العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وعادةً ما يجرى احتفال عسكرى كبير فى موسكو كل عام فى الميدان الأحمر، حيث يأمل بوتين فى أن يعلن فى هذا اليوم عيد النصر أنه حقق نصره الأكبر على أوكرانيا بتمام الاستيلاء على شرق أوكرانيا وأصبحت له السيطرة الكاملة على بحر آزوف والبحر الأسود.

السيناريوهات الروسية بعد سقوط ماريوبول
 

لواء د. سمير فرج

 28 إبريل 2022


بدأ العديد من المفكرين العسكريين والسياسيين فى وضع تصور لاحتمالات وسيناريوهات عمل القوات الروسية بعد سقوط مدينة ماريوبول من خلال أربعة سيناريوهات محتملة:

الأول: يقوم على أساس سرعة استيلاء القوات الروسية على منطقة شرق أوكرانيا، من خلال استكمال الاستيلاء على منطقة دونباس لتأمين كل حدود الجمهوريات الانفصالية دونيتسك ولوجانسيك، بحيث تصبح السيطرة كاملة على هذه الجمهوريات وفى نفس الوقت تتقدم القوات الروسية لمهاجمة أوديسا، التى غالبًا ما سيتم ذلك من خلال إنزال بحرى من البحر الأسود، حيث إن مهاجمة هذه المدينة من اتجاه الغرب ستتعرض فيها القوات الروسية لقتال شرس من حدود المدينة، ولذلك سوف تركز القوات الروسية كافة إمكانياتها النيرانية فى هذا الاتجاه، وتأمل القوات الروسية فى تحقيق هذا الهدف بالاستيلاء على مدينة أوديسا مع أوائل الشهر القادم قبل التاسع من مايو، يوم الاحتفال بعيد النصر للجيش الأحمر الذى انتصر فيه على النازى الألمانى فى الحرب العالمية الثانية، وعادةً ما يجرى احتفال عسكرى كبير فى موسكو كل عام فى الميدان الأحمر، حيث يأمل بوتين فى أن يعلن فى هذا اليوم عيد النصر أنه حقق نصره الأكبر على أوكرانيا بتمام الاستيلاء على شرق أوكرانيا وأصبحت له السيطرة الكاملة على بحر آزوف والبحر الأسود، وأصبحت أوكرانيا دولة لا شاطئية محرومة تمامًا من أكبر الموانئ فى دولتها ماريوبول وأوديسا.. وفى هذه الحالة، لو نجح بوتين فى تحقيق هذا النصر سيعلن توقف القتال ويبدأ فى المفاوضات مع أوكرانيا ولتنفيذ شروطه للسلام التى تتضمن إعلان أوكرانيا دولة محايدة طبقًا للمواصفات الدولية، مع تحديد أعداد القوات المقاتلة فى الجيش الأوكرانى ألا تزيد على 50-40 ألف مقاتل.

والشرط الثانى هو عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو أى حلف عسكرى آخر. ويأتى الشرط الثالث فى اتفاق السلام بموافقة أوكرانيا على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا.. أما الشرط الرابع فهو اعتراف أوكرانيا بانفصال الجمهوريتين لوجانسيك ودونيتسك عن أوكرانيا.

وفى حالة عدم قبول أوكرانيا هذه الشروط لتوقيع اتفاقية السلام، فإن بوتين سيعلن استمرار القتال فى باقى اتجاهات أوكرانيا ومن المتوقع أن توافق أوكرانيا على الشرط الأول وهو حياد الدولة والشرط الثانى وهو عدم انضمامها الى حلف الناتو، أما الشرط الثالث بخصوص الموافقة على ضم شبه جزيرة القرم فهو موضوع شائك من الصعب قبول الرئيس الأوكرانى به. أما الشرط الرابع بخصوص الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين فمن الممكن قبول أوكرانيا منحهما الحكم الذاتى، وهو أمر قد تقبله روسيا مؤقتًا فى حالة الوصول إلى حل بخصوص مشكلة شبه جزيرة القرم.

