العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أما الجبهة العاشرة التى يخوضها أردوغان فهى معركته مع منظمات حقوق الإنسان الدولية، حيث جاء فى تقرير المفوضية الأوروبية السنوى الصادر فى السادس من أكتوبر 2020 أن حكومة أردوغان تعمل على انتقاص مساحة الديمقراطية فى البلاد وتم تدمير استقلال المحاكم التركية عن أى وقت مضى وأصبح القضاء التركى تابعاً للأهواء السياسية.

تركيا والجبهات العشر
 

لواء د. سمير فرج

 19 نوفمبر 2020


هناك مبدأ هام فى علوم الاستراتيجية والأمن القومى وهو أن أى دولة عندما تتعرض لعدة أزمات وعلى عدة جبهات، فإنه يجب على هذه الدولة التركيز على جبهة واحدة وأزمة واحدة وإيقاف باقى الأزمات والجبهات حتى تنتهى من هذه الأزمة الرئيسية التى يتم تحديد أولوياتها لخطورتها وتأثيرها على الأمن القومى للدولة.. وبنظرة لما يحدث الآن فى تركيا نجد أنها تتصرف خلافاً لكل الأعراف والمفاهيم والعلوم الاستراتيجية.. وجدنا دولة تحارب فى عدة جبهات فى نفس الوقت، حيث وصلت إلى فتح عشر جبهات.

فالرئيس التركى حالياً يقاتل فى الجبهة الأولى فى شمال سوريا، حيث مازالت تركيا تحتل أجزاء كبيرة منها، وأصبحت تسيطر على شمال سوريا، حتى إن العملة التركية أصبحت أساس التعامل هناك للشعب السورى، وبالتالى أصبح تواجد القوات التركية هناك استنزافا لموارد الدولة التركية.. وجاء الاتجاه الثانى فى شمال العراق، حيث تنتهك القوات التركية سيادة العراق بالقصف الدائم لمواقع كردستان العراق، بل يصل الأمر فى بعض الأحيان لتنفيذ عمليات قتالية بقوات أرضية للقضاء على العناصر الكردية فى شمال العراق، وهو بالطبع أيضاً استنزاف للموارد التركية.

أما الجبهة الثالثة، فبدأت بتدخل أردوغان فى الصراع بين حكومة أذربيجان وأرمينيا فى النزاع القائم بينهما حول إقليم ناجورنو كاراباج، بل قامت تركيا بدفع مرتزقة سوريين للقتال مع قوات أذربيجان ضد الأرمن، وعندما توقف القتال طالبت تركيا بوجود قواتها ضمن عناصر حفظ السلام، وهو الأمر الذى رفضته روسيا، لكن تم الاتفاق على وجود غرفة عمليات فى تركيا لمتابعة تطبيق اتفاق السلام ووقف إطلاق النار، أما الجبهة الرابعة فهى على الاتجاه الليبى، حيث بدأت تركيا فى البداية بدفع عناصر المرتزقة من شمال سوريا لدعم حكومة فايز السراج ودعمته بالأسلحة والمعدات من العربات المدرعة والطائرات المسيرة بدون طيار مع تواجد القادة الأتراك العسكريين فى قيادة طرابلس الأمر الذى دفع كفة الميزان العسكرى لصالح قوات السراج، وانتهى حصار قوات حفتر لطرابلس العسكرية وبعدها قامت تركيا بعقد اتفاقية أمنية وترسيم الحدود البحرية الليبية بهدف استغلال الثروات الليبية، وهو الأمر الذى لم يوافق عليه البرلمان الليبى، ولكن جاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية «المصرية- اليونانية» ليقضى على آمال تركيا فى التنقيب على الغاز أمام السواحل التركية، وحالياً تحاول تركيا فعل المستحيل لإفساد المباحثات بين الأطراف الليبية لإعادة الاستقرار فى ليبيا، بهدف استمرار تواجدها على الأرض الليبية، وهذا الأسبوع خرجت تركيا مرة أخرى بطلب أن تكون مسؤولة عن تنفيذ العمليات الأمنية للمطارات والمنشآت الليبية بحيث تدار وتنظم بمعرفة الشركات والخبراء الأتراك على أساس المشاركة فى عملية إعادة إعمار ليبيا مستقبلاً.

