العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

والمشكلة حاليًا تبرز فى أن الولايات المتحدة طلبت من قطر ودول الخليج ومصر وإسرائيل زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعى لتعويض دول غرب أوروبا عن غاز روسيا، لكن معنى ذلك تسلم الغاز المُسال وليس الغاز الذى يصلها عبر خطوط الأنابيب.

هل أصبح الغاز والنفط سلاحًا جديدًا بعد الحرب الإلكترونية؟
 

لواء د. سمير فرج

 16 يونيو 2022


فجأة أصبحت أخبار الغاز والنفط تتساوى مع أخبار ونتائج الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأصبح العالم يتابع أسعار الغاز والنفط بشكل يومى، ويكفى أن أعطى مثالًا واحدًا أن سعر جالون البنزين (4 لتر) فى الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب الأوكرانية كان 3 دولارات.. وهذا الأسبوع قفز السعر ليصل إلى خمسة دولارات، هذا فى الولايات المتحدة، الدولة المنتجة للبترول، فما بالك بدول العالم الثالث الفقيرة؟، بل أصبح الفرد الأمريكى يلاحظ أن زيادة أسعار البترول أثرت على عمليات النقل، وبالتالى زادت الأسعار ومعدلات التضخم فى أمريكا.

وبنظرة إلى الغاز الطبيعى نجد أن روسيا، التى هى أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعى فى العالم بإمكانيات 240 مليار متر مكعب، وتليها الولايات المتحدة بقيمة 140 مليار متر مكعب، ويظهر أن هناك فارقًا كبيرًا، وبعدهما تأتى قطر والنرويج وأستراليا وكندا والجزائر ونيجيريا، والآن فإن روسيا تقوم بتوريد 40% من احتياجات الغاز الطبيعى إلى دول أوروبا من خلال خطوط الأنابيب، ولعل أحدثها هو خط «نورديم ستريم 2»، الذى تكلف 10 مليارات دولار، تحملت روسيا 5 مليارات، والباقى من الشركات الألمانية، وتستورد إيطاليا 46%، وصربيا 89%، وفنلندا 90%، وبلجيكا 77%، وألمانيا 49% من احتياجاتها من الغاز الطبيعى من روسيا، لذلك أصبحت روسيا تسيطر على تجارة الغاز إلى أوروبا.

كل هذا الغاز يصل إلى الدول الأوروبية من خلال خطوط الأنابيب، وحاولت أمريكا إقناع الدول الأوروبية بإيقاف استيراد الغاز الطبيعى من روسيا، لكن فشلت كل هذه المحاولات، حتى عندما أعلن بوتين أنه سوف يتسلم ثمن الغاز الروسى بالروبل، وافقت معظم هذه الدول إلا هولندا، فقرر بوتين قطع الغاز عنها، والمشكلة حاليًا تبرز فى أن الولايات المتحدة طلبت من قطر ودول الخليج ومصر وإسرائيل زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعى لتعويض دول غرب أوروبا عن غاز روسيا، لكن معنى ذلك تسلم الغاز المُسال وليس الغاز الذى يصلها عبر خطوط الأنابيب.

لذلك أصبح على دول أوروبا فى الفترة القادمة بناء محطات إسالة لتسلم الغاز الجديد، وبدون النظر إلى تكاليف إنشاء هذه المحطات، فإن المدة الزمنية لإنشاء هذه المحطات قد تستغرق أكثر من عام، كذلك سيكون سعر الغاز الجديد أغلى من الغاز الروسى الذى تستورده أوروبا من خلال خطوط الأنابيب، حيث ستتم إسالته فى بلد التصدير، ثم نقله بالسفن المخصصة، ثم إعادة تسييله فى أوروبا.. كل هذه الإجراءات هى تكاليف جديدة لم تكن موجودة عندما تم استيراد الغاز الروسى من خلال خطوط الأنابيب الموجودة. ومع ارتفاع تكاليف استيراد الغاز سوف ترتفع معها أسعار باقى المنتجات، وبالتالى يزيد التضخم.

وعلى الطرف الآخر، ستبدأ الصين واليابان استيراد الغاز الروسى، وهذا يعنى زيادة أسعار هذا الغاز لهما بديلًا عن نفط منطقة الخليج العربى، وفى هذا الإطار بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى التفكير فى غاز البحر المتوسط، حيث أعلنت وزيرة الطاقة الإسرائيلية أن هناك مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبى ومصر وإسرائيل لتصدير الغاز إلى أوروبا، وأعلنت إسرائيل قيامها بطرح جولة أخرى من التنقيب عن الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط، وهنا ظهرت مشكلة جديدة، حيث إن إسرائيل تستخدم البلوك رقم «9» فى المياه الاقتصادية اللبنانية، والذى تعتبره إسرائيل منطقة متنازَعًا عليها.

