العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفى هذا الصدد، يرى البعض أن نجاح المفاوضات مرهون بالاتفاق النووى الإيرانى، والذى سيتحدد على أثره استمرار إيران فى دعم الحوثيين من عدمه.

اليمن السعيد إلى أين؟!

 

لواء د. سمير فرج

 12 مايو 2022


ثلاث سنوات قضيتها فى حرب اليمن، ضمن صفوف ضباط القوات المسلحة المصرية، قاتلت خلالها فوق جبالها، وعلى سهولها، وبين قبائلها، فى كل من صنعاء والحديدة والجوف ومأرب وعبس، موطن الفارس عنترة بن شداد. وعدت من اليمن، محملاً بزخم من الأحداث والذكريات، بعضها غاية فى الألم، نتيجة لاستشهاد العديد من أصدقائى وزملائى، والبعض الآخر جميل، بعدما تعرفت، عن قرب، على شعب اليمن، العربى، الأصيل، الطيب،صاحب المآثر والخصال الرائعة، الذى لا يستحق تلك الظروف القاسية، التى يمر بها الآن. ونظراً لارتباطى بذكرياتى من اليمن، وارتباطى بشعبها المسالم،فقد بقيت متابعاً لجميع أحداثها، خاصة تلك التى تأججت، خلال السنوات الأخيرة، بعدما استولت حركة أنصار الله، على مقاليد الحكم فى صنعاء، فى 2015، تلك الحركة الدينية المسلحة، التى تأسست، فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى، فى مدينة صعدة بشمال اليمن، وعرفت باسم جماعة (الحوثيون)، نسبة لمؤسسها بدر الدين الحوثى، ويقودها، حالياً،ابنه، عبدالملك الحوثي. وقد صنفت المملكة العربية السعودية والإمارات وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها، تلك الجماعة بأنها منظمة إرهابية. فمع استيلاء الحوثيين على السلطة، انجرفت اليمن فى حرب أهلية، نتج عنها تدهور الحالة السياسية والاقتصادية للبلاد، وأصبح شعبها يعانى الفقر والإهمال، حتى بلغت نسبة المجاعة بين الشعب اليمنى أكبر نسبة فى العالم، لا ينافسها عليها إلا الصومال.كما وثقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قتل وجرح أكثر من 231 ألف مدنى، فى القتال منذ مارس 2015، وأكدت الأمم المتحدة فى تقريرها أن الأزمة الإنسانية فى اليمن وصلت لأقصى ما يتخيله البشر، فى تاريخنا المعاصر. ومع دخول الأزمة عامها السابع، تقدمت المملكة العربية السعودية، بمبادرة لإنهائها، برعاية مجلس التعاون الخليجى، وبإشراف الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل شامل، يبدأ بوقف إطلاق النار،بين كل الأطراف المتصارعة، وعلى كل الجبهات، فى اليمن، لمدة شهرين، قابلة للمد، مع ضرورة فتح مطار صنعاء للرحلات الجوية مع الخارج، وفتح ميناء الحديدة لاستقبال السفن، خاصة المحملة بالوقود والطعام. ولقد أيدت مصروالإمارات والبحرين والكويت وباقى الدول العربية، وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية تلك المبادرة، كما أيدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والأمم المتحدة. ولتحقيق السلام والاستقرار فى اليمن، دعت المبادرة إلى تشكيل مجلس رئاسى، مكون من ثمانية أعضاء، برئاسة الوزير، السابق، رشاد العليمى، لتسلم السلطة من الرئيس اليمنى الشرعى، عبد ربه منصور، الذى وافق على تسليم سلطاته لذلك المجلس الجديد. كما يتولى المجلس سلطات نائب الرئيس، على الأحمر، الذى أعفاه منصور من منصبه، على أن يضم المجلس معظم الأطياف الدينية، عدا الحوثيين، بالطبع، وتكون مهمته توحيد القوى اليمنية، والدخول فى مفاوضات مع الحوثيين، المدعومين من إيران، لأجل التوصل إلى وقف الصراع الداخلى فى اليمن. وبعد وصول أعضاء المجلس الجديد لليمن، والانتهاء من مراسم حلف اليمين، بدأ إجراءاته لإعادة تنظيم شئون البلاد،على المستوى الداخلى، بعد الموافقة على ميزانية الدولة،مع التركيز على تحسين أوضاع التعليم، والرعاية الصحية، وتوحيد القوى العسكرية فى البلاد، معتمداً، بقدر كبير فى ذلك، على الدعم المالى الذى قدمته المملكة العربية السعودية، والإمارات، بمقدار 3 مليارات دولار، لمساعدة سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، إذ سيخصص لدعم الأسر والعائلات المتضررة من المعارك، وعودة الأسر التى تركت منازلها بسبب الحرب، مع تحسين مستوى الخدمات الأساسية، ليبدأ المواطن اليمنى فى الشعور بإنسانيته، بعدما أنهكت الحرب قواه.

بعدها بدأ المجلس فى تنظيم أولوياته، والتى كان على رأسها ملف تبادل الأسرى، فبادرت الإدارة اليمنية الجديدة بإطلاق سراح عدد من الأسرى الحوثيين المحجوزين لدى السلطات اليمنية، وفى انتظار أن تقوم جماعة الحوثيون بتسليم الأسرى اليمنيين المختطفين لدى ميليشياتهم، ليبدأ بعدها المباحثات الثنائية مع الحوثيين، والتى يعتبر من أصعب المهام، إقناعهم بالجلوس على طاولة المفاوضات، ثم الاتفاق على ضرورة وضع خريطة طريق لمستقبل اليمن، فى ظل الاختلاف الصارخ بين أهداف الجانبين، التى ستؤثر على مسار المفاوضات.

وفى هذا الصدد، يرى البعض أن نجاح المفاوضات مرهون بالاتفاق النووى الإيرانى، والذى سيتحدد على أثره استمرار إيران فى دعم الحوثيين من عدمه، إذ بات من المعروف للعامة أن إيران هى مصدر الحوثيين للأسلحة، خاصة المتطورة منها، مثل الطائرات المسيرة بدون طيار، والصواريخ، والألغام البحرية، القادرة على عرقلة الملاحة فى باب المندب والبحر الأحمر، حتى إن الولايات المتحدة خصصت عناصر من الأسطول الخامس لعمل دوريات مكثفة، فى البحر الأحمر ومدخل باب المندب، لمنع أى محاولة لعمليات تخريب أو إعاقة للملاحة البحرية، فى هذا الاتجاه الذى تمر منه نحو 30% من حجم التجارة والنفط العالمى.

وقد برق أمل جديد فى التفاوض مع الحوثيين، بعدما وافقت الجماعة، فى هذا الأسبوع، فى بادرة طيبة على طلب الأمم المتحدة بإيقاف تجنيد الأطفال، كما وافقت على تفريغ الخزان صافر، وهى السفينة، أو وحدة تخزين النفط العائمة، المحجوزة أمام ساحل اليمن، فى البحر الأحمر منذ ست سنوات، والتى تحتوى على 1٫1 مليون برميل من النفط، وحذر مسئولو الأمم المتحدة، من خطورة تسرب النفط منها فى أى لحظة، وما سينتج عنه من كارثة بيئية، تهدد سواحل اليمن والسعودية ومصر والسودان.

ويبقى الأمل معقودا على نجاح المجلس الرئاسى الجديد فى إدارة البلاد،وتحقيق السلام، والاستقرار، ليعود اليمن السعيد بعد سنوات من تخييم الحزن عليه.



Email: sfarag.media@outlook.com