أما السيناريو الثانى للقوات الروسية فى حالة عدم موافقة أوكرانيا على وقف القتال وتوقيع اتفاقية السلام، فإنه من المنتظر أن تتقدم القوات الروسية فى اتجاه جنوب أوكرانيا فى اتجاه لفيف على الحدود البولندية، حيث إن الهدف من هذا الاتجاه هو إغلاق الحدود بين أوكرانيا وبولندا، حيث إنه الطريق البرى المفتوح حاليًا لوصول الدعم العسكرى من الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو إلى أوكرانيا، كما أن مدينة لفيف كان الرئيس الأوكرانى زيلينسكى يعدها لتكون العاصمة المؤقتة التى ينتقل إليها بعد سقوط كييف، خاصة أن العديد من السفارات الأجنبية قامت بالفعل فى الأيام الأولى من القتال وحصار كييف بالنقل إلى مدينة لفيف. ونرى أن هذا الاتجاه الثانى للقوات الروسية يمثل أكثر احتمالا، نظرًا لضعف الدفاعات وحجم القوات الأوكرانية هناك، لأن التركيز فى السابق كان فى اتجاه العاصمة كييف.

أما السيناريو الثالث فهو أن تتقدم القوات الروسية فى اتجاه المناطق الانفصالية فى مولدوفا، ثم تبدأ روسيا فى إجراء استفتاء فى الجمهوريتين الانفصاليتين شرق أوكرانيا ومعها مناطق ماريوبول وأوديسا ومناطق مولدوفا، بهدف فصل شرق أوكرانيا عن الدولة الأم، وهذا الأمر أزعج مولدوفا عندما أعلن أحد القادة الروس ذلك فى الأسبوع الماضى.

أما السيناريو الرابع فهو تحويل القوات الروسية اتجاهها بعد الاستيلاء على شرق أوكرانيا وسقوط أوديسا إلى مهاجمة كييف العاصمة وإعادة حصارها.. ويتساءل البعض: لماذا يكون اتجاه كييف هو السيناريو الرابع وليس الثانى؟.. ويكون الرد بأن الهجوم على لفيف أسهل، وحجم القوات الأوكرانية هناك أقل، والأهم من ذلك كله أن بوتين يريد أن تكون دولة أوكرانيا موجودة برئيسها وحكومتها وعاصمتها عند توقيع أى اتفاقية سلام، لأن توقيع اتفاقية سلام دون وجود الدولة والرئيس لن يعترف بها المجتمع الدولى.

ومن هنا نتذكر معًا تراجع بوتين بعد اليوم الثانى من بدء القتال مع أوكرانيا يوم 26 فبراير الماضى عن فكرة إزاحة الرئيس الأوكرانى زيلينسكى وتعيين رئيس جديد، بل طالب أيامها الجيش الأوكرانى بأن يتولى الحكم، بعدها تراجع بوتين وألغى هذه الفكرة حتى يظل الرئيس الأوكرانى المنتخب من الشعب هو الذى سيوقع على أى اتفاقية سلام قادمة مع روسيا، حال نجاح روسيا فى تحقيق النصر وتوقيع اتفاقية سلام مع أوكرانيا.. بعدها سوف تدخل روسيا فى مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، حيث لن تنسحب من الأراضى الأوكرانية إلا بعد ضمان إلغاء كافة العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وحتى اليابان على روسيا. وأعتقد أن تلك ستكون أصعب المفاوضات، لأن الولايات المتحدة وباقى الدول تريد ضمان ألا تكرر روسيا مثل هذه العمليات مستقبلًا وتهاجم إحدى الدول المجاورة لمجرد تفكيرها فى الدخول لحلف الأطلنطى..

وهذه مشكلة أخرى ستتم مناقشتها فى مثال آخر.



Email: sfarag.media@outlook.com