وحاولت لبنان فى الفترة السابقة إدخال الولايات المتحدة وسيطًا بينها وبين إسرائيل لحل هذه المشكلة، لكن بالطبع كانت إسرائيل تتهرب من هذه المواجهة، وهذا الأسبوع قامت إسرائيل بإدخال سفينة تنقيب إلى حقل كاريش الإسرائيلى فى المنطقة المتنازَع عليها، وفجأة تدهور الموقف، حيث أعلن حزب الله أنه لن يسمح باستغلال المياه اللبنانية واستخراج الغاز، لذلك قررت الولايات المتحدة الأمريكية إرسال مندوبها إلى المنطقة لمحاولة إيجاد حل لمشكلة المنطقة المتنازَع عليها وحل الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

وعلى الطرف الآخر، أعلنت الولايات المتحدة تدعيمها قيام شركات التنقيب الأمريكية بالبدء فى التنسيق مع وزارة البترول المصرية للدخول فى مناقصات لتخصص لها مناطق للبدء فى استخراج الغاز من منطقة شرق «المتوسط» ومنطقة شمال الدلتا ومنطقة الصحراء الغربية.

وفى منطقة شمال غرب إفريقيا، نشب خلاف سياسى بين إسبانيا والجزائر بسبب موقف الجزائر سياسيًّا من مشكلة الصحراء الغربية، ووقوف إسبانيا مع المغرب فى مشكلتها، وهنا قررت الجزائر إيقاف التعاون الموجود مع إسبانيا، وكانت إسبانيا تستورد الغاز من الجزائر، فأصبحت إسبانيا فى مشكلة أخرى استدعت قيام الاتحاد الأوروبى بالاتصال بالجزائر لإبلاغها بضرورة ألّا تتحكم المشاكل السياسية فى أى محاولة لقطع الغاز عن إسبانيا.. هذا الأمر اعتبرته الجزائر تدخلًا فى شؤونها الداخلية. عمومًا، أعلنت إسبانيا أن الغاز الجزائرى مازال يصل إليها حتى الآن، كما أعلنت الجزائر أن المشاكل السياسية لن تتدخل فى العقود الاقتصادية.

وهكذا أصبح الغاز أحد الأخبار الرئيسية هذه الأيام، وأتوقع شخصيًّا أن تقوم تركيا فى الفترة القادمة بإرسال سفن تنقيب عن الغاز فى منطقة قبرص التركية.. هذه المشكلة التى كانت قد بدأت فى الأعوام السابقة، وتوقفت بعد تدخل الاتحاد الأوروبى، حيث قام بتأييد دولة قبرص الأوروبية، خاصة هذه الأيام، حيث يعانى أردوغان مشاكل اقتصادية كبيرة من التضخم وارتفاع الأسعار والبطالة، وتهاوت أسعار الليرة التركية إلى سعر لم يحدث منذ سنوات طويلة.

وأعلن أردوغان أنه سيدخل الانتخابات القادمة رئيسًا لتركيا، لذلك فإنه يبحث حاليًا عن تصفية الخلافات مع باقى الدول، وبدأها بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج، وجارٍ محاولة تنقية الأجواء مع مصر، وتبقى مشكلة الوضع الاقتصادى السيئ، حيث سيكون أحد عوامل الإنقاذ هو التنقيب عن الغاز الطبيعى فى شرق «المتوسط» أمام سواحل قبرص التركية.

وتبقى مشكلة خط الغاز العربى الجديد، الذى بدأ من مصر ثم إلى الأردن فى ميناء العقبة الأردنى، حيث كانت مصر تصدر الغاز إلى محطة كهرباء الأردن بالعقبة إلى سوريا، ومنها إلى لبنان، خاصة أن سوريا من المنتظر عندما تستقر الأحوال فيها أن تستخرج الغاز من حقولها، حيث إن الدراسات الأمريكية الجيولوجية تؤكد وجود الغاز الطبيعى فى سوريا سواء فى الأراضى أو فى منطقة شرق «المتوسط»، كما سيمتد هذا الخط ليصل إلى لبنان نظرًا لحاجة لبنان الماسّة إلى الغاز الطبيعى.

ونظرًا للقيود التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على لبنان، فإن لبنان تطلب حاليًا من أمريكا رفع الحظر عنها حتى يمكنها استيراد الغاز لتشغيل أولًا محطات الكهرباء نظرًا لسوء موقف الكهرباء فى لبنان.. ومن المنتظر أن تكون أولى الدول المصدرة للغاز الطبيعى إلى لبنان هى مصر، وهكذا أصبح الغاز الطبيعى والنفط أهم المشاكل التى يدور حولها العالم حاليًا، وخاصة بعد الحرب الأوكرانية الروسية، والذى نؤكده هنا ضرورة أن تكون لمصر قوات مسلحة قوية قادرة على تأمين هذه الاستثمارات فى البحر المتوسط، ثم البحر الأحمر لتأمين الخط الملاحى بقناة السويس.

حيث إن التهديدات التى تظهر كل يوم تؤكد بُعد نظر القيادة المصرية فى تدعيم قواتها المسلحة، وبالذات قواتها البحرية وإنشاء الأسطول البحرى الشمالى فى البحر المتوسط والأسطول البحرى الجنوبى فى البحر الأحمر، ومن هنا كانت هناك ضرورة ماسّة ومُلِحّة لشراء حاملات المروحيات الميسترال والغواصات الألمانية والطائرات الرافال لتحقيق الأمن القومى المصرى، وخاصة لتأمين الاستثمارات فى البحر المتوسط.



Email: sfarag.media@outlook.com