العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

والحقيقة أن الخاسر الأكبر، هو أوكرانيا، التى فقدت فى الأيام الأولى، من تلك الحرب، البنية التحتية العسكرية لقواتها المسلحة، بعدما نجحت القوات الروسية فى تدمير وسائل الدفاع الجوى الأوكرانى.

الحرب الروسية الأوكرانية .. الرابح والخاسر
 

لواء د. سمير فرج

 21 إبريل 2022


أوشكت الحرب الروسية ـ الأوكرانية أن تنهى شهرها الثانى من القتال، الذى بدأ فى 24 فبراير الماضى، فارضة سؤالا رئيسيا عمن الخاسر ومن الرابح من هذه الحرب، التى خلفت وراءها الكثير من الدمار والمشكلات الاقتصادية، التى تخطت الحدود الجغرافية لميدان الحرب، وامتدت للعالم كله.

والحقيقة أن الخاسر الأكبر، هو أوكرانيا، التى فقدت فى الأيام الأولى، من تلك الحرب، البنية التحتية العسكرية لقواتها المسلحة، بعدما نجحت القوات الروسية فى تدمير وسائل الدفاع الجوى الأوكرانى، والقواعد الجوية، والمطارات، والطائرات، ومراكز القيادة والتجمعات الرئيسية للجيش الأوكرانى، والرادارات، لتصبح سماء أوكرانيا مفتوحة أمام القوات الجوية الروسية والصواريخ البالستية، لدرجة أن الرئيس الأوكرانى زيلينسكى طلب من حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية فرض حظر جوى فوق أوكرانيا، إلا أن الغرب رفض طلبه باعتبار الاستجابة له، الدخول فى حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما لا يسعى له الغرب.

كما فقدت أوكرانيا معظم البنية التحتية لكثير من مدنها، كمحطات المياه والكهرباء، وخطوط السكك الحديدية، والمستشفيات وحتى المسارح، وطال التدمير، سواء كليا أوجزئيا، معظم المدن والقرى، القريبة من العاصمة كييف، ومنهما ريبول، التى أعلن عمدتها تدمير المدينة بالكامل، مثل مدن خيرسون ولفيف وخاركيف وإقليم دونباس، وكذلك أوديسا الحاضنة لأهم موانئ أوكرانيا، مما تسبب فى عجزها عن تصدير ما نجا من محاصيلها من القمح والذرة، وهو ما سيتطلب عقودا طويلة، قبل ان تتمكن أوكرانيا من إعادة بناء دولتها، اقتصاديا وعسكريا. يضاف إلى كل ذلك التدمير المادى، تدمير نفسى ومعنوى طال الشعب الأوكرانى، جراء أهوال الحرب، المؤدية للتشتت الأسرى، ووجود نحو 5 ملايين لاجئ أوكرانى، اليوم، فى دول الجوار.

أما الخاسر الثانى، فهى روسيا، التى كبدتها، هذه الحرب، خسائر اقتصادية هائلة، ستتثاقل أعباؤها على مستقبل روسيا، لتحد من فرصها للنمو والتنمية، نتيجة لاستنزاف مواردها الاقتصادية، علاوة على العقوبات الاقتصادية، الشديدة، التى فرضتها الولايات المتحدة، ومعظم الدول التابعة لها،على روسيا والتى سيكون لها آثار سلبية على مؤشرات الاقتصاد الروسى، فى المدى القصير والمتوسط، لتتأثر قدرتها على النمو الاقتصادى والتطوير العسكري.

