العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وظلت إيران بعدها تطور برنامجها النووى فى الخفاء إلى أن جاء شهر أغسطس 2002، حيث اكتشفت وكالة الطاقة الذرية آثار يورانيوم مخصب وموقعين سريين فى نطنز واراك.

إيران إلى أين بعد العودة إلى الاتفاق النووى؟
 

لواء د. سمير فرج

 11 نوفمبر 2021


فى تطور مفاجئ أعلنت إيران أنها سوف تستأنف المباحثات لإحياء الاتفاق السابق حول برنامجها النووى 5+1 مع الدول الكبرى فى فيينا فى يوم 29 نوفمبر القادم. وجاء إعلان وموافقة إيران على استئناف المفاوضات بعد ضغوط كبيرة تعرضت لها إيران فى الفترة الماضية، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية قد حذرت بأن التطور النووى فى إيران بلغ مستويات كبيرة.. كذلك ظهرت التهديدات الإسرائيلية الجادة نحو القيام بعمل عسكرى ضد المنشآت النووية فى إيران، وكان الاتحاد الأوروبى قد أعلن أن موفده، إنركى مورا، الذى سبق أن ترأس جولات سابقة من المحادثات مع طهران قد زار طهران مؤخرا، وعاد ليعلن أن إيران قبلت العودة إلى المفاوضات فى الجلسة القادمة التى ستعقد فى 29 نوفمبر القادم، وبعدها أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن عن عزم الولايات المتحدة على العودة إلى الاتفاق الذى تم عام 2015، لكنه اشترط عودة طهران لتنفيذ الاتفاق بجميع بنوده وفى واشنطن.

وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أن عددا صغيرا من القضايا لايزال عالقا عندما تم تعليق الاتفاق خلال المفاوضات غير المباشرة التى كانت تتم بينهم فى يونيو الماضى، وأضاف نيد أن الاتفاق من الممكن الوصول له سريعا لإنقاذ الاتفاق السابق 5+1 الذى يمنع حصول إيران على السلاح النووى.. لكنه شدد على أن صبر أمريكا لن يستمر طويلا وإلى ما لا نهاية، وعلى الطرف الآخر تطالب إيران برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. كذلك تطالب بضمانات أمريكية بتنفيذ الاتفاق الجديد بعد الوصول إليه.. حتى لا يحدث ما تم من ترامب عندما أعلن انسحاب أمريكا من الاتفاق السابق.

وكانت إيران قد وقّعت على الاتفاق النووى فى 14 يوليو 2015، بالعاصمة النمساوية بين مجموعة 5+1 وإيران بعد مباحثات استمرت 10 سنوات، حيث نص الاتفاق على رفع العقوبات الاقتصادية الموضوعة على إيران من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى فى مقابل تخلى إيران عن برنامج التسليح النووى والتوصل إلى تسوية بشأن تفتيش المواقع النووية والسماح للمفتشين التابعين لهيئة الأمم المتحدة بمراقبة المواقع العسكرية الإيرانية، ويومها كان تعليق الرئيس أوباما أن هذا الاتفاق النووى مع إيران يقطع أى طريق أمام إيران للحصول على أسلحة نووية.. بينما ذكر الرئيس الإيرانى الأسبق، حسن روحانى، أن الاتفاق يفتح فصلا جديدا فى علاقات إيران مع العالم.. لكن بعد كل ذلك الجهد جاء الرئيس ترامب إلى الحكم وأعلن، فى 8 مايو عام 2018، رسميا خروج بلاده من الاتفاق النووى الإيرانى، ووصف هذه الحركة بالانسحاب، وأضاف قائلا إن هذا ليس اتفاقا، وأمريكا لا تستطيع العمل به أو تنفيذه، وأضاف أن أمريكا سوف تفرض أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية مرة أخرى على إيران.

ولقد دعمت إسرائيل قرار ترامب، بينما رفضت باقى الدول الأوروبية، فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبى وروسيا وبريطانيا والصين، قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى 5+1.. وعلى مستوى الشرق الأوسط رحبت السعودية بقرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق.. أما رد إيران فلقد تقدمت فى 16 يوليو 2018 بشكوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة احتجاجا على إعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها مرة أخرى.

وعندما نعود إلى الخلفية التاريخية للملف النووى الإيرانى يظهر لنا أنه مر بحوالى 10 مراحل، بدأت فى خمسينيات القرن الماضى عندما وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووى مع الولايات المتحدة فى عهد الرئيس أيزنهاور، وحصلت إيران، أيامها، على أول مفاعلاتها النووية من أمريكا، وكان مفاعلا بحثيا قدرته 5 ميجاوات، وعندما وقعت إيران على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968 أصبحت خاضعة للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة، بعدها طورت إيران نفسها بإنشاء الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، وفى عام 79 عندما تم قطع العلاقات بين إيران وأمريكا توقف البرنامج النووى الإيرانى بعد اندلاع الثورة الإيرانية.

