العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

والنقطة الرابعة أن ذكاء حركة طالبان هذه المرة كان متميزا، فلقد أعلنوا منذ اليوم الأول أن من يلقى السلاح من الجيش الأفغانى ويعلن استسلامه سيحصل على عفو عام لذلك كان المنظر فى اليوم الأول استسلام لواء كامل من الجيش الأفغانى بقوة 4 آلاف مقاتل.

ماذا جرى فى أفغانستان؟.. رؤية تحليلية
 

لواء د. سمير فرج

 27 أغسطس 2021


أفغانستان.. تلك الدولة الجبلية التى تقع فى وسط آسيا وتحدها كل من طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال ثم إيران من الغرب والصين من الشرق وباكستان من الجنوب، لذلك هى دولة ذات أهمية جيوستراتيجية فى وسط آسيا، حيث كانت تعتبر إحدى نقاط الاتصال فى طريق الحرير القديم وديانتها الإسلام السنى كما يوجد بها بعض الشيعة الذين يمثلون 10% من السكان وتتكون من قبائل البشتون، وهم الغالبية العظمى من السكان ثم قبائل الطاجيك والهزارة والتركمان والأوزبك وآخرون..

وفى التاريخ الحديث كان آخر ملوكها محمد ظهر شاه الذى تمت إقالته بانقلاب عسكرى وتم إعلان الجمهورية الأفغانية فى يوليو 73 بعدها بفترة وصل الحزب الشيوعى للسلطة وتدهورت الحالة الأمنية فى البلاد حتى دخل الجيش السوفيتى لاحتلال أفغانستان، وهنا ثارت مخاوف الولايات المتحدة وحلفاؤها من الغرب، حيث اقترب السوفييت من منابع البترول لدول الخليج، وبدأت الولايات المتحدة تفكر فى محاربة الوجود السوفيتى باتباع سياسة الحرب بالوكالة (Proxy warfare) بعدم استخدام القوات الأمريكية، لذلك قامت بتدعيم المجاهدين فى أفغانستان على أساس محاربة الشيوعيين الكفرة وأمدتهم بالأسلحة والأموال، ويقال إن بن لادن وحده تسلم 5 مليارات دولار من الولايات المتحدة ضمن عناصر المجاهدين ضد القوات السوفيتية.

حيث بدأ بتكوين أكبر المنظمات الإرهابية فى العصر الحديث «تنظيم القاعدة» وبالفعل نجح المجاهدون فى إخراج السوفييت من أفغانستان بعد 10 سنوات تكبدت فيها القوات السوفيتية خسائر بالغة نظراً لصعوبة القتال فى هذه المناطق الجبلية الوعرة وخلال تلك الفترة ظهرت عام 1994 حركة طالبان وتعنى بالعربية الطلبة، وهى حركة إسلامية سنية مسلحة أسسها الطلبة فى قندهار، وأعلنوا بيعتهم للملا محمد عمر وانتشرت فى معظم أفغانستان وابتعدت عن المجاهدين أمراء الحرب الذين كانوا يحاربون السوفييت لصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

.. وسيطرت على العاصمة كابول فى سبتمبر 1996 معلنة قيام الإمارة الإسلامية فى أفغانستان ونقلت العاصمة إلى قندهار واستمرت فى الحكم حتى 2001 عندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر من تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وخلال حكم طالبان ارتكبت الحركة مذابح ضد المعارضة لها من الأفغان، وحظرت أنشطة الإعلام والرسومات والتصوير الفوتوغرافى والأفلام التى تصور الأشخاص وحرموا الموسيقى باستثناء الدف وتم منع الفتيات الشابات من التعليم بالمدارس ومنعت النساء من العمل ومنع الأطباء الذكور من علاج النساء وطالبت النساء بالتحرك برفقة ذكر وضرورة ارتداء البرقع فى الأماكن العامة وإذا خالفت النساء يتم جلدهن أو إعدامهن علانية.

