العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وعلى الفور، بدأت مصر جهودها بالتواصل مع الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، وأطراف أخرى، بهدف احتواء التصعيد، والتهدئة، وانطلقت، فى صباح اليوم التالى، سيارات الوقود، والمواد التموينية، إلى داخل غزة.

حرب غزة الخامسة.. رؤية تحليلية
 

لواء د. سمير فرج

 11 أغسطس 2022


حققت مصر نجاحا عظيما، بجهود الوساطة، فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتحقيق هدفه بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى فى قطاع غزة، فى حرب غزة الرابعة، فى شهر مايو من العام الماضى، إذ لعبت دور الوساطة بأسلوب متميز، حتى تم تنفيذ الاتفاق؛ تلك الجهود التى أثنى عليها الرئيس الأمريكى، جو بايدن، وتوجه بالشكر للإدارة المصرية على أثرها.

وفى الأسبوع الماضى، نزعت إسرائيل فتيل أزمة جديدة، باعتقالها بسام السعدى، القيادى بحركة الجهاد الإسلامى،بالضفة الغربية، وأتبعت ذلك، فى عصر يوم الجمعة الماضى، بتصفية تيسير الجعبرى، قائد سرايا القدس، فى حركة الجهاد الإسلامى، بقطاع غزة. وفى أول رد فعل لحركة الجهاد الإسلامى، بإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، فانطلقت صفارات الإنذار، فى تل أبيب، بعد وصول الصواريخ لمشارف المدينة، وقامت إسرائيل باعتقال 20 ناشطا من الجهاد الإسلامى، بالضفة الغربية،. ووفقا لبيان الجيش الإسرائيلى، فى اليوم الأول، نفذت إسرائيل هجومها فى 30 غارة، على أكثر من 40 هدفا، داخل قطاع غزة، كما أفادت بأن القبة الحديدية قد اعترضت أكثر من 60 صاروخا، بينما سقط 30 صاروخا داخل أراضى قطاع غزة.

وعلى الفور، بدأت مصر جهودها بالتواصل مع الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، وأطراف أخرى، بهدف احتواء التصعيد، والتهدئة، وانطلقت، فى صباح اليوم التالى، سيارات الوقود، والمواد التموينية، إلى داخل غزة. وهو ما أعلنه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى لقائه طلبة الكلية الحربية، مؤكدا تكثيف الجهود المصرية، لتحقيق وقف إطلاق النيران، كما طلبت مصر إيقاف استهداف قادة المقاومة، وردت إسرائيل بأنها لن تُوقف أعمال القتال، إلا بعد تحقيق الأهداف من العملية، والتى قد تستمر لأكثر من أسبوع.

وهنا يتبادر تساؤل تحليلى، عن أسباب اختيار إسرائيل هذا التوقيت، تحديدا، للتصعيد وبدء تلك العمليات، وهو ما أظنه لسببين رئيسيين، أولهما سياسى، وهو اقتراب توقيت الانتخابات الإسرائيلية، بعد ثلاثة أشهر، التى ينوى يائيرلابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلى المتولى منصبه منذ أيام، أن يخوضها، فى ظل خوف الناخب الإسرائيلى من تهديد عناصر المقاومة الفلسطينية، والتى تحتاج، وفق رؤيته، لحكومة قوية، قادرة على تأمينه. وهو نفس النهج الذى كان يتبعه بنيامين نيتانياهو، قبل دخوله أى انتخابات، إذ كان يختلق نزاعا عسكريا، مع المقاومة الفلسطينية، لزيادة شعبيته.

أما ثانى أسباب اختيار ذلك التوقيت للتصعيد، فهو الهدف العسكرى، ومنه أن إسرائيل فور جمعها أى معلومات، جديدة، عن عناصر المقاومة الفلسطينية، كأماكن وجود القادة، وأماكن التسليح، وورش التصنيع, خاصةً أن معظم الصواريخ، التى تصل للمقاومة الفلسطينية من إيران، تكون مفككة، ويتم تجميعها فى ورش صغيرة فى غزة، فتشن إسرائيل مثل هذه العمليات، للقضاء على القادة وأماكن التسليح والورش. وهو الدافع وراء تصفية تيسير الجعبرى، وتنفيذ 30 غارة على أكثر من 40 هدفا للمقاومة. والسبب العسكرى الثانى، هو اختبار تطوير القبة الحديدية الإسرائيلية، للتصدى لصواريخ المقاومة الفلسطينية، بعد أدائها، غير الناجح، فى معركة غزة الرابعة، والذى على أثره قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم إسرائيل بمبلغ 3 مليارات دولار لتطوير نظام القبة الحديدية.

ولعلنا نذكر عند وصول الرئيس الأمريكى، جو بايدن، إلى مطار بن جوريون، الشهر الماضى،أن قامت إسرائيل بتقديم عرض، نظرى، عن جهود تطوير القبة الحديدية، أما اليوم، وبهذه الاشتباكات، فتعتبرها إسرائيل فرصة عملية، للاختبار العملى لذلك التطوير، الذى تم تنفيذه على مدى العام الماضى، حيث سيتم إحصاء عدد الصواريخ الفلسطينية، التى تم اعتراضها، أوتدميرها، مع احتساب مداها، وارتفاعاتها، وسرعة الإنذار، تمهيدا لإعداد تقرير شامل لتقييم عملية التطوير، وتحديد مواضع الضعف لتلافيها عند استكمال تطوير نظام القبة الحديدية.

يضاف لما سبق سبب عسكرى ثالث، وراء قيام إسرائيل بعملياتها، وهو قيام المقاومة، فى غزة، بتطوير أنفاق غزة، وهى الخنادق التى أقامتها المقاومة، فى غزو العام الماضى، لإخفاء الصواريخ عن نيران الطائرات الإسرائيلية، ونجحت إسرائيل، حينها، فى تدمير جزء منها.ومع إعلان المقاومة تطويرها للأنفاق، مؤخرا، وفق ماأعلنته إسرائيل, فقد شنت إسرائيل هذه الحرب الجديدة، لاستكمال ما بدأته من تدمير فى قطاع غزة. أما السبب الرابع، فهو هدف إسرائيل باستنزاف مخزون المعدات العسكرية الفلسطينية، وفى نفس الوقت، فرصة للتعرف على أى تطوير حدث فى نظام الصواريخ الفلسطينية، على مدى الفترة السابقة، لتفادى المفاجأة بذلك فى أوقات لاحقة.

وبنظرة مبسطة، نقول إن هذه الحرب الخامسة انتهت، ولم يكن فيها طرف منتصر، أوطرف مهزوم, فالطرف الإسرائيلى حقق أهدافه، بتعزيز الخوف لدى الناخب الإسرائيلى فى الانتخابات القادمة، كما حقق الاستفادة من تطوير القبة الحديدية، ودمر أعدادا من مستودعات الجهاد، وقام بتصفية بعض الزعماء والقادة. بينما نجح الجانب الفلسطينى فى بث الرعب فى قلوب الإسرائيليين، التى لا يمكن أن تستهين بوصول صواريخ المقاومة لمشارف تل أبيب، ومطارها الدولى، وكان أصدق دليل على نجاح المقاومة الفلسطينية، تلك المقاطع المصورة التى التقطتها العدسات الإسرائيلية نفسها، لهروب الإسرائيليين إلى المخابئ، وقت إطلاق صفارات الإنذار فى تل أبيب.

وهذا هو عهدنا بالقيادة المصرية الحكيمة، التى لا تألو جهدا فى تحقيق مصالح الشعب الفلسطينى، وتحقيق الاستقرار فى المنطقة.



Email: sfarag.media@outlook.com