وظلت إيران بعدها تطور برنامجها النووى فى الخفاء إلى أن جاء شهر أغسطس 2002، حيث اكتشفت وكالة الطاقة الذرية آثار يورانيوم مخصب وموقعين سريين فى نطنز واراك، بعدها تعهدت إيران بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، لكن بعدها استمرت إيران فى تطوير أنشطتها النووية حتى وصلت عام 2009 إلى مستوى تخصيب 20% فى نطنز، وفى هذا التوقيت هددت إسرائيل بشن ضربة وقائية لبرنامج إيران النووى، لكن قامت الولايات المتحدة بإيقاف إسرائيل عن تنفيذ تلك الضربة، وفى عام 2015 تم الاتفاق التاريخى 5+1 بعد أزمة استمرت 12 عاما.

لذلك يترقب الجميع ماذا سيحدث فى الاجتماع القادم فى فيينا يوم 29 نوفمبر الحالى، لأن المباحثات لن تقتصر على عدم حصول إيران على السلاح النووى، حيث إن هناك مطالب أخرى للولايات المتحدة ودول أوروبا وإسرائيل، وهى عدم تطوير إيران الصواريخ البالستية التى تمتلكها حاليا، حيث يصل مداها إلى حدود اليونان.. ومعنى تطويرها بعد ذلك أن تغطى أوروبا بالكامل وتصبح الدول الأوروبية رهينة للصواريخ البالستية الإيرانية، وهنا السؤال: هل ستوافق إيران على تحجيم صواريخها البالستية؟.

ويأتى المطلب الثالث من الولايات المتحدة وأوروبا، وهو تحجيم الدور الإيرانى فى المنطقة، ويقصد به أذرع إيران العسكرية فى دول المنطقة، فهناك حزب الله فى لبنان الذى أصبح يسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية فى لبنان، بل ويهدد إسرائيل مباشرة، وتأتى الذراع الثانية وهى قوات الحشد فى العراق، صحيح أن عناصرها خسرت الانتخابات الأخيرة فى العراق، لكن قوتها العسكرية فى العراق لها تأثير كبير فى الشارع العراقى، ثم تأتى الذراع الثالثة العسكرية الإيرانية فى الشرق الأوسط، وهى التواجد الإيرانى فى سوريا، سواء بقواته المباشرة من الحرس الثورى الإيرانى أو عناصر حزب الله فى سوريا، ثم الذراع العسكرية الرابعة الإيرانية فى المنطقة وهى الحوثيون فى اليمن التى أصبحت تسيطر على اليمن الشمالى ومدخل خليج باب المندب الذى يمر عليه 30% من الطاقة العالمية إلى أوروبا.

أما الذراع الخامسة الإيرانية فهى عناصر الحرس الثورى الإيرانى التى تسيطر على خليج هرمز المسيطر على وصول الطاقة من الخليج العربى إلى اليابان والصين والى أوروبا، خاصة أن السعودية الحليف الرئيسى للولايات المتحدة تقف حاليا عاجزة أمام الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة التى يطلقها الحوثيون تجاه الأراضى السعودية، لذلك يصبح التوتر القادم يوم 29 نوفمبر ليس فقط من أجل عدم حصول إيران على السلاح النووى، لكن هناك تقليص قوة الصواريخ البالستية وكبح جماح أذرع إيران العسكرية فى المنطقة، وأعتقد أن ذلك العامل سيكون أكبر مشكلة فى المفاوضات القادمة التى ستبدأ يوم 29 نوفمبر الحالى.

وعلى الجانب الآخر ستطلب إيران رفع جميع العقوبات الاقتصادية التى فرضت عليها، كذلك تطلب إيران رفع قادتها من قوائم العقوبات، خاصة رفع اسم إبراهيم رئيسى، الذى أصبح الرئيس الإيرانى الجديد، ورفع مكتب المرشد والمرشد نفسه من على قائمة العقوبات أيضا، كذلك تطلب إيران ضمان عدم عودة الولايات المتحدة إلى الخروج من الاتفاق كما حدث من قبل فى عهد ترامب، كذلك من المتوقع أن تستغل إيران تقدمها النووى فى الفترة السابقة للحصول على مزيد من التنازلات من الولايات المتحدة، لكن على الطرف الآخر سوف تضغط الولايات المتحدة نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها إيران حاليا، نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، حيث لن يتحمل النظام الإيرانى المزيد من الاضطرابات الداخلية.

لكن مطالب أمريكا وأوروبا سيكون مستحيلا أن تقبل بها إيران.. وهذا يدفع الجميع لأن يقول: هناك الخطة B لكل من إيران والولايات المتحدة.. وهذه لها حسابات أخرى يمكن أن نتناولها فى مقال آخر.. حيث قد يكون الخيار العسكرى أحد الخيارات، وهو أمر غير مرغوب فيه من كل الأطراف، وعلينا أن ننتظر لكى نعرف إلى أين ستتوجه إيران فى المفاوضات القادمة.. لذلك فإن الجميع ينتظر نتائج هذه الاجتماعات القادمة فى فيينا.. والسؤال: هل ستحقق هذه النتائج الاستقرار فى المنطقة؟.



Email: sfarag.media@outlook.com