أما الخسارة الثانية لروسيا، فتتمثل فى تنامى العداء بين الشعب الأوكرانى وروسيا، التى كانت ترى أن شعب أوكرانيا جزء من الشعب الروسى، وما مثله ذلك من صمام أمان تاريخى للحدود الروسية، أما اليوم، وبعدما تعرض الشعب الأوكرانى لأقسى درجات الألم المادى والمعنوى، نتيجة لأعمال القصف والتدمير من القوات المسلحة الروسية، تجاه وطنه، وأمام حجم الخسائر البشرية، فلا أظن أن ينسى الشعب الأوكرانى، أبدا، ما فعله الروس بهم. كما خسرت روسيا، حلفاء دوليين، يمثلون الكثير من الدول، التى تدور فى فلك الولايات المتحدة الأمريكية،والذين صاروا يناصبون روسيا العداء، وهو ما سيشكل تحديا سياسيا ودبلوماسيا لروسيا فى المجتمع الدولى، مستقبلا.

والحقيقة أن أحدا لم يأمن ويلات تلك الحرب، فعلى المستوى العالمى، تأثر اقتصاد معظم دول العالم، بهذه الحرب، نتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد، وتأثُر حجم المعروض سلبيا، أمام ثبات أو زيادة الطلب، لينتج عن ذلك ارتفاع الأسعار، مثلما حدث لأسعار الغلال فى العالم، والتى تعانيها، بشدة، الدول المعتمدة على القمح والذرة الروسى والأوكرانى، بشكل أساسى، إذ صار تدبير احتياجاتها من تلك الحبوب، النادرة نسبيا، يؤثر على موازناتها واقتصاداتها. مثلها فى ذلك مثل العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا، التى تعتمد اعتمادا شبه كلى على الإمدادات الروسية، من الغاز والنفط، وعدم القدرة على تعويض الغاز الطبيعى الروسى، فى المستقبل القريب، على أحسن تقدير، رغم محاولات الولايات المتحدة لتعويض هذا النقص من الاحتياطى الأمريكى، إلا أن المشكلة مازالت تهدد معظم دول أوروبا، وتمثل شبحا مخيفا، خاصة إذا ما استمر الوضع على ذات المنوال حتى مشارف فصل الشتاء. كما ارتفعت أسعار الوقود فى العالم كله، لتضيف مشكلة أخرى لاقتصادات معظم الدول، المتقدمة منها والنامية، رغم تفاوت القدرة النسبية لكل فئة على امتصاص الصدمة.

وفى نظرى فإن أول الرابحين، من هذه الحرب، هى الولايات المتحدة الأمريكية، بتحقيق هدفها بإضعاف القوى العالمية المضادة لها، لتعطيل فرص نموها باعتبارها غريمها الأزلى والتاريخى، لذلك تحاول أمريكا، حاليا، إطالة أمد الحرب، لضمان إنهاك الاقتصاد الروسى، من خلال إمداد أوكرانيا بالأسلحة وتدعيمها معنويا وسياسيا. ويتربع المركز الثانى فى قائمة الرابحين، بريطانيا التى تتفق مع أمريكا فى ضرورة كسر شوكة روسيا، من خلال إنهاكها اقتصاديا، فضلا عن مكاسب رئيس الوزراء جونسون بانشغال شعبه بهذه الحرب، عن أزمة إقامته لاحتفال، بمقر رئاسة الوزراء، إبان فترة الحظر الصحى لفيروس كورونا، وهى الأزمة التى انتهت بتوقيع غرامة، بعدما كان مهددا بفقدان منصبه. كما حقق حلف الناتو بعض المكاسب، باستعادة بعض قوته وسيطرته، خاصة أن الرئيس الفرنسى ماكرون قد وصفه، من قبل، بأنه فى حالة موت سريري.

وهناك من لا يصنف أنه رابح أو خاسر، مثل ألمانيا التى تواجه مشكلات نقص إمداد الغاز الطبيعى من روسيا، ولكنها تعلمت درس ضرورة الاعتماد على قواتها، وليس على حلف الناتو، فى حماية حدودها، فقرر مستشارها تخصيص 100 مليار يورو، من موازنة العام الحالى، لدعم جيش بلاده، وتعزيز قدراته بشراء 35 طائرة حديثة من الولايات المتحدة... وهكذا فإن هذه الحرب خلقت العديد من المصالح والمآسى لدول العالم، وليس لروسيا وأوكرانيا، فقط.



Email: sfarag.media@outlook.com