العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى عام 2000 أصدرت دائرة المسح الجيولوجى الأمريكية، تقريراً يفيد بأن القطب الشمالى يحتوى على 25% من الاحتياطات العالمية، غير المكتشفة، من النفط والغاز الطبيعى،إلى جانب احتياطى كبير من الماس والذهب والبلاتين والقصدير والمنجنيز والرصاص.

هل نرى حربًا جديدة فى القطب الشمالى؟
 

لواء د. سمير فرج

 28 إبريل 2022


وكأن العالم لم تكفه الحرب الروسية الأوكرانية، الدائرة حتى كتابة تلك السطور، ليبدأ فى خلق صراع جديد، فى منطقة أخرى، تتصاعد أحداثه باضطراد، مُنذرة بحرب، أو حروب، جديدة فى المستقبل القريب. وهى منطقة القطب الشمالى، التى صارت، فجأة، إحدى المناطق الساخنة، القابلة للانفجار، وذلك بالتزامن مع ظهور ثروات هائلة بها، رغم كونها ثانى أبرد منطقة بالكرة الأرضية، نظراً لاستقبالها أقل كمية من أشعة الشمس، وبالتالى تكسوهاالثلوج، بطبقة سميكة، على مدى العام.

والقطب الشمالى هو أعلى نقطة،على محور دوران كوكب الأرض، ويقع فى المحيط المتجمد الشمالى، وطبقاً للقانون الدولى، فإن منطقة القطب الشمالى ملك للإنسانية جمعاء، ولا تتبع حدود أى دولة، ولا يمكن لأى دولة ادعاء السيادة عليه، أو على أجزاء منه، حتى من دول الجوار الخمس، وهى روسيا وكندا والنرويج والدنمارك والولايات المتحدة الأمريكية.

وفى عام 2000 أصدرت دائرة المسح الجيولوجى الأمريكية، تقريراً يفيد بأن القطب الشمالى يحتوى على 25% من الاحتياطات العالمية، غير المكتشفة، من النفط والغاز الطبيعى،إلى جانب احتياطى كبير من الماس والذهب والبلاتين والقصدير والمنجنيز والرصاص. ولتبسيط الصورة باستخدام لغة الأرقام،فتفيد التقارير بوجود 90 مليار برميل من النفط، بالقطب الشمالى، وهو ما يكفى لتلبية الطلب الأمريكى على النفط، لمدة 12 عاماً، فضلاً عن توقع وجود ما يزيد على خمسين تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

ومن هنا بدأ الاهتمام بالقطب الشمالى، أو بصريح العبارة الصراع على منطقة القطب الشمالى، حيث بدأت دول الجوار المطالبة بضم جزء من أراضى القطب الشمالى إلى حدودها، للاستفادة من هذه الثروات، خاصة بعدما نجحت روسيا، كأول دولة، فى استخراج النفط والغاز من داخل حدودها بالمنطقة القطبية، التى يمثل فيها شاطئها الساحلى نسبة 53% من ساحل المحيط المتجمد الشمالي. واستغلت الولايات المتحدة الأمريكية وقوع ولاية ألاسكا، التابعة لها، على المحيط المتجمد الشمالى، بالقرب من الحدود الروسية، فقامت بنشر 27 ألف جندى بها، وأقامت مناورات عسكرية فى الشمال.

إلا أن الأطماع لم تقتصر على دول الجوار، بل امتدت لأبعد منها، فتجد الصين قد استثمرت فى القطب الشمالى نحو 90 مليار دولار ما بين عام 2014 و2017، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكى، الأسبق، مايك بومبيو، للتصريح بوضوح أطماع الصين، فى القطب الشمالى، ومعلناً رفضه أن يكون لبكين أى حقوق فى المنطقة المتجمدة، لترد الصين باحترامها سيادة الدول، داخل حدودها الرسمية، المعترف بها، لكن منطقة القطب الشمالى ليست ضمن الحدود الإقليمية لهذه البلدان المشاطئة للمحيط، مضيفة أن تعداد الصين، يمثل خُمس سكان العالم، وهو ما ترى معه أحقيتها فى خمس الثروات الطبيعية، بمنطقة القطب الشمالى، خارج حدود هذه الدول المشاطئة.

ومع التغيرات المناخية التى يشهدها العالم منذ سنوات، بدأ ذوبان الجليد، فى القطب الشمالى، ليظهر معه احتمالية لوجود طريق ملاحى، جديد، عبر الشمال، بين روسيا والصين، يسمح بنقل البضائع بين أوروبا وآسيا بشكل أسرع. واعتماداً على تشوق وتطلع دول شمال أوروبا لاستخدامه، وتعزيزاً لقدراتها فى التحكم فى دول أوروبا، انطلقت روسيا لاستثمار مبالغ طائلة، فى مشروع الطريق الملاحى الجديد، بتنفيذ أنظمة جديدة للملاحة، ومحطات الغاز الطبيعى، والخدمات،فضلاً عن استخدام كاسحات الجليد النووية، من طراز أركتيكا, القادرة على تحطيم الجليد، خلال تحركها للأمام وللخلف، بهدف جعل هذا الطريق الملاحى قابلاً للاستخدام معظم شهور العام، بدلاً عما يقل عن ثلاثة أشهر فى العام بأكمله.

ولاختبار ذلك الطريق الملاحى الجديد، استخدمته شركة جازبروم الروسية للنفط، فى تصدير الشحنة النفطية الثانية إلى الأسواق الأوروبية، وبنجاح المهمة أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى بداية عام 2021، تشكيل قوة عسكرية، فى منطقة القطب الشمالى، بهدف الدفاع عن أمن روسيا، ومصالحها، وذلك رداً علىإعلان وزير الخارجية الأمريكى، الحالى،أنتونى بلينكن الذى طلب تجنب عسكرة القطب الشمالي. فطبقاً للقانون الدولى، يتم تنظيم العلاقة بين الدول الخمس المشاطئة للقطب الشمالى، روسيا وكندا والدنمارك والنرويج وأمريكا،بإعمال قانون البحار، الصادر من الأمم المتحدة، عام 1982، عن اتفاقية حقوق الملكية فى الجرف القارى، إلا أن هناك دولا متداخلة فى المنطقة، مثل فنلندا والسويد وأيسلندا، ولكل منها حدود داخل المياه، تمتد إلى 200 ميل بحرى، بينما يعد الباقى مياهاً دولية.

وللحد من أطراف النزاع، المرتقب، وتلبية لطموحات وأطماع الدول الخمس بالتوسع فى منطقة القطب الشمالى، تسعى تلك الدول لإعادة تفسير الاتفاقية الدولية لقانون البحار عام 82، بحيث تسمح بزيادة مساحة الجرف القارى من 200 ميل، من الساحل، إلى 350 ميلا.

وهكذا سيتحول الصراع، حول ثروات القطب الشمالى، إلى نزاعات سياسية وعسكرية، ولاسيما أن دولاً عظمى، مثل روسيا وأمريكا، تتضارب مصالحهما حول حرمان الصين من المشاركة فى الثروات الاقتصادية للقطب الشمالى، بينما قد يتفقان حول حرمان دول أخرى من ذات الثروات. وهكذا ظهرت بؤرة جديدة للصراع فى العالم قد تتطور الأحداث فيها إلى تدخل عسكرى نظراً للإمكانات الاقتصادية الهائلة التى يتمتع بها القطب الشمالى، والإمكانات السياسية والعسكرية الهائلة لأطراف النزاع المحتمل.



Email: sfarag.media@outlook.com