وقامت حركة طالبان بتدمير العديد من المعالم الثقافية بما فيها تمثال بوذا الشهير كما تلخص فكر طالبان خلال تلك الفترة برفض لفظ الديمقراطية، لأن الديمقراطية تمنح حق التشريع للشعب وليس لله ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور حيث ترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة ولا توجد مدة محددة لتولى منصب أمير المؤمنين.. وركزت الحركة على المظهر الإسلامى حيث أمرت الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة.. وهكذا كان فكر طالبان وفجأة جاء قرار الرئيس الأمريكى بسحب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان بعد 20 عاما تكبدت فيها الولايات المتحدة وحدها 2440 قتيلا وحوالى 20 ألف مصاب.

وجاءت صور احتشاد آلاف الأفغان فى مطار كابول للتعلق بأذيال وأجنحة الطائرات الأمريكية لتحملهم معها خوفا من انتقام طالبان، وكان أول ما أثار تعليقات الجميع هو كيف انهارت المدن الأفغانية أمام مقاتلى طالبان من جيش كبير تزيد أعداده على 300 ألف مقاتل مزودين بأحدث الأسلحة الأمريكية وكان الرد فى عدة نقاط... أولاها أن هذا الجيش الأفغانى عبارة عن عناصر من الشعب الأفغانى التحقت بالجيش لأنها لم تجد لقمة العيش أو وظيفة تتعايش منها فتم إلحاقهم بالعمل فى الجيش الأفغانى، لذلك يمكن تسميتهم بجيش من المرتزقة ليس له أى ارتباط بالوطن والأرض.

والنقطة الثانية أن معظم جنود هذا الجيش لهم مدة أكثر من 4- 5 أشهر لم يتسلموا رواتبهم، لذلك فكيف تطالبهم بالدفاع عن الأرض.. والنقطة الثالثة كان قرار الرئيس جو بايدن المفاجئ بإعلان سحب القوات الأمريكية والتحالف من أفغانستان، حيث شعر الجيش الأفغانى بأن من كان يحميهم قد تركهم، وكان هذا من أهم أسباب تسليم القوات الأفغانية سلاحها، حيث صرح أحد قادة الجيش الأفغانى وقتها بعد سماع قرار الرئيس الأمريكى بأننا وحدنا فى المعركة نحارب عناصر ذات أيدولوجيات متطرفة، حيث وجدنا أنفسنا فى أرض المعركة بلا دعم لنا بعد انسحاب كل القوات الأمريكية والتحالف الذين كنا نظن أنهم خلف ظهرنا.

والنقطة الرابعة أن ذكاء حركة طالبان هذه المرة كان متميزا، فلقد أعلنوا منذ اليوم الأول أن من يلقى السلاح من الجيش الأفغانى ويعلن استسلامه سيحصل على عفو عام لذلك كان المنظر فى اليوم الأول استسلام لواء كامل من الجيش الأفغانى بقوة 4 آلاف مقاتل. وكانت صورة قائد اللواء وهو يعلن استسلامه وقبول العفو العام شجعت كافة مقاتلى الجيش فى كافة مناطق أفغانستان على الاستسلام، لذلك لم تطلق طلقة واحدة من الجيش الأفغانى.. ونأتى للنقطة الخامسة أن طالبان استفادت من أخطاء الفترة السابقة ويبدو أن الأجيال الجديدة من طالبان ممن كانوا فى عمر الشباب 25 عاما أصبحوا الآن فى سن 45 عاما هم القادة الحاليون، وقد استفادوا من الأخطاء السابقة، فلقد أعلنوا أنه ليس لديهم مانع من تعلم المرأة بل وعملها مادام ذلك فى إطار الشريعة الإسلامية، وأعلنوا عزمهم تشكيل حكومة شاملة تجمع معظم الأطراف فى البلاد وغيرها من القرارات التى هوجمت عليها حركة طالبان فى الفترة السابقة.

