العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومع الأسف، ضاعت القضية اليمنية فى أروقة الأمم المتحدة، التى غيرت مبعوثها إليها، لعدة مرات، مع استمرار فشل كل المساعى الرامية إلى التهدئة والاستقرار، لترمى الأزمة الإنسانية بظلالها على شعب اليمن.

اليمن السعيد.. لم يعد سعيداً «٢٠١١»

 

لواء د. سمير فرج

 2 سبتمبر 2021


تفيد معظم الكتابات بأن المرجعية التاريخية للقب اليمن السعيد، تعود إلى الإسكندر المقدونى، الذى أطلقه على اليمن بعد فشله فى غزوها، مراراً. والحقيقة أننى شاهد عيان على سعادة اليمن، بعدما عشت على أرضها ثلاث سنوات متواصلة، ضمن القوات المصرية التى أرسلها الرئيس الراحل عبدالناصر، لدعم عبدالله السلال عقب ثورته ضد الإمام البدر, فرغم مرارة الحرب، فإننى استشعرت سعادة اليمن من أجوائهاالصحية، وسهولها الخضراء، وطيبة شعبها، المتميز بالتسامح والكرم، رغم قبليته الشديدة، التى فطرته على الشهامة وعزة النفس.

أما اليوم، فالألم يعترينى وأنا أتابع ما يعانيه هذا البلد الشقيق من عدم استقرار، وضيق ذات اليد، وحروب أهلية، وإرهاب فرضته عناصر مجموعات الحوثيين وداعش، التى استقرت على أرض اليمن، واتخذتها منصة لإطلاق عملياتها الإرهابية، لتقضى بذلك على واحدة من أقدم، وأعرق، الحضارات فى التاريخ، التى عرفنا منها أشهر ممالك اليمن القديم، مملكة سبأ، ومملكة معين. ويعود الفضل لليمن فى تطوير أقدم الأبجديات فى العالم، المعروفة بخط المسند.

استقلت اليمن عن الدولة العثمانية عام 1918، وعرفت باسم المملكة المتوكلية، إلى أن تم إسقاطها فى عام 1962، وقامت الجمهورية اليمنية، حتى تحققت الوحدة مع عدن فى مايو 1990، وتولى رئاستهاعلى عبدالله صالح، حتى عام ٢٠١١، عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضده، ضمن سلسة ثورات الربيع العربى، ومن يومها لم تعرف اليمن الاستقرار. وفى سبتمبر 2014 سيطر الحوثيون على صنعاء، وهم جماعة دينية، أسسها عبدالله الحوثى عام 1992، فى منطقة صعدا شمال اليمن، وأطلق عليها اسم حركة أنصار الله، بهدف مناهضة الحكم القائم فى اليمن.

تتلقى تلك الجماعة الإرهابية،دعماً هائلاً من إيران، سواء بالتمويل أو بالتسليح، إذ تم إمدادها بالخبراء العسكريين الإيرانيين، فضلاً عن الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة بدون طيار، التى تطلقها، بصورة شبه يومية، فى اتجاه جنوب المملكة السعودية فى نجران وجيزان، وما تم من قبل من مهاجمة لمعامل أرامكو للبترول فى المملكة، وهو ما يتوافق مع محاولات إيران، الدائمة، لمد سلطانها فى المنطقة، لنصل اليوم إلى العام السابع، منذ بدء هذا النزاع، وإذا بنا أمام أكبر أزمة إنسانية عرفها العالم فى العصر الحديث، أزمة إنسانية مكتملة العناصر، خلفت وراءها نقصاً، يرتقى لحد العدم، فى الغذاء والمياه والأدوية والأمصال، فضلاً عن تهجير الأهالى من مدنهم وقراهم، وإغلاق المدارس، وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان.

بل امتدت العمليات الحوثية إلى ما يصنف كجرائم حرب، بزرعها الألغام فى أراضى اليمن، وتجنيد الأطفال ضمن ميليشياتهم، مع رفض تام لأى مبادرة لوقف إطلاق النار، كما حدث مع المبادرة التى تقدمت بها السعودية، وتقدموا بمبادرة، اطلقوا عليها مبادرة مأرب، تمحورت أهدافها الرئيسية حول اقتسام الحوثيين عائدات البترول والغاز الطبيعى وجميع ثروات اليمن، ليدور القتال، حالياً، حول مدينة مأرب، فى محاولة من الحوثيين السيطرة عليها، قبل الدخول فى أى مفاوضات، لوجود آبار النفط والغاز بها من ناحية، ولأنها آخر معاقل القوات الحكومية اليمنية فى الشمال، من ناحية أخرى.

ومع الأسف، ضاعت القضية اليمنية فى أروقة الأمم المتحدة، التى غيرت مبعوثها إليها، لعدة مرات، مع استمرار فشل كل المساعى الرامية إلى التهدئة والاستقرار، لترمى الأزمة الإنسانية بظلالها على شعب اليمن، والتى وصلت إلى منع ميليشيات الحوثيين لمد اليمن بالمعونات الإنسانية من الغذاء والأدوية المرسلة إليهم، وفى حالة وصول شحنات الأمم المتحدة إلى موانئ الحديدية، يستولى عليها الحوثيون، ولا يتم توزيعها على الشعب اليمنى، وفقاً للقوانين الدولية، لتتركه يعيش أسوأ فترة فى تاريخه، وتاريخ الإنسانية، فى العصر الحديث.بل امتد الإجرام الحوثى لرفض طلب الأمم المتحدة بإجراء عملية الصيانة لناقلة البترول صافر، الموجودة فى البحر الأحمر، أمام السواحل اليمنية، وهو ما قد ينجم عنه أكبر كارثة بيئية، فى العصر الحديث، تهدد منطقة البحر الأحمر بالكامل، حال حدوث تسريب، واشترطت الميليشيات الحوثية الحصول على كامل البترول،على ظهر هذه الناقلة، فى مقابل السماح بصيانتها.

وهكذا لم يعد اليمن سعيداً بالمرة، فهو يسير، بخطى متسارعة، فى نفق مظلم، لاتبدو له نهاية، يتسبب فى ظلمته الدعم الإيرانى، بالأموال والسلاح والعتاد، بهدف زعزعة الاستقرار فى المنطقة، خاصة فى المملكة العربية السعودية، والبحر الأحمر. ولم تجد الاستغاثات الدولية من كل منظمات الأمم المتحدة لإنقاذ شعب اليمن وأطفاله، علاوة على وجود أكثر من 700 ألف لاجئ صومالى، لا يتحملهم الاقتصاد اليمنى الهش، وعدد آخر من المتسللين من دول القرن الافريقى، الذين يتخذون من اليمن منفذاًإلى دول الخليج العربى، مع استمرار القتال، حالياً، بين قوات التحالف العربى، الذى تقوده السعودية والإمارات، لدعم الحكومة الشرعية اليمنية فى عدن، وبين قوات الحوثيين المدعومين من إيران.

وفى ظل تدهور الأوضاع، يعجز الجميع عن توقع موعد انتهاء ذلك الصراع الدامى، أو التنبؤ بمصير هذا الشعب العريق، الذى يشهد أكبر أزمة إنسانية، بسبب تدخل إيران السافر فى المنطقة... ويظل السؤال معلقاً عن موعد استقرار اليمن، وعودة الأمن والأمان لشعبه، وعودة الأطفال إلى مدارسهم، وإلى الحياة التى يستحقونها... ويبقى دعاؤنا وابتهالنا إلى الله أن يعود اليمن سعيداً كما كان، وكما عرفناه.



Email: sfarag.media@outlook.com