أما الجبهة الخامسة، فهى العودة إلى إثارة المشكلة القبرصية من جديد، حيث قام أردوغان هذا الأسبوع بزيارة مدينة فاروشا القبرصية والتى وصفها الرئيس القبرصى بأنها زيارة استفزازية، لأنها لا تساهم فى استئناف المحادثات للوصول إلى حل للمشاكل القبرصية، وبالتالى فإن إثارة المشكلة من جديد لم تكن فى الحسبان وهى العودة إلى حل القضية القبرصية من خلال الدولتين، وهو أمر يرفضه المجتمع الدولى، وبالتالى أثار ذلك موجة من التوتر فى المنطقة من جديد.. أما الجبهة السادسة فهى التوتر فى العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، بسبب قيام تركيا بأعمال التنقيب أمام سواحل قبرص، إحدى دول الاتحاد، وقيامها بدفع السفن التركية للتنقيب عن الغاز.. الأمر الذى دفع قبرص لتقديم شكواها للاتحاد الأوروبى، لذلك أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبى، جوزيف بوريل، أن الاتحاد الأوروبى مقبل على اتخاذ قرارات صعبة ضد تركيا، بسبب انتهاك تركيا سيادة إحدى دول الاتحاد، وهى قبرص. ومن المنتظر أن يصدر القرار فى اجتماع وزراء الخارجية فى الأسبوع الأول من ديسمبر.

أما الجبهة السابعة فهى مع فرنسا، حيث انتهز الرئيس أردوغان ما صرح به الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بنقد التطرف الإسلامى عقب مقتل مدرس فرنسى بعد عرضه صورا مسيئة للرسول- عليه الصلاة والسلام- حيث أهان أردوغان الرئيس الفرنسى، وذكر أنه يحتاج إلى فحص لقواه العقلية، وبالتالى أصبحت تركيا بالنسبة لفرنسا دولة عليها تحفظات، وبالطبع ستؤثر على العلاقات بين الدولتين مستقبلاً، خاصة فى المجال الاقتصادى، وتركيا لديها من المشاكل الاقتصادية التى لا تتحمل أن تزيدها بهذا الموقف مع فرنسا... أما الجبهة الثامنة فهى قيام تركيا بشراء منظومة S400 من روسيا، الأمر الذى أثار حفيظة دول حلف شمال الأطلنطى وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن الدستور الأمريكى يرى فرض عقوبات ضد هذا الإجراء، وهذا ما قرره الكونجرس الأمريكى مؤخراً، بفرض عقوبات على تركيا ولقد أجل الرئيس ترامب تنفيذ هذه العقوبات إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية.. أما الجبهة التاسعة، وهى على الصعيد الداخلى فى تركيا، فلقد جاءت استقالة صهر الرئيس التركى ووزير المالية والخزانة «بيرات البيرق» مؤشراً على الانهيار الاقتصادى الذى تعيشه تركيا حالياً، ووصل سعر الليرة التركية إلى أدنى مستوى فى تاريخها مع زيادة الأسعار والبطالة، وكان تعليق الفاينانشيال تايمز البريطانية أن حجم الأزمة الاقتصادية فى تركيا قد أدى إلى انهيار أسرة الرئيس رجب طيب أردوغان، وأضافت الصحيفة أن الانهيار السياسى والعائلى للديكتاتور العثمانى يؤكد التدهور الاقتصادى فى تركيا.

أما الجبهة العاشرة التى يخوضها أردوغان فهى معركته مع منظمات حقوق الإنسان الدولية، حيث جاء فى تقرير المفوضية الأوروبية السنوى الصادر فى السادس من أكتوبر 2020 أن حكومة أردوغان تعمل على انتقاص مساحة الديمقراطية فى البلاد وتم تدمير استقلال المحاكم التركية عن أى وقت مضى وأصبح القضاء التركى تابعاً للأهواء السياسية... وعلى المستوى العسكرى تشهد القوات المسلحة التركية أضعف فترة فى تاريخها، بعدما عزل أردوغان معظم القادة رفيعى المستوى حتى يحافظ على نظام الرجل الواحد ويحكم قبضته على الجيش، خاصة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة فى يوليو 2016 التى أعطت أردوغان الفرصة للتخلص من كل معارضيه على مختلف المستويات، خاصة فى الجيش، حيث أعلن التقرير الأمريكى لحقوق الإنسان الذى صدر مؤخراً أن حكومة أردوغان طردت الآن 130 ألف موظف مدنى واعتقلت نحو 80 ألف مواطن، وأغلقت أكثر من 1500 منظمة غير حكومية.. لذلك أصبح ملف حقوق الإنسان فى تركيا هو العقبة الرئيسية لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى... وهكذا فإن أردوغان يحارب اليوم على عشر جبهات كل جبهة كفيلة بإسقاط النظام، لذلك يتوقع الجميع سقوط أردوغان فى الانتخابات المقبلة لكى تنتهى فترة مظلمة من تاريخ تركيا.



Email: sfarag.media@outlook.com