العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة، تكثيف روسيا قتالها فى منطقة دونباس، بشرق أوكرانيا، وحرمانها من النفاذ لبحر آزوف والبحر الأسود.

!هل يحتفل بوتين بانتصاره على أوكرانيا 9 مايو؟
 

لواء د. سمير فرج

 14 إبريل 2022


فجأة بدأت المواقع الإخبارية تنشر تنبؤات مراكز الدراسات الاستراتيجية، فى مختلف أنحاء العالم، عن أن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، سينهى حربه على أوكرانيا، قبل يوم التاسع من مايو، وهو اليوم الذى تحتفل فيه روسيا، كل عام، بانتصارها على النازى، فى الحرب العالمية الثانية. فيشهد ذلك اليوم، عرضا عسكريا هائلا من الجيش الأحمر الروسى، تستعرض خلاله روسيا أحدث أسلحتها ومعداتها العسكرية، وهو الحدث الذى يترقبه المتخصصون، حول العالم، بشغف، للتعرف على أحدث إصدارات التسليح الروسى، الذى يكون ظهوره الأول، فى هذا الاحتفال، من كل عام. ونظرا لأهمية الحدث، على الخريطة العسكرية العالمية، فقد توقع العديد من المفكرين والمحللين، أن يحاول بوتين إنهاء العمليات العسكرية، وحربه، فى أوكرانيا، قبل هذا التاريخ، ليكون احتفال التاسع من مايو، هذا العام، ليس بهزيمة النازية فى الحرب العالمية الثانية، فحسب، وإنما يضاف إليه احتفال بانتصاره على الغرب،وأمريكا،وحلف الناتو، ثم أوكرانيا، وتوقيع اتفاق السلام، خاصة أن الرئيس الأوكرانى، زيلينسكى، قد وافق على اعتبار أوكرانيا دولة محايدة، ولم يبق إلا اعتراف بلاده بحق روسيا فى شبه جزيرة القرم.

لقد كانت أهداف روسيا الاستراتيجية، عند شن هجومها،على أوكرانيا، يوم 24 فبراير الماضى، هو تدمير البنية العسكرية التحتية الأوكرانية، وهو ما تحقق فى الأسابيع الأولى من القتال، بنجاح القوات الروسية فى تدمير مراكز القيادة الأوكرانية، والقواعد العسكرية، والطائرات الحربية، ومواقع الدفاع الجوى، والرادارات، لتصبح لروسيا، بعد أسبوعين، فقط، السيطرة التامة على الأجواء الأوكرانية، مما دفع الرئيس زيلينسكى إلى توجيه طلب، لحلف الناتو،لاعتبار سماء أوكرانيا منطقة حظر جوى، إلا أن الولايات المتحدة وحلف الناتو رفضا ذلك، باعتباره حربا مباشرة منهما على روسيا، وهو ما قررا عدم حدوثه منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب.

بعدها بدأت القوات الروسية فى حصار كييف، العاصمة، بهدف الاستيلاء عليها، وإعلان سقوط الدولة، إلا أن القوات الأوكرانية تعاملت مع الموقف بذكاء شديد، مستغلة فقدها السيطرة الجوية أمام روسيا، فانسحبت للقتال فى المدن، بدلا من قتال الجيش الروسى فى العراء، وهو المتفوق كما ونوعا، فضلا عما اكتسبه من سيطرة جوية.فتراجعت القوات الأوكرانية لداخل المدن فى كييف، وخاركيف وسومى فى غرب أوكرانيا، ولفيف فى جنوب أوكرانيا، فى اتجاه الحدود مع بولندا، اعتمادا على أن حرب المدن، والقتال فى الشوارع، هما أسوأ وأصعب أنواع القتال للجيوش النظامية، فنجحت أوكرانيا فى إحداث خسائر فى الجيش الروسى، الذى لم يجد أمامه سبيلا إلا اقتحام المدن الأوكرانية باتباع سياسة المدن المحروقة، بمعنى إسقاطها بتدميرها دمارا شاملا، وهو ما يتعارض مع قرارات الرئيس الروسى بوتين، الذى أعلن رفضه لانتصار عسكرى، وخسارة الشعب الأوكرانى، باعتباره امتدادا للشعب الروسى، فضلا عما سيواجهه من انتقادات دولية.

وعليه، غيّر بوتين، منذ الشهر الثانى للعملية، خطته الهجومية وعدّل مسارها فى اتجاه الشرق، حيث نجح فى الاستيلاء على مدينة خيرسون، المطلة على بحر آزوف، ولم يبق إلا القليل لتسقط مدينة ماريبول فى يده، وهو الجزء المتصل مع الجمهوريات الانفصالية، عن أوكرانيا، التى اعترفت بها روسيا، قبل بدء الحرب.كما سيشن الجيش الروسى، خلال الفترة القادمة، هجوما على أوديسا،على البحر الأسود، التى تعد عصب الاقتصاد الأوكرانى، ويتم من خلالها تصدير واستيراد جميع احتياجات أوكرانيا.ولو نجح الجيش الروسى فى تحقيق تلك الأهداف، فستتحقق له السيطرة على إقليم دونباس، بالكامل،بما يعنى السيطرة على بحر آزوف والبحر الأسود، بما سيضع أوكرانيا فى موقف صعب، نظرا لأن منطقة دونباس هى أرض مفتوحة، وليست جبلية مثل مناطق كييف، بما سيسهل على القوات الروسية قتال القوات الأوكرانية، خاصة أن معظم التعزيزات العسكرية التى وصلت لأوكرانيا من حلف الناتو وأمريكا، تم توزيعها فى كييف وغرب البلاد، فى حين مازالت شرق أوكرانيا تحارب بالأسلحة القديمة. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة، تكثيف روسيا قتالها فى منطقة دونباس، بشرق أوكرانيا، وحرمانها من النفاذ لبحر آزوف والبحر الأسود.وعلى الطرف الآخر سيستمر دعم الولايات المتحدة ودول حلف الناتو لأوكرانيا بنفس الأسلحة الدفاعية المحدودة الأثر، والتى تستهدف، بالأساس، مد فترة الحرب لاستنزاف قدرات روسيا المالية والاقتصادية، وحتى يمكن للعقوبات الاقتصادية أن تؤتى ثمارها التى يتمناها الغرب، وهو ما يدركه بوتين، تمام الإدراك، لذا سيعمل، فى الفترة القريبة القادمة، على ألا ينجرف لتلك الهوة، بإطالةأمد عمليات القتال، واستنزاف موارده الاقتصادية.وفى المقابل، ومع وعى الرئيس الأوكرانى زيلينسكى لحجم الخسارة الواقعة على بلاده، التى يتم تدمير بنيتها المدنية الأساسية مثل محطات المياه والكهرباء ووسائل الاتصال والمطارات، فضلا عن بنيتها العسكرية، بينما الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لا تمده بالأسلحة اللازمة للتصدى للهجوم الروسى، مثل صواريخ الدفاع الجوى والطائرات المقاتلة، أظنه سيسارع فى التوصل إلى اتفاق سياسى مع روسيا لإنهاء أعمال القتال. وهكذا فسنتابع، فى الأيام القليلة القادمة، إذا ما كان بوتين سيحقق غايته بالنصر قبل التاسع من مايو، أم سينجح الغرب وأمريكا فى إطالة أمد هذه الحرب، لتقويض الاقتصاد الروسى، رغم ما سيكون له من أثر سلبى على كل دول العالم.



Email: sfarag.media@outlook.com