كل هذه التصريحات أعطت الأمان للجيش الأفغانى أن يسلم سلاحه وأن تستولى طالبان على أحدث المعدات والأسلحة فى الترسانة العسكرية الأمريكية.. والنقطة السادسة كان من ذكاء قيادات طالبان الجديدة إعلانها العفو العام عن كل العاملين مع القوات الأمريكية العسكرية من المترجمين والمساعدين كذلك فى كل السفارات الأجنبية.. كل ذلك أعطى الاطمئنان لعناصر الجيش الأفغانى بأن تلقى السلاح وتسلم نفسها لقوات طالبان.. والنقطة السابعة كان هروب رئيس الدولة، وهو أمر أفقد الجيش الأفغانى روحه المعنوية وهو يرى رئيس دولته يهرب ويتركه وحيداً، والنقطة الثامنة أن الجيش الأفغانى تلقى تدريبات أولية من القوات الأمريكية خلال السنوات الماضية.

ولكنه لم يرق إلى مستوى التميز لأننا لم نسمع مثلا قيامه بإجراء تدريبات مشتركة مع دول مجاورة أو تدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية لذلك جاءت تحليلات الجميع بضعف أداء الجيش الأفغانى وهناك من يلقى اللوم على تقديرات الاستخبارات الأمريكية التى قدرت أن طالبان لن تستطيع السيطرة على أفغانستان إلا بعد 6 أشهر وأن الجيش الأفغانى قادر على الصمود وهذا بالطبع سوء تقدير من الاستخبارات الأمريكية التى لم تقدر قوة عناصر طالبان وسوء حالة الجيش الأفغانى، لذلك حدث ذلك الانهيار السريع وسقوط الدولة فى يد حركة طالبان بسهولة، وهناك من يلوم الرئيس جو بايدن على اتخاذ قرار الانسحاب ولكن الجميع يعلم أن ذلك القرار بسحب القوات الأمريكية اتخذ منذ عهد الرئيس السابق ترامب وكان يتم الاتفاق على سحب القوات خلال محادثات طالبان والوفد الأمريكى فى الدوحة فى قطر.

وهنا يجب أن نذكر أن سماح قوات طالبان للجيش الأمريكى بإجلاء كافة الرعايا الأمريكيين والمتعاونين معهم من الأفغان هو قرار فى غاية الذكاء وأيضاً تعلموه من الدروس السابقة لأن تدخل قوات طالبان لمنع الأمريكيين من إجلاء قواتهم وحلفائهم من مطار كابول كان يعنى حدوث حرب أهلية قد تعيد الأمريكان مرة أخرى للبلاد لذلك كان معنى تعاون طالبان مع الأمريكان لإجلاء رعاياهم غاية فى الذكاء ولعلى أسمعهم وهم يقولون «بس يخرجوا وبعد ذلك نفعل ما نريد».. لذلك كان رأى المستشارة الألمانية ميركل يجب أن ننتظر الأفعال من رجال طالبان لأنهم الآن يصرحون بالتصريحات التى تريح أمريكا والغرب، سوف نشكل حكومة شاملة سوف نعفو عن كل من تصالح معنا سنسمح بتعليم الفتيات وسنسمح بعمل المرأة.

سوف تكون طالبان بشكل جديد أمام المجتمع الدولى وأعتقد أنه ربما تكون طالبان صادقة هذه المرة فهى لا ترغب أن تكون فى عزلة دولية ثانية أمام العالم، رغم أن الصين وعدتها بالدعم الكبير عسكريا واقتصاديا لكن طالبان لا تريد أن تعود للوراء وتخسر الدعم العالمى وخاصة الاقتصادى، حيث قامت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتجميد كافة أموال طالبان فى البنوك الأوروبية علاوة على أن أفغانستان كانت تعيش على أموال الدعم من الحكومات الغربية وأمريكا لذلك مازالت تصريحات المستشارة الألمانية ميركل نحن ننتظر الأفعال من طالبان فى الفترة القادمة، لذلك فإننى أعتقد أن هذه الأفعال لن تظهر قبل شهر أكتوبر القادم بعد انسحاب كافة القوات الأمريكية والأجنبية ورعاياهم والمتعاونين معهم من أفغانستان ويعود مطار كابول تحت السيطرة الأفغانية، وقتها سنعرف تماما إلى أين تتجه أفغانستان فى الفترة القادمة.



Email: sfarag.media@outlook.com