العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومن وجهة النظر الاستراتيجية، فإن انضمام فنلندا والسويد، يعنى زيادة حالة الاستقطاب، المصحوبة بارتفاع مخاطر الصراع الدولى، الذى سيبلغ ذروته بانتشارالأسلحة المتقدمة لدول حلف الناتو بمواجهة روسيا.

فنلندا والسويد.. وتغير موازين القوى العالمية
 

لواء د. سمير فرج

 19 مايو 2022


وكأن العالم يأبى أن ينهى الحروب والتوترات الجارية، حالياً، فعلى الرغم من محدودية الحرب الروسية الأوكرانية بين دولتين، فإنها تحولت لحرب عالمية، بتأثيراتها الاقتصادية، التى طالت كل دول العالم، وبالأخص دول العالم الثالث. تلك الحرب التى اندلعت نتيجة عزم أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو)، وهو ما يعنى وجود قوات الحلف، بأسلحتها، وصواريخها، حتى النووية منها، على الحدود المباشرة لروسيا، وهو ما لم يقبله الرئيس الروسى بوتين، تماماً مثلما رفضته الولايات المتحدة الأمريكية، فى عام 1962، فيما عُرف باسم أزمة الصواريخ الكوبية، عندما قامت كوبا، الملاصقة حدودياً للولايات المتحدة الأمريكية، بالسماح بوجود صواريخ تابعة للاتحاد السوفيتى على أراضيها، ليعلن، يومها، الرئيس الأمريكى جون كيندى، استعداده لمحو كوبا، من الوجود، وأمر برفع درجة استعداد قواته النووية، لتنتهى الأزمة بعد 14 يوماً، بسحب الاتحاد السوفيتى صواريخه من كوبا.

وفى تذكرة بالتاريخ، وأمام إصرار أوكرانيا على الانضمام لحلف الناتو،وما يستتبعه من وجود قوات للناتو، وصواريخه، على دولة لها حدود مشتركة مع روسيا، قرر بوتين، يوم 24 فبراير الماضى، الهجوم على أوكرانيا، ومنعها بالقوة. وبعد ثلاثة أشهر، مازال العالم يتابع مجريات تلك الحرب، التى تركز فيها روسيا، الآن، على الاستيلاء على دونباس، بالكامل، والوصول لميناء أوديسا، لحرمان أوكرانيا من موانئها على بحر آزوف، والبحر الأسود، وسط أزمة اقتصادية، طاحنة، طالت العالم بأسره، خاصة فى إمدادات الطاقة والغذاء. وبينما تتطلع شعوب العالم إلى انتهاء تلك الحرب، أملاً فى الاستقرار الاقتصادى، إذ نفاجأ بإعلان فنلندا والسويد رغبتهما فى الانضمام للناتو، منهيين حقبة من الحياد بين كل المعسكرات الدولية.

وحلف شمال الأطلسى، هو تحالف عسكرى دفاعى، شكلته 12 دولة، عام 1949، من بينها الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، لمواجهة التوسع السوفيتى، آنذاك. وتنص المادة الخامسة من معاهدته على مبدأ الدفاع الجماعى بين أعضائه، البالغ عددهم، اليوم، 30 دولة، وهو ما يعنى أن تعرض أى من دوله الأعضاء إلى هجوم عسكرى، تقوم باقى الدول الأعضاء بالدفاع عن هذه الدولة. وانضمام دولتين جديدتين، إلى حلف الناتو، من شأنه إحداث تغير فى موازين القوى بين روسيا والناتو، الذى ستزداد قوته عن أى وقت مضى، إضافة إلى ما تمثله هذه الخطوة من خسارة فادحة لموسكو، على المستوى الجيوسياسى، وتهديد، مباشر، لأمنها القومى، إذ تشترك فنلندا فى حدودها مع روسيا، بطول 1300 كم. وفى أول رد فعل، قامت روسيا بقطع إمدادات الكهرباء والغاز عن فنلندا، وسط ترقب دولى للخطوات الروسية المحتملة، على ذلك القرار الذى تحاول الدولتان الانتهاء من إجراءاته، على عجل، قبل انخراط روسيا فى أى عمل عسكرى ضدهما.

ومن وجهة النظر الاستراتيجية، فإن انضمام فنلندا والسويد، يعنى زيادة حالة الاستقطاب، المصحوبة بارتفاع مخاطر الصراع الدولى، الذى سيبلغ ذروته بانتشارالأسلحة المتقدمة لدول حلف الناتو بمواجهة روسيا، على طول الحدود الفنلندية البالغة 1300كم، خاصة فى حالة وجود الأسلحة النووية، ولاسيما الأسلحة النووية التكتيكية. ومن وجهة نظرى، التى أعلنتها من خلال موقع سكاى نيوز عربية، وتم نشرها فى جميع وسائل الإعلام، فإن انضمام فنلندا للناتو سينعكس سلبياً على روسيا، وسيربك حساباتها، ويضعها فى موقف صعب للغاية، نظراً لأن طول الحدود المشتركة بين فنلندا وروسيا، سيمكن قوات الناتو من حصار روسيا، وهو ما قد يجبرهاعلى إنهاء عملياتها العسكرية فى أوكرانيا، تجنباً لنزيف الخسائر، مع إسراع الخطى نحو التوصل لاتفاق سلام، خاصة أن أوكرانيا قد رضخت لعدم الانضمام لحلف الناتو.

ورغم أن فنلندا والسويد ليستا محايدتين، تماماً، مثلما هو الحال بالنسبة لسويسرا، إذ تعتبر الدولتان من أكثر الدول الشركاء للناتو، مع احتفاظهما بعلاقات متوازنة مع روسيا، فإن قرارهما بالانضمام للناتو، جاء رداً على الحرب الروسية فى أوكرانيا. ولقد حاولت تركيا استغلال ذلك الموقف سياسياً، بالتلويح باستخدام حق الفيتو، تطبيقاً لميثاق حلف الناتو، الذى يكفل لأعضائه استخدام ذلك الحق، ضد انضمام أى دولة للحلف، من خلال إعلان أنقرة تحفظها، فى البداية، على انضمام الدولتين، معللة ذلك برغبتها فى تجنب أخطاء الماضى، عندما وافقت على انضمام اليونان، عدوها اللدود، إلى الناتو.

وقد صرحت تركيا بأنها ترى السويد وفنلندا، حالياً، بمثابة بيوت الضيافة للمنظمات الإرهابية، فى إشارة إلى حزب العمال الكردستانى (BBK)، ومنظمة جولن، أعداء أنقرة، الحاليين، للضغط، من ناحية، على كل من السويد وفنلندا، لطرد هذه العناصر من بلادها، ومن ناحية أخرى، لمساومة الولايات المتحدة لإعادة صفقة الطائرات المقاتلة F35، مع تركيا، التى كانت قد ألغتها، فرضاً للعقوبة على تركيا بعدما تعاقدت الأخيرة على منظومة الصواريخ الروسية S400. وكالعادة ستتراجع تركيا عن موقفها من منع السويد وفنلندا من الانضمام لحلف الناتو، بعدما تكون قد استغلت الأزمة العالمية، لتحقيق أكبر مكاسب سياسية لها.

وفى تلك الأثناء، سيبقى العالم فى حالة متابعة وترقب وتحليل لما ستسفر عنه الفترة القصيرة المقبلة ... ويبقى السؤال: هل ستتغير موازين القوى بالفعل؟!.



Email: sfarag.media@outlook.com