العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فكانت مصر أول من بادر بإعلان رفض تلك الفكرة، شكلاً وموضوعاً، مؤكدة استراتيجيتها وسياستها، الراسخة، بعدم الاشتراك فى أى أحلاف، أياً كان نوعها، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية.

لماذا ترفض مصر الانضمام للأحلاف؟

 

لواء د. سمير فرج

 28 يوليو 2022


تداولت فى الآونة الأخيرة عدة أخبار عن اشتراك مصر فيما يعرف بحلف الناتو العربى... وبداية أود أن أوضح للقارئ الكريم أن كلمة ناتو، أو NATO هى اختصار North Atlantic Treaty Organization، أى منظمة حلف شمال الأطلسى، وهى تلك المنظمة العسكرية المؤسسة عام 1949، وتم توقيعها فى واشنطن، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بهدف تشكيل قوة عسكرية فى مواجهة حلف وارسو، المدعو من الاتحاد السوفيتى، السابق.يقع مقر حلف الناتو فى بلجيكا، ويضم بين أعضائه 30 دولة، يُتوقع أن يرتفع عددها بعدما تقدمت كل من فنلندا والسويد، بطلب الانضمام إليه،حديثاً، رداً على الحرب الروسية - الأوكرانية.

أما الحلف العربى المزعوم، الذى تم طرحه، أولاً، فى وسائل الإعلام الغربية باسم MESEA، اختصاراً لاسم Middle East Security & Economy Alliance، أى تحالف الشرق الأوسط للأمن والاقتصاد، فقد زعمت المصادر أنه يضم فى عضويته 10 دول؛ هى الدول الست الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى، وهى السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وعمان، بالإضافة إلى مصر والأردن وإسرائيل وأمريكا. ومع الأسف انجرف البعض وراء تلك الأخبار، التى لا تتعدى كونها بالونة اختبار، أطلقها المستفيدون منها، للتعرف على رأى الشعوب، من فكرة انضمام دولهم لحلف مشترك ذى أغراض عسكرية، واقتصادية، أو لاستخدامها كأدوات ضغط على إدارات الدول الرافضة لذلك النهج.

فكانت مصر أول من بادر بإعلان رفض تلك الفكرة، شكلاً وموضوعاً، مؤكدة استراتيجيتها وسياستها، الراسخة، بعدم الاشتراك فى أى أحلاف، أياً كان نوعها، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية. تلك السياسة التى تتبناها مصر منذ عهد الرئيس عبدالناصر، فى خمسينيات القرن الماضى، عندما رفض الانضمام إلى حلف بغداد، آنذاك. والسؤال هنا للقارئ، ما هو سبب رفض مصر الانضمام لأى حلف عسكري؟

وأبسط إجابة عن ذلك التساؤل المشروع، هو أن انضمام مصر لتحالف عسكرى، يقتضى سماحها بوجود قواعد عسكرية لباقى أعضاء الحلف على أراضيها، تماماً مثلما يحدث بين دول حلف الناتو، فتجد للولايات المتحدة قواعد عسكرية، وقوات متمركزة، فى معظم دول حلف الناتو، مثل قاعدة أنجرليك فى تركيا، التى تحتوى على 50 رأسا نوويا، منذ عهد الاتحاد السوفيتى السابق.كما أن الانضمام للأحلاف العسكرية معناه فتح خزائن المعلومات العسكرية لباقى الدول الأعضاء، ولما كانت مصر ترفض وجود أى قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، أو الإفصاح عن أسرارها العسكرية، لأثر ذلك على أمنها القومى المباشر، فكان لابد أن تتمسك برفضها الانضمام لأى حلف عسكري.

وهنا قد يتبادر للأذهان سؤال عن دور مصر فى الدفاع عن أشقائها العرب، إعمالاً لما أكده، وكرره، السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، مستخدماً اصطلاح مسافة السكة، ولأولئك المتسائلين، من غير أهل التخصص، أوضح أن ذلك الدور يتم من خلال اتفاقية الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية، التى تم التصديق عليها عام 1951، ويتعهد فيها أعضاء جامعة الدول العربية، بحماية وصيانة أمن وسلام الدول الأعضاء، باعتبار أن أى اعتداء مسلح على أى منها هو اعتداء عليها جميعاً.وقد تضمنت اتفاقية الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية، تشكيل لجنة عسكرية دائمة، من ممثلى هيئة أركان حرب الجيوش العربية، لتنظيم خطط الدفاع المشترك، واتخذت من القاهرة مقراً دائماً لتلك اللجنة العسكرية.

والحقيقة أن جامعة الدول العربية قد بذلت الكثير من الجهد، لتوحيد المفاهيم والمصطلحات العسكرية بين جيوش دولها الأعضاء، وركزت على ضرورة تنفيذ العديد من التدريبات العسكرية المشتركة بين أعضاء دول الجامعة العربية.

ولقد كانت حرب تحرير الكويت أبسط مثال على ذلك، ولأجلها تم تشكيل القوة العربية الموحدة، التى سميت باسم درع الصحراء، وكان قوامها قوات عسكرية عربية من ثمانى دول؛ هى السعودية ومصر والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات وسوريا، تحت قيادة الفريق خالد بن سلطان، واتخذت من السعودية أرضاً لعملياتها، إذ كان حجم القوات المسلحة السعودية المشاركة هو الأكثر عدداً بين القوات المسلحة العربية المشتركة، آنذاك. ولعل ذلك يوضح الصورة للقارئ، إذ إن عدم انضمام مصر لتحالفات عسكرية، لا يخل من اضطلاعها بدورها فى الدفاع عن أشقائها العرب، والذى تنظمه اتفاقية الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية.

ورغم وضوح، وثبات، استراتيجية مصر من عدم الانضمام للأحلاف، خاصة العسكرية، فإن ذلك لم يمنع العديد من الدول من الاستمرار فى محاولة إقناع الإدارة المصرية بالسماح لها بإنشاء قواعد عسكرية على الأراضى المصرية،حتى إن بعضهم قد قدم الكثير من الإغراءات المالية، وعرضوا أن تكون تلك القواعد محددة المدة، ولتكن مدتها عشر سنوات، على سبيل المثال، مثلما عرضت إحدى الدول الأجنبية مقابل إقامة قاعدتها العسكرية فى منطقة البحر الأحمر عند حدود مصر الجنوبية، إلا أن الرفض المصرى قاطع وحاسم فى هذا الشأن.

لقد بذلت مصر، وقواتها المسلحة، كل غال ونفيس، لمقاومة كافة أشكال التدخل الأجنبى، ومازالت تفخر باحتفالها بذكرى 18 يونيو 56، برحيل آخر جندى أجنبى، من فوق ترابها، بعد احتلال بريطانى جثم عليها لمدة 72 عاماً، ولن تسمح، اليوم، بوجود قواعد عسكرية على أرضها، ولن تحيد استراتيجيتها... وستبقى مصر دائماً حرة تحت حماية جيشها العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com