العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

من هنا بدأت القوات الروسية تغيير اتجاه هجومها الرئيسى في اتجاه شرق أوكرانيا في اتجاه خيرسون وماريوبول ودونتيسك ولوغانسيك.

الحرب الروسية الأوكرانية فى شهرها الرابع
 

لواء د. سمير فرج

 3 يونيو 2022


بدأت روسيا هجومها على أوكرانيا يوم الرابع والعشرين من فبراير الماضى، وجاء هدف العملية الهجومية الروسية في البداية بعد رفض أوكرانيا طلب روسيا عدم الانضمام لحلف الناتو ونصب أسلحة من هذا الحلف على الحدود الروسية، وبالطبع كان ذلك تهديدًا مباشرًا للأمن القومى الروسى، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت هذا الفكر في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

عندما قام الاتحاد السوفيتى بنصب صواريخ نووية في كوبا على حدود الولايات المتحدة ورفض الرئيس الأمريكى آنذاك جون كينيدى وجود هذه الصواريخ على الحدود الأمريكية، وكاد يدمر دولة كوبا لولا قيام الاتحاد السوفيتى بسحب صواريخه من كوبا.. هذه الأزمة استمرت 14 يومًا والآن يتكرر نفس الفكر مع اختلاف أوضاع الدول المتحاربة.

ومع بدء الهجوم الروسى على أوكرانيا في فبراير الماضى، نجحت روسيا في تدمير البنية العسكرية التحتية الأوكرانية خلال الأيام العشرة الأولى من الهجوم، حيث تم تدمير قواتها الجوية وقواعدها العسكرية ومراكز القيادة والرادارات وعناصر الدفاع الجوى بعدها بدأت روسيا في الهجوم على أوكرانيا من أربعة اتجاهات.

الأول من اتجاه شبه جزيرة القرم في اتجاه خيرسون، والاتجاه الثانى من الجمهوريتين الانفصاليتين لوغانسيك ودونتيسك، والاتجاه الثالث من خاركيف شمالًا، والاتجاه الرابع إلى العاصمة كييف، ولأن القتال في المدن هو أصعب أنواع القتال للجيوش النظامية لذلك بعد أن فقدت القوات الأوكرانية قواتها القتالية اتجهت لقتال القوات الروسية في المدن، وهذا القتال يحقق للقوات الأوكرانية أكبر تدمير للقوات الروسية المهاجمة ويحقق أيضًا تقدم بطيئًا للقوات الروسية، وبالفعل نجح ذلك الأسلوب خصوصًا في اتجاه هجوم القوات الروسية إلى العاصمة كييف.

وبالطبع تعثر تقدم القوات الروسية المهاجمة هناك، كذلك ظهر للمخططات الروسية أن استيلاء روسيا على العاصمة كييف يعنى سقوط النظام الأوكرانى وسقوط الرئيس الأوكرانى زيلينسكى وهو رئيس منتخب من الشعب الأوكرانى وأن وجود رئيس آخر غير منتخب سوف يضع روسيا في موقف حرج إذا وقعت اتفاقية سلام مع الرئيس غير المنتخب.

من هنا بدأت القوات الروسية تغيير اتجاه هجومها الرئيسى في اتجاه شرق أوكرانيا في اتجاه خيرسون وماريوبول ودونتيسك ولوغانسيك، وبالفعل نجحت القوات الروسية في الاستيلاء على ماريوبول متتبعة سياسة الأرض المحروقة وهو تدمير المدن الأوكرانية بالكامل باستخدام القوة النيرانية الهائلة للجيش الروسى وخاصة الصواريخ البالستية التي قدمها الروس لأول مرة في هذه المعركة مثل صواريخ «كينجال» و«اسكندر» و«كاليبر».

أما أمريكا وحلف الناتو فقد قدما صواريخ «ستينجر» المضادة للدبابات والطائرات وكلها ذات مدى قصير في حدود 3-6 كم، وكلها أسلحة دفاعية، فهدف أمريكا إطالة مدة الحرب لاستنزاف روسيا، وعندما طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة صواريخ بالستية بعيدة المدى أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن رفضه هذا الطلب، وأعتقد أن أمريكا بهذا القرار كانت ذكية للغاية لأن معنى وصول صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا تهدد بها العمق الروسى سوف يدفع أعمال القتال في الفترة القادمة إلى شكل آخر حيث سيكون الرد الروسى عنيفًا في حالة تهديد عمق بلاده.

