كما ستتشارك الدولتان، مع مصر، في تصدير إنتاجهما من الغاز الطبيعي، من خلال ذلك الخط، وهو ما تم تخطيطه، وجاري العمل على تنفيذه حالياً.

  4. ركزت الدراسة الأمريكية على نجاح الرئيس السيسي في ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، باعتبار تلك الخطوة العامل الرئيسي لجذب الشركات العالمية لعمليات البحث والتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية، مضيفة أن جهود الرئيس السيسي في توطيد العلاقات بين مصر وقبرص واليونان، وتنفيذ مناورات بحرية مشتركة، من شأنه تأمين الاستثمارات الجديدة لمصر في منطقة شرق المتوسط.

  5. وركزت الدراسة على أن جهود الرئيس السيسي لدعم قواته العسكرية، ورفع كفاءتها، وخاصة القوات البحرية والجوية، إنما يعبر بالأساس عن رؤيته المستقبلية لضرورة تأمين استثمارات بلاده في شرق المتوسط من ناحية، وفي البحر الأحمر الفترة من ناحية أخرى.

  6. وأخيراً، أكدت الدراسة على أن جهود الإدارة المصرية، تستهدف جعل مصر مركزاً إقليمياً، ودولياً، لصناعة الغاز الطبيعي، في منطقة شرق المتوسط، لتصبح، بذلك، أكثر الدول نفوذاً في المنطقة، الأمر الذي من شأنه تغيير موازين القوى في منطقة شرق المتوسط.
وبعد كل ما تحقق على مدار السنوات السابقة، منذ إعداد الدراسة، تتجه أنظار العالم، اليوم، إلى تحقق هذا البند الأخير، بنجاح مصر في تحويل “منتدى غاز شرق المتوسط”، إلى منظمة دولية، مقرها القاهرة، لتصبح بمثابة منظمة أوبك جديدة، ولكن للغاز الطبيعي. تتولى هذه المنظمة الدولية الجديدة، ضمن مهامها، ضمان احترام حقوق الدول الأعضاء، بشأن مواردهم من الغاز الطبيعي، وبما يتفق مع القوانين والاتفاقات الدولية.

جدير بالذكر، أن الخطوات الأولى لإنشاء تلك المنظمة، بدأت في القاهرة، في عام 2019، بدعوة من مصر لكل من قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين، وتحت إشراف ممثلي دول الاتحاد الأوروبي، وبإنشاء هذه المنظمة العالمية ستتحدد رؤى واستراتيجيات مستقبل صناعة الغاز الطبيعي، في المنطقة، وخاصة فيما يرتبط بتكوين شراكة مع الاتحاد الأوروبي. أما فيما يخص اختيار القاهرة كمقر للمنظمة، إنما يعكس التقدير الدولي للدور المصري، وتأكيد على دورها المحوري كمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والطاقة في المنطقة، وهذا ما أشارت إليه الدراسة الأمريكية منذ 4 سنوات، من أن مصر ستصبح مركزاً للطاقة والغاز في منطقة المتوسط، في ظل ما تمتلكه مصر من مصانع للإسالة على ساحل البحر المتوسط في إدكو ودمياط، التي يتم الإعداد، حالياً، لنقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت بقبرص، وحقول الغاز بإسرائيل، إليها، تمهيداً لإسالته وإعادة تصديره.

وهكذا، فإن الأيام القادمة، ستشهد طفرة جديدة للاقتصاد المصري، تستهدف رفعة شأن الوطن، والمواطن، وهو ما يعمل على تحقيقه، ليلاً ونهاراً، السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، برؤيته المستقبلية، وخطواته الاستباقية، التي يرجع لها الفضل في الحفاظ على ثروات مصر، والقدرة على الاستثمار فيها، خاصة فيما يرتبط بثروات مصر من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط. وفي رأيي أن إنشاء منظمة غاز شرق المتوسط، ومقرها مصر، هي رسالة عظيمة، تحمل في طياتها الكثير من المعاني، لمن يهمه الأمر، بأن مصر استعادت مكانتها الإقليمية والدولية.



Email: sfarag.media@outlook.com