وعلى الطرف الآخر كانت هناك مفاجأة لم يتوقعها الجميع وهى إعلان كل من فنلندا والسويد طلبهما الانضمام إلى حلف الناتو، وهذا يعنى أن روسيا سوف يصبح لها حدود جديدة مع الناتو 1300 كم، علاوة على الحدود القديمة 700 كم، وهذا بالطبع كان صدمة للقيادة الروسية، وأعتقد أن إحدى نتائج هذه الحرب الروسية الأوكرانية أن حلف الناتو أصبح 32 دولة.

وطبقًا لتقديراتى الشخصية فأعتقد أن فنلندا ستكون من الذكاء أن تطلب الدخول في حلف الناتو لضمان حمايتها ضد أي غزو روسى محتمل لأراضيها، لكن في الوقت نفسه أعتقد أنها ستطلب عدم وجود قواعد عسكرية أو أسلحة لحلف الناتو على أراضيها، وأعتقد أن ذلك قد يرضى القيادة الروسية إلى حد ما أو على الأقل لا يثيرها، وحاليًّا تركز القوات الروسية على سرعة احتلالها إقليم دونباس شرق أوكرانيا لاستكمال السيطرة على باقى أراضى الجمهوريتين الانفصاليتين.

وبعد نجاحها في الاستيلاء على ماريوبول أصبح بحر آزوف تحت سيطرتها لذلك من المنتظر أن تتقدم لاحتلال مدينة أوديسا التي باحتلالها تكون سيطرت على البحر الأسود وتحرم أوكرانيا من أي موانئ لها، وتصبح دولة لا شاطئية، وبعدها يمكن أن تتحول في هجومها في اتجاه العاصمة كييف مرة أخرى لإسقاط النظام في حالة رفضه الدخول في مفاوضات سياسية؛ حيث تهدف روسيا على منصة المفاوضات إلى تحقيق خمسة أهداف، أولًا: إعلان أوكرانيا أنها دولة حيادية، ثانيًا: تعلن عدم انضمامها إلى حلف الناتو أو أي حلف عسكرى آخر، وثالثًا: الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا، ورابعًا: الاعتراف باستقلال الجمهوريتين لوغانسيك ودونتيسك، وخامسًا: عدم تحولها إلى دولة نووية.

وعلى المستوى الاقتصادى ورغم محاولات الغرب منع دول الاتحاد الأوروبى من استيراد الغاز الطبيعى من روسيا، فلقد فشل الاتحاد في تحقيق ذلك، خاصة دولة المجر واستمرت دول أوروبا في استيراد الغاز الروسى حتى الآن، ورغم الإعلان مؤخرًا أن دول الاتحاد الأوروبى سوف تنهى تعاملها باستيراد الغاز من روسيا مع بداية العام القادم فإننى أشك في ذلك؛ لاعتبارات عديدة أن استيراد غاز طبيعى من دول غير روسيا يعنى استيراد غاز مسال LNG.

وهذا يتطلب محطات إسالة للدول الأوروبية، وهو أمر يحتاج إلى أموال كثيرة وأكثر من عام لإنشاء هذه المحطات، ورغم القيود الاقتصادية التي وضعتها أمريكا وبريطانيا على روسيا جاءت النتائج لتقول إن الروبل الروسى حقق زيادة أكثر مما كان قبل عملية الهجوم في فبراير الماضى، خاصة عندما نفذ بوتين ضربته الاقتصادية للرد على العقوبات الأمريكية بأن يكون تحصيل ثمن شراء الغاز الروسى بالروبل وليس بالدولار.

ومازالت البنوك الروسية تستقبل ثمن الغاز الطبيعى من دول أوروبا رغم إعلان أمريكا إيقاف التحويلات البنكية بأسلوب السويفت، ولكن هذا القرار لم يتم تنفيذه حتى الآن؛ مما جعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد روسيا غير مؤثرة على الاقتصاد الروسى، وزاد من الأمر قيام الهند وهى حليفة طبيعية لأمريكا أن عقدت صفقات لاستيراد الغاز الروسى.

وهنا يجب الإجابة عن سؤال يتبادر إلى أذهان الجميع: هل انتصرت روسيا في حربها حتى الآن ضد أوكرانيا؟ وتكون الإجابة واضحة: نعم؛ لأنها حققت الهدف من الحرب وهو منع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو وإعلانها دولة محايدة، وهذا ما أعلنه الرئيس الأوكرانى زيلينسكى بعد شهرين من القتال، كذلك نجاحها في التصدى للعقوبات الاقتصادية حتى الآن.. عمومًا يجب أن ننتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة من نتائج مهمة لهذه الحرب التي أثرت على العالم معًا وليس على روسيا وأوكرانيا فقط.



Email: sfarag.media@outlook.com